رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكتاب المقدس وكنيسة الإسكندرية اشتهرت كنيسة الإسكندرية منذ بدء نشأتها، خاصة من القرن الثاني بمدرستها التي ركزت على الكتاب المقدس وتفسيره رمزيا، هذا المنهج الذي تسلمه العلامة أوريجانوس عن معلمه القديس إكليمندس وسابقيه. وقد قام أوريجانوس بوضعه في منهج محدد مظهرا غايته وكيفية التمتع به، حتى صار التفسير الرمزي للكتاب المقدس في العالم كله منسوبا إليه، لقد بالغ أوريجن في استخدامه لهذا المنهج لكنه تلمذ الكثيرين من قادة الفكر الكنسي مباشرة أو خلال كتاباته، وبقى أثره واضحًا حتى على مقاوميه. لست هنا في مجال الحديث عن أخطاء أوريجن إذ سبق لي عرضها، إنما أود توضيح دور الكتاب المقدس في كنيسة الإسكندرية ومدرستها، خاصة في علاقته بالعبادة. 1- مع اهتمام مدرسة الإسكندرية منذ نشأتها بالفلسفة والعلم، فلم تأخذ موقف العداء ضد الفلاسفة، بل بالعكس تتلمذ بعض رجال الكنيسة في مدرسة إسكندرية الفلسفية "الموزيم" وكسبوا الكثير من قادتها للإيمان، فان نظرتها للكتاب المقدس أنه ليست فلسفة فكر للإشباع العقلي البحت، أو للحوار والجدل، وإنما هو خبرة لقاء مع الله الكلمة وتمتع حق بعمل الثالوث القدوس في حياة الجماعة كما في حياة كل عضو فيها. ففي المنهج الإسكندري تدخل النفس بروح الصلاة والتقوى إلى حضرة الله لكي يرفعها فوق كل حرف قائل، ويصعد بها كما إلى حِجاله السماوي ويكشف لها عن أسراره الإلهية التي لا يعبر عنها بلغة بشرية. بهذا فالكتاب المقدس في جوهره اكتشاف لكلمة الله المتجسد ربنا يسوع المسيح المختفي وراء الحروف. والذي يحملنا إلى خبرة الشركة مع الآب فيه بالروح القدس. بمعنى آخر، الكتاب المقدس هو عبادة روحية ومتعة حياة مع الثالوث القدوس، فنختبر بنوتنا للآب أو أبوته لنا وثبوتنا في الابن وحيد الجنس وبلوغنا ثمر الروح القدس. 2- إن كان الكتاب المقدس في جوهره لقاء مع الله وتجاوب معه بروح تعبدي تقوى، فالعبادة الكنسية سواء العامة الجماعية أو الخاصة في البيت والمخدع في جوهرها تعبير عن حب متدفق لقلوب تلاقت مع الله وتشتهى الدخول إلى أعماق جديدة لتبقى معه أبديا في أحضانه تنعم بأسراره وأمجاده: بمعنى آخر العبادة أيضا في جوهرها هي متعة بالحياة الإنجيلية، وإدراك لجوهر الكتاب المقدس، واكتشاف لأسرار الكلمة. هنا نقف أمام الحياة الكنسية الملتهبة حبا فنجدها حياة واحدة لا يمكن تجزئتها إلى حياة تعبدية وحياة دراسية للكتاب المقدس، فالعبادة هي دخول عملي في الإنجيل، والدراسة هي ممارسة حقة للعبادة. كل عبادة خارج روح الكتاب باطلة، وكل دراسة للكتاب بدون روح العبادة محطمة للنفس. إذن لا حاجة لنا الآن للقول بأن العبادة الكنسية العامة والخاصة مرتبطة بالكتاب المقدس ليس فقط لأنها تحوى الكثير من الاقتباسات عن الكتاب المقدس، وإنما تحمل روحه مع كل نسمة حب نتنسمها في حضرتنا مع الله بروح تعبدي خاشع. العبادة مستوحاة من روح الكتاب وفى نفس الوقت تكشف عن روحه وأعماق أسراره. كما أن الكتاب يرفعنا لروح العبادة على مستوى سماوي. 3- في كل ليتورجيات الكنيسة والعبادة الأسرية والخاصة نجد فصولا من العهدين خاصة المزامير، رسائل معلمنا بولس، رسائل الجامعة، الأناجيل الأربعة الخ... كما في قداس الموعوظين، ليتورجيا تقديس الماء (اللقان)، صلوات سر الزواج، تقديس مياه المعمودية، الجنازات، صلاة حميم الأطفال في اليوم الثامن من ميلادهم، صلوات تبريك المنازل، صلوات أو تسابيح السواعي (الأجبية)... وكأن الكنيسة في كل مناسبة تتقدم لله بالشكر بروح تعبدي خلال كلماته الإلهية وفى نفس الوقت تحث الشعب للجلوس مع كلمة الله للتمتع بها والتأمل فيها. 4- الحياة الكنسية في مفهومنا ليست فقط حياة تعبدية بروح الإنجيل أو حياة إنجيلية بروح العبادة، إنما هي حياة واحدة شاملة لا يمكن تجزئتها، تضم السلوك الحي العملي اليومي والممارسة النسكية والتهاب القلب للشهادة والكرازة، بمعنى آخر دراستنا للإنجيل هي عبادة وسلوك عملي ونسك وكرازة. حقا، قد يوهب بعض الأعضاء أعماقا في جوانب معينة، فالبعض يميل للدراسة المستمرة في الكلمة بلا انقطاع، والآخر للحياة النسكية التقوية، والآخر للخدمة والكرازة... لكن كل عضو حي في الكنيسة يلزمه أن يحيا بهذا الروح المتكامل معا حتى لا ينحرف عن غاية الإنجيل وروح الكنيسة. 5- مع اهتمام كنيسة الإسكندرية بدراسة الكتاب المقدس أدركت أن سر الإنجيل يكتشف بثلاثة أمور جوهرية متلازمة معا. أ] الدراسة والبحث، فنرى العلامة أوريجانوس يجمع نصوص الكتاب المقدس وترجماته لينسقها في ستة أنهر (السداسيات)، فإذا غمض نص يمكن الرجوع إلى النصوص الأخرى ومقارنتها مع بعضها البعض... بهذا سبق أوريجانوس من رجال القرن الثاني زمانه. ب] بجانب البحث يلزم الصلاة والحياة التقوية، فكان الدارسون الإسكندريون رجال صلاة ونساك... يؤمنون بالحاجة إلى الإعلان الإلهي للنفس خلال النقاوة في المسيح والالتجاء إليه. ج] اهتمت مدرسة الإسكندرية بالتلمذة، فلا يقدر الدارس أن ينعم بروح الإنجيل خلال حياته الفردية ودراساته الخاصة، إنما يجلس لدى أب يتتلمذ عليه، فينعم بالفكر الإنجيلي المسلم، بجانب تلمذته أيضا خلال كتابات الآباء الأولين فلا ينحرف. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|