المعمودية سرّ العضوية الكنسية
أعضاء جسد المسيح الواحد
أكد السيد المسيح أنه لا دخول إلى ملكوت الله بغير الولادة من الماء والروح (يو 3: 5)، وإذ الكنيسة في جوهرها هي "ملكوت الله" فلا دخول إلى العضوية الكنسية الداخلية إلا خلال مياه المعمودية،لهذا دعيت المعمودية "رحم الكنيسة"، خلالها يُولد على الدوام أبناء جدد للكنيسة، لهم حق التمتع بالمائدة الملوكية وشركة العبادة لله، بكونهم أعضاء جسد المسيح الواحد.
خلالها ليس فقط ينعم المؤمن بالعضوية الكنسية الخفية، إنما يدخل إلى الوحدانية الشاملة، وحدانية مع المسيح كرأسٍ له، ومع بقية الأعضاء كجسدٍ واحدٍ: "لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ يهودًا كنا أم يونانيين عبيدًا أم أحرارًا وجميعنا سُقِينا روحًا واحدًا... وأمَّا أنتم فجسد المسيح وأعضاؤُه" (1 كو 12: 13، 27).
* أنتم الذين سجلتم أسماءكم تصيرون أبناء وبنات أم واحدة [157].
* الذين كانوا قبل عمادهم أسرّى الآن يتمتعون ببهاء الحرية، صاروا أعضاء الكنيسة سالكين في نور البرّ البهيّ بعد ما كانوا سائرين في طرق الضلال الحالك وظلام الخطيئة القاتم.
حقًا إنهم الآن محررون، ليس ذلك فقط بل قديسون وأبرار، أبناء وورثة، إخوة المسيح ووارثون معه، أعضاء جسده الطاهر وهياكل للروح القدس.
تأمل في العطايا الجزيلة والمواهب الثمينة التي يمنحها سرّ العماد!
كثيرون يظنون إنه يغفر الخطيئة فقط، أما نحن فقد أحصينا له عشرة مفاعيل تجعل النفس في مركز سامٍ ومقام جليل لا يوصف [158].
نسل إبراهيم الروحي
في العهد القديم إذ أقام الله عهدًا مع إبراهيم ونسله كشعبٍ خاصٍ به جعل الختان الجسدي هو العلامة الظاهرة لهذا العهد، إذ يقول الرب: "هذا هو عهدي الذي تحفظونهُ بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يُختَن منكم كل ذكرٍ... وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختَن في لحم غرلتهِ، فتُقطَع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي" (تك 17: 10-14). وجاءت المعمودية ختانًا روحيًا (كو 2: 11) وختمًا داخليًا، خلاله ندخل إلى العضوية في الجماعة المقدسة: الجنس المختار والكهنوت الملوكي والأمَّة المقدَّسة والشعب المُقتنَى (1 بط 2: 9). بهذا نحسب أولاد إبراهيم روحيًا. في هذا يقول الرسول بولس: "اعلموا إذًا أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم... لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع. فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذًا نسل إبراهيم وحسب الموعد وَرَثَة" (غل 3: 27-29).
المعمودية والعروس!
إن كنا في المعمودية نتقبل العضوية في جسد المسيح الأقدس، فبهذا تتشكل النفس لتصير عروسًا مقدسة للرب، فتسمع صوت عريسها يقول لها: "فحمَّمتكِ بالماء،ِ وغسلت عنكِ دماءَكِ، ومسحتكِ بالزيت... وجُمّلْتِ جدًّا جدًّا فصلحتِ لمملكةٍ. وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالكِ، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلتهُ عليكِ..." (حز 16: 8-14).
* عروس الملك (المعمودية التي تقدس الشعوب) صنعت عرسًا للعالم جميعه...
من هي هذه العروس التي صعدت من داخل المياه، تشبه عطر البخور المختبر من كل الأطياب؟!
من هذه التي خاف من جمالها نهر الأردن؟!
من هذه التي عندها الشمس كالظل، ومنظر نورها يحجب نور النهار؟!
من هذه المتَّكئة على الوحيد والمصطبغة بدمه، تحتضنه لتفرح به؟!
* المعمودية هي عروس الملك التي تحبل وتلد له، يسندها الابن الوحيد بروح أبيه.
أنها خطيبة الشمس التي استضاءت بها الخليقة كلها، ودُعي العالم إلى النور بمحبة.
* تعالي أيتها الزانية وابسطي يدك للابن الوحيد، فيجعلك بتولًا بالمياه المقدسة.
تعالي أيتها السوداء التي لوّحتها الشمس وغيَّرت لونها... والبسي الجلالة واقتني النور بالمياه الطاهرة...
تعالي انزلي والبسي الثياب التي نسجها اللاهوت لك، واصعدي وأرينا جمالك الخالد لنفرح بك.
تعالي تزيّني من الينبوع بقلادة الحياة وبحلّي الروح القدس لينظرك العالم.
جدائل الذهب هي للعروس التي صعدت من الماء، صفائح الفضة تكثر الحُسن لسيدة البهاء.
إنهم يجلبون الياقوت من كموش لرأسها المرتفع، وصفوف الحجارة الكريمة من الهند... الجبال تقدم لك الزمرد الثمين... والأعماق ترسل لك اللؤلؤ من مخازنها. يحضرون حجارة المجد من بحر الظلمات، ومن أوفير الذهب والخرز الجميل، والعقيق الذي للملوك والجزع...
خطيبها غنيُّ، يُكثِّر جمالها بأشكال كثيرة.
قالت العروس: عوض الحُليّ لي الصليب هو زينتي...
عوض جدائل الذهب والمرجان أضاءَ وجهي.
عوض صفائح الفضة قدَّسني.
عوض الياقوت والخواتم وهبني مساميره لأصنع منها جميع زينة الخطبة.
ما أجمل ابنة الأمم! [159]
_____
الحواشي والمراجع:
[157] Procat. 13.
[158] To The Catechamens.
[159] ميمر عن المعمودية المقدسة.