منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 06 - 2014, 01:12 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,942

بطرس يتحرر
بطرس يتحرر

”لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم
بما رأينا وسمعنا“
(أع 4: 20)
تلك كانت كلمات القديس بطرس في حديثه لرؤساء اليهود، بعد ليلةٍ قضاها في السجن، ولعلّنا للوهلة الأولى نندهش أن تلك هي كلمات ذاك التلميذ الذي أنكر معرفته بيسوع أمام جارية، منذ عدّة أيام خلت!! ولكننا نعلم أن شيئاً ما قد حدث داخل بطرس لأنّ تلك المجاهرة الجريئة التي قد تكلّفه حياته -حياته التي لم تعد لها قيمة في مقابل الشهادة التي ينبغي أن يؤدّيها عن قيامة الربّ- كان قد سبقها كلمات نارية استطاعت أن تحرّك نحو خمسة آلاف رجل تجاه النور الحقيقي، هنا ونتساءل عن سرّ هذا التحوّل من موقف ردّ الفعل الخائف، إلى موقف الفعل الجريء الذي لا يعبأ بالنتائج، ولا يرى سوى صورة المصلوب / القائم. والإجابة تتلخّص في كلمتين: “الروح القدس”، والذي كان بمثابة النار التي كانت تحتاجها الكنيسة المتحيّرة التي توارت في عُلِّية، في صلاة عميقة من أجل نوال تلك القوّة، لأنّ العمل الموُكل للكنيسة (ومنها بطرس) ليس هيناً؛ إنّه الشهادة للمسيح أمام قاتليه!!
لقد كان عمل الروح القدس في بطرس أولاً هو تحريره من الخوف الذي ظلّ ينهش في قلبه في صراعٍ لا يهدأ، صراع بين الحريّة والتقوقع، الأولى لها رصيد يتمثل في معايشته اليوميّة للمخلّص، والثانية هي من تبعات السقوط الآدمي الذي أورثنا الخوف كنتيجة مباشرة للخطيئة التي سكنت بشريّتنا.. ولكن الروح الذي هبَّ على الكنيسة في يوم الخمسين كان يُرجِّح كفّة ما رآه وما سمعه بطرس قرابة الثلاث سنوات وبضعة أشهر، هي تلك الفترة التي قضاها مع المُخلّص، الفترة التي مرّت سريعاً كحلمٍ جميلٍ مُرْسَل من الأبديّة إلى قلبه.. وكان الروح يُذكِّره -كقول المُخلّص- بما رآه وما سمعه..
ما رآه من مجد الربّ الملتمع على جبل طابور
ما رآه من معجزاتٍ باهرةٍ مفتتة منطق العقل الإنساني المجرّد
ما رآه من سيادة الابن على الطبيعة وعلى البشر وعلى الأرواح الشريرة
ما رآه في يسوع من حريّة الروح الطليقة التي كانت تنزعج من شكليّات العبادة الحرفيّة، والطقوس المُفرَّغة من معناها والتي كانت تهدف، بالأساس، إلى إعادة الصّلة بين يهوه وشعبه
ما رآه من غفرانٍ مذهلٍ لمَنْ مزّقوا جسده بأيديهم وقلوبهم المتحجّرة..
ما سمعه عن التحرُّر المذخر لبني آدم إن قبلوا رسالة الابن
ما سمعه عن وهج ملكوتٍ لن يخبو ولن ينطفئ ضيائه، لأنّه سُكْنَى الحمل مع جمهور المفديّين
ما رآه عن المحبّة التي تُعطي حتى الميل الثاني، غير متفكرة في جزاء الميل الأول ومغانمه
ما سمعه عن تعاليم تحترم إنسانيّة الإنسان مهما كان وضعه الاجتماعي والمادّي والثقافي
ما رآه من رقّة في التعامل مع المرأة التي همّشها المجتمع وشيّئها إلى أن أصبحت خزيًّا
ما رآه من اختراق عينا يسوع جوهر وقلب البشر والكون، باحثًا عن فتيلة مدخّنة وإن كان الظاهر صخورًا جرانيتيّة
ما سمعه عن قوّة عبادة ترفع إلى الآب بالروح والحقّ
ما رآه من بذلٍ منسكبٍ بشهادة الدماء والجروح لأنّه أحبّ حتى المنتهى
هذا كان ما رآه وما سمعه بطرس
ولكن ما رآه وسمعه بطرس لم يكن محفوراً في قلبه، لذا عند هبوب أوّل زوبعة لم يجد ولو صدىً خافتًا لكلمات المخلّص في قلبه!! لم يرى ولو صورة باهتة لحياة المسيح في كيانه!! لقد تلاشَى كل شيء، ولم يتبقّى سوى الخوف والرعب والتفكير في عواقب القبض على يسوع. فالروح القدس لم يسكن بعد في ذلك القلب المرتعش بحبّ الحياة التي في الجسد!!
ولكن نحن الآن بعد حوالي شهريْن من موت الربّ يسوع وقيامته، نرى شخصاً آخر نرى معادلة إنسانيّة جديدة تولّدت من رحم يوم الخمسين، وهي:
بطرس (الإنسان في ملء ضعفه) + سكنى الروح = الشهادة بقوّة عظيمة
وهذه المعادلة هي عينها البشارة المفرحة التي جاء بها الربّ يسوع إلينا، إنها رسالة لمن فقد الرجاء في إمكانية تغييره، رسالة لمن انحصر في دائرة خوفه من الجسد والعالم والشرّير، رسالة لمَنْ سَقَطَ في هوّة اليأس المظلمة حينما اصطدم برغبات اللّحم والدم القاتلة، رسالة لمن صرخ قائلاً: “لا أستطيع.. مفيش فايده”!!
لقد رأى بطرس رسالة الربّ يسوع المرسلة من السماء، في الروح القدس، تعمل في داخله، رأى في ذاته أذيال الخوف تفرُّ من أمام نور الحقّ الذي جاء ليسكن من جديد، رأى في داخله قوّة لم يكن يعيها في بادئ الأمر، ولكنه كان يشعر بتحرُّره.. يشعر أن قيود فمه سقطت مثل القشور التي سقطت من عيني بولس. لقد شعر بكلمات جديدة تخرج من بين شفتيه، كلمات فيها ملء الحقّ والحريّة، تشهد للإله الذي اتّخذ جسداً فلم يدركه أحد، حتى جاء الروح وأنعش ذاكرة المؤمنين في يوم الخمسين ليُعْلِن فيهم وبهم أنّ هذا هو بالحقيقة مُخلّص العالم.
بدأ هنا في تلك العليّة الضيّقة فصلٌ جديدٌ من حياة بطرس، فصلُ الشهادة للربّ بالروح بكلّ مجاهرة. كانت الليلة التي قضاها بطرس في السجن قبل نطقه بتلك الكلمات، بمثابة إعادة شحن لحريّته التي لن تُقيّدها أغلال ولن توقفها قضبان، فقد دخل بطرس السجن وهو يضع في حسبانه أنّه سوف يلاقي نفس مصير المُخلّص، لأنهم إن كانوا فعلوا ذلك بالعود الرطب، فكم وكم باليابس؟ إن كانوا تجرأوا على قتل المسيّا المنتظر، فما الذي ينتظره تلاميذه إلا أن يلاقوا نفس المصير.. لقد” أقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون متضجّرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات. فألقوا عليهما الأيادي ووضعوهما في حبسٍ” (أع 4: 1-3)، تماماً كما فعلوا مع يسوع؛” فأخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعلَ ومصابيحَ وسلاحٍ” (يو 18: 3) .
لقد كتب بطرس في الأصحاح الخامس من رسالته الأولى قائلاً: ”مُلقين كلّ همّكم عليه لأنه هو يعتني بكم“، تلك الكلمات التي تُلْقي بكلّ الحِمْلِ على المُخلّص لتنتظر منه المعونة، كانت ولاشك إحدى فوائد السجن، ففي السجن تتصارع الأفكار ويتسلّل إبليس إلى العقل ليلقي بشكوكه، فما الذي يستطيعه الإنسان وسط إعصار الظلمة إلاّ أن يرفع عيناه إلى العلاء ويلتمس المعونة. لا يستطيع سوى الصلاة بصراخ الغرقَى، والرجاء بفجرٍ قريبٍ يشرق بنور الابن من وسط ظلمة الأفكار والشكوك.. الآن، في هزيع النفس الرابع، يشرق المخلّص بالروح في القلب ليداعب النفس الباكية ويكفكف دموعها المنهمرة، وليرفع رأسها إلى”المجد الأبدي الذي في المسيح يسوع” (بط 5: 10)، لينسيها محاصرة إبليس لها، ويرسل الروح إلى القلب ليعمل على فتح بصيرتها على حقيقة الأشياء التي زيّفها إبليس، ألا وهي حقيقة قصر ضيق الزمان الحاضر، وحقيقة براح الحياة الأبديّة الدائمة غير المنقضية.. لقد وضع بطرس هذا نصب عينيه، واستجمع قواه وتحفّز بالروح ليموت من أجل شهادة حقٍّ، فمن يضع الموت نصب عينيه، ويتجاهله، ما الذي سيخيفه فيما بعد؟!!
لقد رأى بطرس بالروح أن الشيطان يعمل في اليهوديّة ليُبْكِم الأفواه الشاهدة للربّ، ولكن رؤيّته لمكائد إبليس ومؤامراته، لم تخيفه ولم ترهبه كالمرّة الأولى، فهو الذي كتب عن إبليس في رسالته الأولى (5: 8) إنه كـ”أسدٍ زائرٍ يجول ملتمساً من يبتلعه”..
الآن بطرس مستعد أن يسير مع المُخلّص على درب الجلجثة..
الآن بطرس حرٌّ بالابن، كما أعلن لهم المُخلّص ذات مرّة
”فإن حرّركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحرارًا“
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
عندما يتحرر الطائر
من يؤمن به يتحرر
فلا يحاول أبدًا أن يتحرر
لا يقدر العقل أن يتحرر من التغير (الطبيعي)
بطرس يتحرر


الساعة الآن 07:10 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024