نسكه وصموده أمام حروب الشيطان
أثار عدو الخير حرباً ضروساً على القديس إيلاريون، إذ وجده غير متكاسل في الاجتهاد، حاراً في الروح، عابداً الرب بكل قلبه، مواظباً على الصلاة بلا ملل، فكان الشيطان يحاربه بكل أنواع أسلحته وحروبه ليحمله على اليأس من تلك الحياة الشاقة، ولكى تفتر عبادته وتضعف صلواته، فبدأ يهاجمه بالخيالات والتصورات الشريرة، ولكن القديس صمد تجاه تلك الهجمات بعزم القلب مستعيناً بنعمة المسيح وضاعف من أصوامه وصلواته، ولما لم يستطع الشيطان أن ينل من قداسة البار إيلاريون، أخذ يلقى في قلبه الخوف والفزع، فكان يسمعه في الليل أصوات وحوش ضارية تقترب منه لتنقض عليه وتفتك به، أما القديس فكان يتسلح بسلاح الصلاة ويتحصن برشم ذاته بعلامة الصليب المحيى، فيولى العدو هارباً منهزماً وتعود إلى القديس الطمأنينة والسلام.
وكلما ازدادت عليه التجارب الدنسة والشهوات الشريرة والخيالات، كلما ازداد في الأصوام والأسهار، ممتنعاً عن الطعام مخاطباً جسده الذي كان يحلو له أن يدعوه (حمارى) بانه لا يستحق أن يأكل حتى الشعير بل الرفش، وكان كلما ازداد في عمره ازداد في صومه، مداوماً على الصلاة بلا ملل، مع ترتيل المزامير ودراسة الكتاب المقدس دراسة تأملية، حافظاً له عن ظهر قلب.
وذات مرة داهمه اللصوص ودخلوا عليه مغارته، ووجدوه راكعاً يصلى، فقالوا له (ألا تخاف بأسنا وبطشنا؟) فأجابهم بهدوئه قائلًا (إن من لا يملك شيئاً لا يخاف بأساً) فقالوا له (سوف نقتلك) فرد بكل هدوء (إنى لا أخاف الموت لأني على الدوام مستعد له) فلما سمع اللصوص إجابة القديس المملؤة قوة وثبات، وأمتلاًوا تخشعاً وحيرة واندهاشاً، وذهلوا من ثباته وإيمانه، وأخبروه كيف أنهم ظلوا طوال الليل يبحثون عنه في كل مكان دون جدوى إذ لم يتمكنوا من رؤيته، ثم انصرفوا عنه بعد أن وهدوه بأن يغيروا سيرتهم ويرجعوا إلى الله... وهكذا ظهرت القداسة والسيرة الصالحة والثبات خير مؤنب للخطاة وقطاع الطرق وأفضل حافز لتوبتهم.