يعترض البعض بأن أسلوب الرسالة (با6: 1- 72)، ليس أسلوب إرميا. فأسلوبه في الرسالة شديد ولاذع في تهكمه، بينما أسلوبه في سفره ومراثيه أسلوب لطيف وذو مشاعر وأحاسيس رقيقة للغاية، حتى وصف إرميا بالنبي الباكى...
الـــــــرد:
+ ولكن كيف لا يكون أسلوبه لاذعًا وشديدًا، وهو يرى أن هذه الأوثان هى السبب الأساسي والمباشر في خراب أورشليم؟! وإرميا في الأصحاح الرابع والأربعين يعاتب الشعب ويصرح لهم بقوله: "لِمَاذَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِكُمْ لاِنْقِرَاضِكُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً أَطْفَالًا وَرُضَّعًا مِنْ وَسَطِ يَهُوذَا وَلاَ تَبْقَى لَكُمْ بَقِيَّةٌ.لإِغَاظَتِي بِأَعْمَالِ أَيَادِيكُمْ إِذْ تُبَخِّرُونَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى فِي أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي أَتَيْتُمْ إِلَيْهَا لِتَتَغَرَّبُوا فِيهَا لِكَيْ تَنْقَرِضُوا وَتَصِيرُوا لَعْنَةً وَعَارًا بَيْنَ كُلِّ أُمَمِ الأَرْضِ... " ويكمل " [أَلَيْسَ الْبَخُورُ الَّذِي بَخَّرْتُمُوهُ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ وَمُلُوكُكُمْ وَرُؤَسَاؤُكُمْ وَشَعْبُ الأَرْضِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّبُّ وَصَعِدَ عَلَى قَلْبِهِ.وَلَمْ يَسْتَطِعِ الرَّبُّ أَنْ يَحْتَمِلَ بَعْدُ مِنْ أَجْلِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ مِنْ أَجْلِ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي فَعَلْتُمْ فَصَارَتْ أَرْضُكُمْ خَرِبَةً وَدَهَشًا وَلَعْنَةً بِلاَ سَاكِنٍ كَهَذَا الْيَوْمِ.مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ قَدْ بَخَّرْتُمْ وَأَخْطَأْتُمْ إِلَى الرَّبِّ وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ وَلَمْ تَسْلُكُوا فِي شَرِيعَتِهِ وَفَرَائِضِهِ وَشَهَادَاتِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكُمْ قَدْ أَصَابَكُمْ هَذَا الشَّرُّ كَهَذَا الْيَوْمِ]." (إر44: 7،8،21 - 23).
أليس هذا هو نفس أسلوبه في رسالته في الأصحاح العاشر: "الآلِهَةُ الَّتِي لَمْ تَصْنَعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ تَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ وَمِنْ تَحْتِ هَذِهِ السَّمَاوَاتِ..." (إر10: 11).
وأليس هذا هو النبي الذي كان يطلب منه الرب أن لا يصلى من أجلهم لكي يرحمهم (إر7: 16،11: 14، 14: 11). وهو هو بنفسه الذي يطلب من الله لكي يعاقبهم على معاملتهم السيئة معه (إر20: 12).
ويلزم أن نوضح شيئًا هامًا. وهو أن أسلوب أي كاتب يرتبط بمجموعة عوامل مثل:
1- الدافع النفسي 2- البيئة المحيطة 3 - الخلفية الثقافية 4- الحالة الانفعالية والعاطفية.
*ونلاحظ اختلاف الدافع النفسي في مراحل مختلفة في حياة إرميا، فهو في فترة كان ولدًا يتهرب من عبء النبوة (إر1: 6)، ثم شخصًا يدافع ويتشفع عن شعبه أمام الله (إر4: 19،8: 18 -9: 1،10: 19-25،13: 17، 14: 7-9، 17-22، 18: 20،32: 16-25... إلخ).
*ونلاحظ التغير العظيم في الخلفية الثقافية المرتبطة بنمو عمره ومقدار معرفته.
وبذلك لا يكون تنوع الأسلوب من أسباب الاعتراض التي يمكن الإرتكاز عليها، خاصة بأن مقارنة أفكار الرسالة في (با6: 1-72) مع رسالته في (إر10: 1-16)، تكشف عن تشابه بل تطابق في الفكرة وفي الدافع وفي كل الأحوال...