رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الشخصية السوية (1) – وضوح الهدف الجمعة 04 يوليو 2014 القمص داود لمعي راعي كنيسة مارمرقس كليوباترا إن وضوح الهدف هو أول صفة تميز صاحب الشخصية السوية وتمثل ركنا أساسيا في تكوين ونضوج هذه الشخصية.. فكل إنسان عاقل يجب أن يضع أمامه أهدافه محددة وواضحة تختلف بطبيعة الحال حسب مراحل تطور شخصيته ونضوجها، ويجب عليه أن يسعى لتحقيق مثل هذه الأهداف حتى يكون لحياته طعم ولون ولوجوده معنى ومغزى. والشخصية السوية، القوية والمؤثرة، هي التي تكون الأهداف الواضحة والمحددة أمامها أهدافا سليمة وراقية ونبيلة. أما عدم وضوح الهدف فيؤدي إلى الخلل والتطرف في الشخصية.. والشخصية المتطرفة هي: إما تلك الشخصية التي تضع أمامها أهدافا واضحة لكنها ليست سليمة ولا نبيلة مثل الغني المادي أو الامتلاك أو ابتغاء المناصب والمتكئات الأولى. أو هي الشخصية التي تكون الأهداف أمامها غير واضحة المعالم أو الشخصية التي تعيش الحياة أصلا بلا أهداف أو طموحات. الشخصية المسيحية السوية يجب أن تضع أمامها أولا، وقبل كل شئ، هدفا كبيرا.. واضحا وثابتا واكيدا.. وهو ما يسمى "الهدف" objective أو البعض يسميه "الرؤية" vision وآخرون يسمونه "الهدف الأخير" final goal وهذا الهدف هو الحياة الأبدية في ملكوت السموات. وبعد هذا الهدف الجوهري تأتي الأهداف الصغيرة التي تسمى أهداف حياتية مرحلية targets ، تتشكل وتتغير طبقا للمراحل العمرية المختلفة وتتحدد إستنادا لمؤشرات نضج وتطور الشخصية. لقد أوصانا السيد السيح قائلا: "لكن أطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33) وعلمنا أن نصلي قائلين: "أبانا الذي في السموات، ليتقدس إسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" (مت 6: 9- 10) وعرفنا أيضا قائلا: "لأن ها ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21) فالسيد المسيح يعلمنا إذا أن الهدف الكبير الذي ينبغي أن يكون واضحا أمامنا والذي ينبغي أن نجاهد من أجل الوصول إليه وهو ملكوت السماء، ويعرفنا – له كل المجد – أن الوصول إلى هذا الهدف الأسمى يتطلب منا أن نبدأ حياة الملكوت ونحن هنا على الأرض وأن نعيش الحياة السماوية المقدسة الأن ونحن على هذه الأرض في كل بر وسلام وفرح حسب مشيئته إلى أن نلقاه في النهاية على السحاب، فنحيا ونتمجد معه إلى الأبد في ملكوت السماء. أما الأهداف الصغيرة فتأتي أهميتها في المرتبة الثانية، وهي أهداف جزئية أو مرحلية مثل: - النجاح أو التفوق في المرحلة التعليمية - اختيار شريك الحياة والزواج - التقدم والترقية في العمل ولكي لا ينجرف الإنسان وراء الأهداف المرحلية وينسى الهدف الأسمى – ملكوت الله وبره – لابد أن يراعي الآتي: - القانون الروحي - السعي وراء الفضيلة - النمو في العلم الروحي 1- القانون الروحي: هذا يعني ببساطة نظام العبادة والعلاقة مع الله.. وهذا النظام أو القانون قابل للنمو والتطور. لا ينبغي أن يتأثر كثيرا بظروفك الدراسية أو مهامك الوظيفية ولا بأحوالك المعيشية أو الإجتماعية.. ويشمل هذا القانون: الصلاة والصوم ودراسة الكتاب المقدس والإعتراف وحضور القداسات والتناول من جسد المسيح ودمه بإنتظام والخدمة الروحية والمجتمعية. وقد ثبت على مر الأزمنة أن غرس مثل هذه النظم والقوانين الروحية والالتزام الروحي منذ الصغر في الأطفال والنشأ والشباب، هو أمر هام جدا لأنه يضع الأساس لبناء شخصيات روحية سوية. وتنشئة نماذج ناجحة من الخدام الأمناء ويثبت الخطوات الأولى في طريق حياة البر والفضيلة والقداسة، فيحمي الإنسان بعد ذلك من تيارات التطرف والإلحاد ويصونه من إغراءات العالم والشيطان.. ومن خلال هذا القانون تتعامل نعمة الله مع كل عضو في الكنيسة، فنرى كثيرين يحبون الخلوة الروحية والتسبيح والصلاة ويواظبون عليها بعمق وتركيز ويستمتعون بها مهما طالت أوقاتها ومهما كلفهم ذلك من تعب ومن جهد, لأنهم يلتقون فيها بالله ويتمتعون خلالها بالحديث معه وسماع صوته.. ونرى أخرين يحبون دراسة الكتاب ويجتهدون بشغف في البحث عما به من كنوز ويجدون فيه الحياة كالماء والهواء. إذا.. راجع نفسك! هل لك قانونك الروحي الخاص بك؟ هل تراجعه مع أب إعترافك أو مرشدك الروحي من آن لآخر؟ وهل أنت أمين وصادق في تنفيذ وتطبيق كل بنوده أم تقصر وتهمل في بعضها؟! 2- السعي وراء الفضيلة: إن الشخصية السوية يجب أن تتحلى بالسلوكيات القويمة وبالطبائع الجميلة والفضائل الحميدة، في محاولة منها للوصول إلى حياة القداسة.. فإن شعر صاحب هذه الشخصية في وقت ما بضيق في قلبه وعدم سعة صدره لإحتمال من حوله وعدم قدرته على التسامح ومحبة كل الناس حتى الذين يضايقونه ويحاربونه منهم، وإن شعر بإحتمالية إنزلاقه أو سقوطه في بئر إدانة الآخرين وأيقن أنه لا ينفذ كلام الرب يسوع الذي أوصانا قائلا: "وأما أنا فأقول لكم: أحبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 5: 44) "لا تدينوا لكي لا تدانوا" (مت 7: 1) فإنه يراجع ذاته ويحاسب نفسه ويلومها بشدة على هذا المستوى الروحي الضعيف وعلى عدم حفظ الوصية وتنفيذها أو العمل بها، بل ربما تزداد حدة اللوم إذا ما قرأ في الكتاب المقدس عن شخصية روحية مثل إستفانوس..! هذا الذي كان مملوء من الإيمان والحكمة والروح القدس، فحينما كان القوم الحانقون عليه يرجمونه خارج المدينة، كان هو يدعو الرب يسوع ويصرخ بصوت عظيم قائلا: "يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية. وإذ قال هذا رقد" (أع 7: 60) كان متمسكا بفضائل إحتمال الإساءة والتسامح ومحبة الأعداء وهو في قمة الألم وحتى النفس الأخير، ومتمثلا في ذلك بسيده يسوع المسيح.. ذاك الذي قال وهو معلقا مذبوحا على خشبة الصليب بيد اليهود المتوحشين: "يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34) حينذاك، يتخذ صاحب هذه الشخصية السوية قرارا حاسما بالإصلاح والتغيير.. فيضع فضيلة التسامح كهدف روحي ثابت أمامه ويسعى جاهدا من أجل الوصول إليه، متذكرا ما فعله استفانوس وطالبا معونة الله في صلاته وملتمسا لمسة يده الحانية لتغيير قلبه حتى يتسع هذا القلب لكل الناس فينبض بالحب والنقاء ويمتلئ بالفرح والرجاء "قلبا نقيا أخلق في يا الله، وروحا مستقيما جدد في داخلي" (مز 51: 10) 3- النمو في العلم الروحي: يجب على الخادم الأمين ذو الشخصية السوية أن يهتم بدراسة العلوم الروحية والعوص في بحورها لإكتشاف ما في أعماقها من كنوز ثمينة، هذا بجانب دراسته ونجاحه في المجالات العلمية والثقافية الأخرى.. فيجب عليه دراسة تاريخ الكنيسة ومعرفة الطقوس والأسرار والقوانين الكنسية، وإستيعاب ركائز الإيمان والعقيدة وقراءة أقوال الأباء وسير القديسين والشهداء، ليستفيد ويستزيد علما وغنى روحيا ويستنير فينير للآخرين من الدارسين والمخدومين. إن الإجتهاد لتحقيق الأهداف الروحية والنمو في حياة البر والقداسة لا يتعارض أبدا مع أهدافك الطبيعية والشخصية كإنسان عادي.. فالنجاح والتفوق في الدراسة أو التميز في مجال العمل وفي المجتمع، أو البحث عن شريك الحياة المناسب للزواج، والحلم بإنجاب الأولاد ونجاحهم وبالحياة الأسرية السعيدة، أو الوغبة في زيادة الموارد المالية من أجل مستوى معيشي أفضل، هي كلها أهداف حياتية عادية وطموحات طبيعية مقدسة... وهي أيضا نعم وبركات وخيرات من يد الله يغدق بها علينا فنفرح بها ونشكره عليها. ولكن...! يجب أن ننتبه إلى ترتيب هذه الأهداف وتلك الطموحات في عقولنا وقلوبنا.. فنحرص أن يكون شاغلنا المقدس الأول في الحياة على الأرض هو الملكوت السماوي، أما كل الأهداف والطموحات الأخرى والتي يجب أن تكون واضحة وصحيحة، فتأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة دون أى إهمال أو تقصير في مفردات القانون الروحي ودون أي تجاوزات تخدش الفضيلة، بل بكل أمانة واحترام وبكل الانضباط والإلتزام الذي يميز الشخصية المسيحية السوية. وحينما تجلس أنت لتضع لنفسك ولحياتك ولمجال خدمتك أهدافا تريد تحقيقها بنجاح، يجب أن تنتبه أيضا وتحرص أن تكون تلك الأهداف محددة ومنسقة وذكية، خاضعة للقياس وقابلة للتحقيق عمليا ومنطقيا في زمن محدد.. وهذا هو ما يسمى في علم الإدارة SMART TARGETS فكل حرف منها يرمز إلى معيار مهم: محدد S = Specific --- يمكن قياسه --- M = Measurable يمكن تحقيقه A = Achievable --- عملي أو منطقي أو واقعي --- R = Reasonable and Realistic محدد الوقت T = Time limited --- فمثلا.. لو وضع الخادم هدفا أن يعلم الأطفال في فصله الصلاة، فليس من الحكمة أن يطالب هؤلاء الأطفال بالصلاة بصفة عامة دون تحديد ثوابت مشتركة ووقت معين، أو دون قياس منطقي للكم أو المقدار الذي يستطيع الطفل إنجازه وتحقيقه بنجاح في سنه الصغير.. بل يجب عليه من البداية أن يعقد معهم إتفاق مثلا بأن يصلوا جميعا ثلاث مزامير يوميا مدة أسبوع.. فهذا هدف محدد، واقعي ومنطقي، يمكن تحقيقه عمليا وفعليا في خلال وقت محدد. ويمكن قياس نسب النجاح في تحقيقه باختبار الأولاد في نهاية الأسبوع.. أخيرا.. هل يشغلك الملكوت وبره كهدف أساسي؟ هل تبدأ وتنهي يومك بالصلاة مهما كانت الظروف؟ هل تهتم بأن تقرأ كتاب روحي أو تسمع عظة أسبوعيا؟ هل أنت أمين في صلواتك وخدمتك بقدر أمانتك في عملك؟ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
سمات الشخصية السوية |
وضوح الهدف _ هيلاريون الغزاوي |
الشخصية السوية (الإرادة) (10) |
الشخصية السوية (5) الإحتياجات |
الشخصية السوية (4)- الأولويات |