المحاكمة
وفي يوم بينما نحن نتناول وجبة الظهر أخرجونا بعجلة إلى سوق المدينة لكي يمتحنوننا. ووصلنا إلى مكان السوق، وإذ عُلِم الخبر، تجمّع شعب غفير. وأوقفونا على رصيف عال، بَدَأوا يستجوبوننا، فاعترف كثيرون بالإيمان. وجاء دوري، وإذ بي ألمح أبي واقفًا قبالي حاملًا ابني الرضيع واقترب منِّي حتى صار على بُعد خطوة وناداني: "ارحمي رضيعك" وإذا بالقنصل هيلاريان الذي كان قد تسلم سُلطان الحُكم بالموت أو بالحياة على كل المسجونين خلفًا للوالي مينوسيوس تيمينانوس يقول لي: " أشفقي على شيخوخة أبيكِ، وارحمي رضيعكِ وقدّمي ذبيحة عن سلامة الإمبراطور"، فأجبته على الفور: "كلاّ"، فسألني: "هل أنتِ مسيحية؟"
فأجبته على الفور: "نعم".
ولمّا حاول أبي أن يقتحم الحديث ليثنيني عن عزمي، أمر هيلاريان أن يُطرح بعيداً. فألقاه العسكر على الأرض وضربه القاضي بالعصا، فارتجّت نفسي بسبب الورطة التي وقع فيها أبي وكأن العصا وقعت على رأسي أنا، وحزنت غاية الحزن بسبب ما أصابه وهو في كِبَر أيّامه.
هيلاريان ينطق بالحكم:
وحينئذٍ وقف هيلاريانوس ونطق بالحكم على جميعنا، وكانت العقوبة أن نُطرح كلّنا للوحوش، فخرجنا كلّنا بفرح وتهليل واستودعنا السجن.
* عندما يكون اللَّه الأول:
فلمَّا عُدت أطلب ابني لأُرضِعه، عاد إليَّ بومبونيوس الشماس يخبرني أن أبي رفض أن يعيده إليَّ، وكأنها إرادة الله، فلا الطفل عاد يطلبني، ولا صدري عاد يدر اللّبن. فتوقّف قلقي في الحال وزال الألم الذي كان يعاودني في صدري جرّاء انحباس اللّبن.