رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب القديس إغريغوريوس صانع العجائب، أسقف قيصرية الجديدة القمص أثناسيوس فهمي جورج مقدمة يسوع، فهو ليس مجرد تذكر لما هو وراء لكنه امتداد لما هو قدام....لأن المسيح ربنا هو هو أمس واليوم وإلى الأبد الكائن والذي سيكون. ومن هنا كانت أهمية أقوال الآباء واستمراريتها كتقليد كنسى خلاق وطاقة حب مجانية في شركة القديسين، ولغة غرس مشتركة، وخبرة قداسة معاشة، نحتاجها ونتطلع إليها. وربما الذين لا يأخذون بالتقليد ولا يتمتعون بغنى الأباء، يعتبرون التقليد إنغلاقاً وتراثاً قديماً وتكراراً ببغائياً يتجاهل تطور الأذواق والعقليات والحس النقدى، لكننا نؤمن أن المسيح الساكن في هؤلاء الاباء هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، يعلم إنسان اليوم أن يخرج على آثار الغنم ليعرف إلى أي مدى يمكن أن تتغذى حياته وتشبع نفسه بالخصوبة والنضارة وتتحسس أقدامه خطوات الطريق..و هذا معناه أنه يمكن للإنسان المعاصر أن يتلامس مع عمل نعمة الله في أولئك الآباء، فيدخل في عمق نهر الحياة. لقد تحاور الآباء مع الفلسفات والأساطير والتراث الهيللينى والعبرانى ومع مشاكل المدنية المحيطة بهم، ليعدوا العدة الروحية للتفاعل والتأثير في الإنسانية المعذبة والمشتاقة إلى كلمة الخلاص، فنحن نؤمن أن الاعلان الإلهى هو هو لا يتغير ببشارته المفرحة، لكنه إعلان لا ينتهى، وبشارة لا تنضب، قادرة أن تعمل وأن تخلص. وهكذا صار التقليد الآبائى مصدراً هائلاً للقوة الروحية والعلمية، وطاقة كبيرة للخبرة والبركة، يستمر جديداً في الظروف المعاصرة، في حوار بناء بين الإعلان الإلهى من ناحية وبين أحداث التاريخ من ناحية أخرى. و أقوال الآباء ما هي إلا "مكبرات صوت "لكلام الله، ودورها هو لقؤنا مع المسيح أي لقاء الإنجيل مع الإنسان المعاصر، تمضى به من بدايات إلى بدايات جديدة وبلا نهاية، في المحبة والإيمان والرجاء والاتضاع والتوبة ومخافة الله. لا شك اننا أغنياء إذ صارت حياتنا مغروسة في الله، خلال كلام الآباء وحياتهم التي تسرى في جداول القلب المختون المنسحق والطاهر، وفي مجرى العقل اليقظ المستعد الذي يرصد أسرار الله ويتذوق سلامه وفرحه. إننا أغنياء بأقوال الآباء والمعرفة الآبائية المشبعة بالإنجيل والنسك وبالسوك المسيحى، والتي لابد أن تصير مكوناً أساسياً من مكونات حضارة اليوم، لنحيا شهادتنا وكرازتنا المعاصرة. لذا كنيستنا كنيسة الآباء تمثل الخميرة التي تخمر العجين المقدس كله وحبة الحنطة التي تزرع أشجار الحياة، مستندة على روحانيتها الخصبة... تشهد لإيمانها ليس عن طريق العصيان والتمرد والنقد والمعارضة، وإنما بالاعتراف الحسن والطاعة والوداعة وتفضيل الاستشهاد، فظلت دائماً تستمد حيويتها وقوتها من فكر وحياة وسير الآباء، المعبرة عن عمق الحياة الروحية للكنيسة. وقد ساهم علم الباترولوجى في الحفاظ على اقرار الإيمان، وفي تغذية الوعى الإيمانى واللاهوتى والسلوكى العلمى، فصارت الآبائيات ميراثاً وكنزاً ثميناً نسهر على سلامته بكل غيرة، والحياة الروحية للإنسان لا يمكن – في عرف الآبائء – أن تكتمل بدون "شركة القديسين"، والسبب في هذا هو أن القديسين لم يكونوا مؤلفى نظريات عن الإيمان، بل عائشين هذا الإيمان على أساس يومى، وبهذا يمكننا أن نتخذهم مرشدين شخصيين وناصحين لنا ننظر إلى نهاية سيرتهم ونسلك بإيمانهم، طالما أنهم قد سبق وعاشوا في هذا العالم دون أن يكونوا من هذا العالم. و يعلمنا الآباء أن الإيمان بدون اعمال، والأعما بدون إيمان هما شيئان مرفوضان معاً في الكنيسة الأرثوذكسية... إن الاباء يقدمون للإنسان الحديث علامات إرشاد صادقة وأفكار أصلية، بالإضافة إلى أنهم يقدمون حياتهم كأمثلة حية كاملة، وفي مواجهة الذين يظنون أو يدعون أن المسيحية لا تصلح للتطبيق في أيامنا الحاضرة، نذكر هؤلاء بأن الحياة في الحق من أجل الرب يسوع المسيح هي حياة قوية زاخرة. مما لا شك فيه أن الآباء وهم يقدمون حياتهم أمثلة حية، يحملون النور ويعيشون الإيمان ويرعون القطيع، يصنعون الرسالة ويعلمون البشارة ويصيغون العقيدة وينشرون الكرازة، يعرفون الحق الحقيقى للتعليم، وهو أن الأعمال يجب دائماّ أن تنطبق على كلمات الوعظ، فيستخدمون كلماتهم على أساس حياتهم، ويبنون حياتهم على الصخر، محكومين باشتياقات مقدسة وبقانون الجهاد الروحى. فبلغت كلماتهم قلوب السامعين سريعة وكأنها حديد مطروق... والقديس غريغوريوس صانع العجائب قد سيرته وقدوته ويقول: "يمكن لواحد وحده أن يصنع شيئاً، بشرط أن تكون أفعاله وأعماله وكلماته كلها صحيحة". حينما صار اغريغوريوس أسقفاً، لم يكن هناك في الإيبارشية التي أقيم عليها إلا 17 مؤمناً بالمسيح فقط، وبعد حياة حافلة بالخدمة والإيمان والكرازة بكلمة الله تنيح ولم يكن بها إلا 17 فقط من غير المؤمنين. أدرك اغريغوريوس أن الكارز يلزمه أولاً وقبل كل شيء أن يكون رجل صلاة، فصنع المعجزات والآيات الروحية والجسدية، وقدم ببساطه الإيمان للبسطاء، وسمو المعرفة العالية للكاملين، وغلب الشياطين بقوة الصليب المحيى، وعاين السيدة العذراء ويوحنا الحبيب ليتعلم كيف يقدم البشارة المفرحة. إننا نقدم هذه السيرة الرسولية ضمن سلسلة أباء الكنيسة (أخثوس IXΘYΣ)لننظر ونتعلم كيف أن شخصاً واحداً إلتهب بالغيرة الإلهية أمكنه أن يحول مدينة باكلملها للمسيح... وها هو اغريغوريوس العجائبى غير إيبارشية وإقليماً بأكمله. نقدمه نموذجاً في الخدمة، نموذجاً في التحول من وإلى، من الوثنية إلى المسيحية، من عبادة الأوثان إلى عبادة الإله الحقيقى وحده، من شخص وثنى إلى كارز باسم المسيح، من الوثنية إلى صنع العجائب، إنه ثمرة عمل النعمة وفاعلية المعمودية واستجابة أمينة في العمل الكرازى والرعوى وفي الأبوة والتعليم. لذلك تأيدت خدمته الأسقفية بالعجائب والمعجزات والأعمال الإلهية الفائقة، وصارت إيبارشية قيصرية محبة للمسيح، فلينفعنا الرب بصلواته ولينفعنا بسيرته وقدوته. إننى أحسب نفسى فرحاً بهذه المساهمة العلمية المتواضعة، خلال تقديم موسوعة آباء الكنيسة في اليوبيل المئوى للكلية الإكليريكية التي نتطلع إلى مكانتها الروحية والعلمية واستمراريتها في رسالتها من أجل الإعداد العلمى لمواجهة المشاكل والشكوك الفكرية والأيديولوجية التي تجتاح عالمنا المعاصر وبروح إنجيلى وفكر آبائى. نتطلع إلى استمرارية الإكليريكية والتربية الكنسية في صنع النهضة اللاهوتية المعاصرة ونقل حياة وفكر الاباء..: إمتداد طبيعى لمدرسة الاسكندرية اللاهوتية في التلمذة وفي إعداد الخدام والرعاة، في الوقت الذي يتعاظم فيه دورها كماً وكيفاً، إنتشاراً وتعميقاً أفقياً ورأسياً في عهد أبينا رئيس الأحبار البابا البطريرك الأنبا شنوده الثالث – أطال الله حياته. ذاكراً مساعدة وتشجيع نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوى مطران دمياط وسكرتير المجمع المقدس الذي بحسه الرعوى ووعيه اللاهوتى يشجع الدراسات والأبحاث ويتقدم دائماً الصفوف، وكذا شكرنا لأبينا الحبر الجليل الأنبا بنيامين النائب البابوى بالاسكندرية من أجل محبته وإشرافه على العمل، فليديم الله حياتهما بركة وذاخراً وعزة للكنيسة، ببركة صاحب السيرة القديس اغريغوريوس صانع العجائب وكل مصاف قديسين، ولربنا المجد دائماً أبدياً آمين. تذكار صوم الرسل الأطهار 1994 م. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|