كيف يُظهر كاتب إنجيل برنابا شخصية السيد المسيح؟
ثانيًا: شخصية السيد المسيح في إنجيل برنابا
يركز كتاب برنابا على الأمور الآتية بالنسبة لشخصية يسوع:
1- يركز على يسوع مجرد نبي والعذراء أم نبي، ففي الفصل الأول يقول "ولكن الملاك سكن روعها قائلًا لا تخافي يا مريم لأنك قد نلت نعمة من لدن الله الذي أختارك لتكوني أم نبي يبعثه إلي إسرائيل " تسألت العذراء كيف يكون هذا؟ " فأجاب الملاك يا مريم إن الله الذي صنع الإنسان من غير إنسان لقادر أن يخلق فيك إنسان لأنه لا محال عنده" (1: 4-6).
2- ينكر أن يسوع هو المسيح المسيا، لأنه يدعو محمد بالمسيح وأن يسوع ليس مستحقًا أن يحلَّ سيور حذائه، ففي الفصل 42 يقول "لذلك أرسلوا اللاويين وبعض الكتبة يسألونه قائلين من أنت فاعترف يسوع وقال الحق إني لست مسيا. فقالوا أنت إيليا أو أرميا أو أحد الأنبياء القدماء. أجاب يسوع كلا. حينئذ قالوا من أنت. قل لنشهد للذين أرسلونا فقال حينئذ يسوع: انا صوت صارخ في اليهودية كلها. يصرخ أعدوا طريق رسول الرب.. ولست أحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه. لأني لست أهلًا أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا الذي خُلِق قبلي وسيأتي بعدي. وسيأتي بكلام الحق". (42: 4-10).
3- أن يسوع صار قدوس الله لأنه قدم الاحترام لرسول الله، ففي الفصل 44 يقول "ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلي العالم صدقوني إني رأيته وقدمت له الاحترام.. ولما رأيته امتلأت عزاء قائلًا " يا محمد ليكن الله معك وليجعلني أهلًا أن أحل سيور حذائك. لأني أنا قلت هذا صرت نبيًا عظيمًا وقدوس الله" (44: 27-31).
4- يسوع يطيع الملاك: يسوع مجرد نبي يطيع الملاك ويقدم ذبيحة، ففي الفصل 47 يقول "ونزل يسوع في السنة الثانية من وظيفته النبوية من أورشليم. وذهب إلي نايين"،وفي الفصل 13 يذكر قصة خيالية: " فأجاب الملاك جبريل أنهض يا يسوع وأذكر إبراهيم الذي كان يريد أن يقدم ابنه الوحيد إسماعيل (الذبيح هو إسحق وليس إسماعيل) ذبيحة لله.. فعليك أن تفعل يا يسوع خادم الله.. فأجاب يسوع سمعًا وطاعة. ولكن أين أجد الحمل وليس معي نقود ولا تجوز سرقته. فدلَّه إذ ذاك الملاك جبرائيل على كبش. فقدمه يسوع ذبيحة حامدًا ومسبحًا لله الممجد" (13: 15-20).
5- يسوع يستنجد من الشيطان: في الفصل 122 يقول على لسان يسوع:
" فنجنا أنت يا رب من الشيطان ومن الجسد ومن العالم. كما نجيت مصطفاك إكرامًا لنفسك وإكرامًا لرسولك الذي لأجله خلقتنا" (122: 26-27).
6- ينكر أن يسوع هو أبن الله، ولهذا عندما أعترف بطرس بأنه أبن الله أنتهره وأراد طرده، ففي الفصل السبعين يقول "أجاب يسوع وما قولكم أنتم فيَّ. أجاب بطرس أنك المسيح ابن الله. فغضب حينئذ يسوع وأنتهره بغضب قائلًا اذهب وانصرف عني. لأنك أنت الشيطان وتحاول أن تسئ إليَّ". ثم هدَّد الأحد عشر قائلًا: "ويل لكم إذا صدقتم هذا لأني ظفرت بلعنة كبيرة من الله على كل من يصدق هذا". وأراد أن يطرد بطرس. فتضرع حينئذ الأحد عشر إلى يسوع لأجله فلم يطرده. ولكنه أنتهره أيضًا قائلًا: حذار أن تقول مثل هذا الكلام مرة أخرى لأن الله يلعنك " فبكى بطرس وقال: يا سيد قد تكلمت بغباوة فأضرع إلى الله أن يغفر لي" (70: 4-11) وفي الفصل 53 " ولما قال يسوع هذا صفع وجهه بكلتا يديه. ثم ضرب الأرض برأسه ولما رفع رأسه قال: ليكن ملعونًا كل من يدرج أقوال أنى ابن الله" (53: 34-35) وفي صلاته قال "العن إلى الأبد كل من يفسد إنجيلي الذي أعطيتني عندما يكتبون أنى ابنك" (212: 5).
7- ينكر لاهوت يسوع مرارًا وتكرارًا، ولذلك نجد:
أ- يسوع ينكر قدرته على صنع المعجزات، فعندما ذهب إليه عشرة برص يطلبون منه الشفاء قال لهم "أيها الأغبياء أفقدتم عقلكم حتى تقولوا.
أعطنا صحة. ألا ترون أنى إنسان نظيركم؟ أدعو إلهنا الذي خلقكم وهو القدير الرحيم يشفيكم" (19: 15-17) ويعلن انه غير قادر على خلقة ذبابة واحدة " فأنى وأنا لا طاقة لي أن أخلق ذبابة بل زائل وفانٍ لا أقدر أن أعطيكم شيئًا نافعًا لأني أنا نفسي في حاجة إلى كل شيء" (128: 8).
ب- ينكر يسوع قدرته على غفران الخطايا، ففي حادثة المفلوج يقول"لعمر الله أنى لست بقادر على غفران الخطايا" (71: 6).
ج- الجنود الرومان هم الذين ألّهوا يسوع، ففي الفصل 91 يقول "وحدث في هذا الزمن اضطراب عظيم في اليهودية كلها لأجل يسوع. لأن الجنود الرومانية أثارت بعمل الشيطان العبرانيين قائلين: أن يسوعهو الله قد جاء ليفتقدهم. فحدث بسبب ذلك فتنة كبرى حتى أن اليهودية كلها تدججت بالسلاح لمدة أربعين يومًا فقام الابن على الأب والأخ على الأخ.. فأجتمع في مزية على أثر ذلك ثلاثة جيوش كل منها مئتا ألف متقلدي السيوف (كانت جميع القوات الرومانية عندئذ لا تتعدى الـ350 ألف من قوات عاملة واحتياطية منتشرة من أسبانيا حتى نهر الفرات، وما كان منها في فلسطين لا يتعدى 3000 جندي) فكلمهم هيرودس أما هم فلم يسكنوا. ثم تكلم الحاكم ورئيس الكهنة قائلين: أيها الأخوة أن هذه الفتنة إنما قد أثارها عمل الشيطان لأن يسوع حي وإليه يجب أن نذهب ونسأله أن يقدم شهادة عن نفسه وان نؤمن به بحسب كلمته" (91: 1-2) وذهبوا إلي يسوع يسألونه ففي الفصل 96 يقول:
"ولما انتهت الصلاة قال الكاهن بصوت عالٍ قف يا يسوع لأنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكينًا لأمتنا. أجاب يسوع أنا يسوع بن مريم من نسل داود بشر مائت ويخاف الله وأطلب أن لا يعُطَي الإكرام والمجد إلاَّ لله". (96: 1-2).
وفي الفصل 97 يقول الكاتب: "فأجاب حينئذ الكاهن مع الوالي والملك قائلين لا تزعج نفسك يا يسوع قدوس الله لأن هذه الفتنة لا تحدث في زماننا مرة أخري. لأننا سنكتب إلي مجلس الشيوخ الروماني المقدس.
بإصدار أمر ملكي أن لا أحد يدعوك فيما بعد الله أو ابن الله" (97: 2).
وفي الفصل 98 يستكمل القصة قائلًا:
" لذلك تحنَّن مجلس الشيوخ على إسرائيل وأصدر أمرًا أنه ينهي ويتوعد بالموت كل أحد يدعو يسوع الناصري نبي اليهود إلهًا أو ابن الله. فعلق هذا الأمر في الهيكل منقوشًا على النحاس" (98: 3).
د- ان الله أحدث قحطًا في بني إسرائيل لأنهم دعوا يسوع بأنه الله " الحق أقول لكم أن الله قد أحدث هذا القحط لأنه ابتدأ هنا جنون الناس وخطيئة إسرائيل إذ قالوا إنني أنا الله وأبن الله" (138: 11) وهددهم يسوع بأن الأرض ستنشق وتبتلعهم، والنقمة ستحل بأورشليم من أجل هذا، ففي الفصل 92 يقول: "ولما قال هذا اقترب الجمهور. فلما عرفوه أخذوا يصرخون: مرحبًا بك يا إلهنا وأخذوا يسجدون له كما يسجدون لله. فتنفس يسوع الصعداء وقال انصرفوا أيها المجانين لأني أخشي أن تفتح الأرض فاها وتبتلعني وإياكم لكلامكم الممقوت. لذلك ارتاع الشعب وطفقوا يبكون" (92: 17 - 20).
وفي الفصل 93 يستكمل قائلًا: "حينئذ رفع يسوع يده إيماء للصمت وقال إنكم لقد ضللتم ضلالًا عظيمًا أيها الإسرائيليون لأنكم دعوتموني إلهكم وأنا إنسان. وإني أخشي لهذا أن ينزل الله بالمدينة المقدسة وباءًا شديدًا مُسلِمًا إياها لاستعباد الغرباء. لعن الله الشيطان الذي أغراكم بهذا ألف لعنة. ولما قال يسوع هذا صفع وجهه بكلتا كفيه. فحدث على أثر ذلك نحيب شديد حتى لم يسمع أحد ما قاله يسوع" (93: 1-6).
"أجاب يسوع: وأنت يا رئيس كهنة الله لماذا لم تخمد الفتنة. هل جننت أنت أيضًا؟" (93: 21).
وفي فصل 52 يقول: "الحق أقول لكم متكلمًا من القلب أني أقشعر لأن العالم سيدعونني إلهًا. وعليَّ أن أقدم لأجل هذا حسابًا "(52: 10-11)، " وبعد أن تكلم يسوع هكذا أزرف الدموع" (52: 18).
8- يشير الكتاب إلى نزول الوحي على يسوع، فيحكى برنابا قائلًا " صعد (يسوع) إلى جبل الزيتون مع أمة ليجنى زيتونًا. وبينما كان يصلى في الظهيرة.. وإذا بنور باهر قد أحاط به وجوق لا يحصى من الملائكة كانوا يقولون " ليتمجد الله". فقدم له الملاك جبريل كتابًا كأنه مرآة براقة. فنزل إلى قلب يسوع الذي عرف به ما فعل الله وما قال الله وما يريد الله حتى أن كل شيء كان عريانًا ومكشوفًا له" (10: 1-4) وفي الفصل 168 يقول الكاتب " أجاب يسوع صدقوني إنه لما اختارني الله ليرسلني إلي بيت إسرائيل أعطاني كتابًا يشبه مرآة نزلت إلي قلبي حتى أن كل ما أقول يصدر عن ذلك الكتاب. ومتى انتهي صدور هذا الكتاب من فمي أصعد عن العالم" (168: 2-3) وفكرة نزول الوحي على يسوع فكرة إسلامية (راجع إنجيل برنابا بين المؤيدين والرافضين - د. فريز صموئيل ص 37 - 41).
9- يشير يسوع إلى تحريف الإنجيل الذي سيحدث بعد أن يفارق العالم فقال في الفصل 96 " ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخري هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عديمي التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله. فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقي ثلاثون مؤمنًا.. حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله" (96: 9-11) وأيضًا (52: 14، 124: 6-10، 159: 12، 189: 9-11، 211: 10، 212: 2، 3، 5).
10- يذكر قصة رفع يسوع إلى السماء فيقول في الفصل 215:
" ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع سمع يسوع دنو جم غفير. فلذلك انسحب إلي البيت خائفًا. وكان الأحد عشر نيامًا فلما رأي الله الخطر على عبده أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم. فجاء الملائكة الأطهار وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة" (215: 1-6).
وفي الفصل 216 يذكر قصة وقوع شبه يسوع على يهوذا: "ودخل يهوذا بعنف إلي الغرفة التي أُصعِد منها يسوع. وكان التلاميذ كلهم نيامًا. فأتي الله العجيب بأمر عجيب. فتغير يهوذا في النطق وفي الوجه فصار شبهًا بيسوع حتى أننا اعتقدنا أنه يسوع. أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم. لذلك تعجبنا واجبنا أنت يا سيد هو معلمنا. أنسيتنا الآن؟ أما هو فقال مبتسمًا: هل أنتم أغبياء حتى لا تعرفون يهوذا الإسخريوطي. وبينما كان يقول هذا دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا لأنه كان شبيهًا بيسوع من كل وجه" (216: 1-9) ويستكمل القصة في الفصل 217 حيث يقول "أجاب يهوذا (الجنود): لعلكم جننتم. إنكم أتيتم بسلاح ومصابيح لتأخذوا يسوع الناصري كأنه لص أفتوثقوني أنا الذي أرشدكم.. فتكلم من ثَم يهوذا كلمات جنون كثيرة. حتى أن كل واحد أغرب في الضحك معتقدًا أنه بالحقيقة يسوع وأنه يتظاهر بالجنون خوفًا من الموت.. لعمر الله أن الذي يكتب (المدعو برنابا) نسى كل ما قاله يسوع: من أنه يُرفَع من العالم وأن شخصًا آخر سيعذب باسمه وأنه لا يموت إلى وشك نهاية العالم. لذلك ذهب (الذي يكتب) مع أم يسوع ومع يوحنا إلى الصليب.. أجاب يهوذا (بيلاطس): صدقني انك إذا أمرت بقتلى ترتكب ظلمًا كبيرًا لأنك تقتل بريئًا. لأني أنا يهوذا الإسخريوطي لا يسوع الذي هو ساحر فحولني هكذا بسحره.. ووضعوا إكليل الشوك على رأس يهوذا.. ولم يفعل يهوذا شيئًا سوى الصراخ: يا الله لماذا تركتني فإن المجرم قد نجا أما أنا فأموت ظلمًا. الحق أقول أن صوت يهوذا ووجهه وشخصه بلغت من الشبه بيسوع أن أعتقد تلاميذه والمؤمنون به كافة أنه هو يسوع" (217: 9-80).
وفي الفصل 218 يتحدث عن سرقة التلاميذ لجسد يهوذا فيقول "أما التلاميذ الذين لم يخافوا الله فذهبوا ليلًا وسرقوا جسد يهوذا وخبأوه وأشاعوا أن يسوع قام" (218: 3). بينما في الفصل 216 ذكر خوف التلاميذ ساعة القبض، فيقول على لسان التلاميذ " أما نحن فلما سمعنا قول يهوذا ورأينا جمهور الجنود هربنا كالمجانين" (216: 10).
وفي الفصل 219 - 220 يذكر قصة خرافية من ظهور يسوع لأمه وتلاميذه فيقول "ثم أن العذراء التي كانت تخاف الله أوصت الساكنين معها أن ينسوا ابنها.. وما كان أشد انفعال كل أحد.. وصعد الملائكة الذين كانوا حراسًا على مريم إلى السماء الثالثة حيث كان يسوع في صحبة الملائكة وقصوا عليه كل شيء. لقد ضرع يسوع إلى الله أن يأذن له بأن يرى أمه وتلاميذه. فأمر حينئذ الرحمن ملائكته الأربعة المقربين الذين هم جبريل وميخائيل ورافائيل وأوريل أن يحملوا يسوع إلى بيت أمه. وأن يحرسوه هناك مدة ثلاثة أيام متوالية.. فجاء يسوع.. فخروا من الهلع كأنهم أموات.. فلبث كل منهم زمنًا طويلًا كالمخبول لحضور يسوع. لأنهم اعتقدوا اعتقادًا تامًا بأن يسوع مات. فقالت حينئذ العذراء باكية: قل لي يا بني لماذا سمح الله بموتك ملحقًا العار بأقربائك أخلائك وملحقًا العار بتعليمك وقد أعطاك قوة على إحياء الموتى. فإن كل من يحبك كان كميت. أجاب يسوع معانقًا أمه: صدقيني يا أماه لأني أقول لك بالحق أنى لم أمت قط.. ولما قال هذا رغب إلى الملائكة الأربعة أن يظهروا ويشهدوا كيف كان الأمر. فظهر من ثم الملائكة كأربع شموس متألقة حتى أن كل احد خرَّ من الهلع ثانية كأنه ميت. فأعطى حينئذ يسوع الملائكة أربع ملاء من كتان يستروا بها أنفسهم لتتمكن أمه ورفاقها من رؤيتهم وسماعهم يتكلمون.. فقال حينئذ الذي يكتب: يا معلم إذا كان الله رحيمًا فلماذا عذبنا بهذا المقدار بما جعلنا نعتقد انك كنت ميتًا؟ ولقد بكتك أمك حتى أشرفت على الموت.. أجاب يسوع: صدقني يا برنابا أن الله يعاقب مع كل خطيئة مهما كانت طفيفة عقابًا عظيمًا لأن الله يغضب من الخطيئة. فلذلك لما كانت أمي وتلاميذي الأمناء الذين كانوا معي أحبوني قليلًا حبًا عالميًا أراد الله البر أن يعاقب على هذا الحب بالحزن حتى لا يعاقب عليه بلهب الجحيم" (219: 2: 2 - 220: 18).