رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البصمة اللغوية للمخلوع توثق حلقات «يوميات مبارك فى الحبس» - يعشق البحث عن «الشيطان» فى التفاصيل حتى لو تعلقت بسعر «الحلاقة» أو «هو ده واد ولّا بت؟» يوميات مبارك في الحبس تثير ردود فعل واسعة قديماً كان سقراط يقول «يا هذا تكلم حتى أراك!» فى مقام دعوة الساكت الغامض إلى التحدث عن نفسه حتى تستبين معالم شخصيته، فأنت تستطيع بسهولة أن تتعرف على الشخص بمجرد الاستماع إلى لغته، ألم يحدث مرة أن استمعت إلى شخص يتكلم ثم سألته: يا ترى أنا سمعت الكلام ده منك فين قبل كده؟ وكما أن لكل إنسان بصمات أصابع فإن له أيضاً بصمته اللغوية الخاصة التى لا تتكرر، وكما أننا نستعين بتحليل بصمات اليد للتوثق من الشخص المسئول عن جريمة معينة، فيمكننا أيضاً أن نحلل البصمة اللغوية لنستدل على انتماء وثيقة تحمل كلاماً معيناً إلى شخص بعينه، والمتابع لمجموعة حلقات «يوميات مبارك فى الحبس» التى نشرناها فى «الوطن» يستطيع أن يتوثق بسهولة من أن الشخص الذى يتحدث هو حسنى مبارك، وأن كل كلمة وردت فوق سطور «اليوميات» تنتمى إلى «المخلوع» وتعكس بصمته اللغوية بامتياز، فالعديد من الحوارات التى اشتملت عليها اليوميات وظهر فيها المخلوع تتشابه –فى بصمتها وروحها اللغوية- مع حوارات سابقة انخرط فيها المخلوع، أثناء فترة حكمه، فى مواقف مختلفة، وجميعها مسجلة ومؤرشفة على موقع «يوتيوب». لنحدد فى البداية سمات الشخصية اللغوية، أو معالم شخصية الحكى عند حسنى مبارك، وتشمل: البحث عن الشيطان فى التفاصيل، والقدرة على الدهشة وتصديق الأكاذيب، والنظر إلى الآخرين كلصوص يترأسهم زعيم عصابة، والحديث بلغة ظاهرها الشجاعة وباطنها الجبن، والإحساس بعدم تصديق سامعيه له. مبارك دائب البحث عن الشيطان فى التفاصيل، سواء كانت تفاصيل مهمة أو غير مهمة، المهم أن يسأل وأن يحاول الحصول على معلومات، وهو لا يسأم من طرح السؤال تلو السؤال، مهما كانت سذاجة ما يسأل عنه، ففى الحلقة الثانية من «اليوميات» دار هذا الحوار بينه وبين نجليه علاء وجمال مبارك، عندما التقى بهما فى الاستراحة الملحقة بقاعة المحكمة: «مبارك: يا علاء إنت وجمال عايشين إزاى.. والأكل والشرب أخبارهم إيه؟ جمال: بناكل كويس، ما تقلقش يا بابا. علاء: تصدق يا بابا إن المراوح طلعت أحسن من التكييف. مبارك «مندهشاً»: هو انتوا ماعندكوش تكييف فى السجن؟ جمال: لا يا بابا. مبارك: هو انتوا مين اللى بيحلق لكم؟ جمال: واحد مسجون كان أصلاً شغال حلاق. مبارك: بتدولوا أد إيه؟ علاء: كل واحد بيديلو اللى بيلاقيه فى جيبه.. عشرين أو خمسين جنيه». فقد سألهم مبارك عن الأكل والشرب فى السجن، وهو أمر طبيعى، ثم تعجب من عدم وجود تكييف فى السجن، وكأنه لم يكن رئيس دولة من المفترض أن لديه معلومات كافية عن طبيعة السجون فى دولته وما يتاح وما لا يتاح فيها، وقد يعكس تعجبه فى هذا المقام نوعاً من الرفض أو التسليم بأن أنجاله يقبعون الآن فى السجن، ومن اللافت أن مبارك توقف عند «قَصّة» شعر كل من علاء وجمال، ويبدو أنها لم تعجبه، لذلك بادر بالسؤال «هو انتوا مين اللى بيحلق لكم؟»، وبعد أن أجاباه واصل هوايته فى البحث عن الشيطان فى التفاصيل، فسأل «بتدولوا أد إيه؟». ويتشابه هذا الحوار مع حوار آخر سبق وخاضه مبارك –أثناء فترة حكمه- مع أفراد أسرة مصرية بسيطة قام بزيارتها، كانت الأم تحمل طفلاً رضيعاً فى يديها، فحمله منها ثم سأل: - ده ولد؟ (ولما تململ الطفل) توجه إليه قائلاً: ماتخافش مش حعضك. - ثم حاور طفلة فى سن سبع سنوات وسألها: فى المدرسة ولا مابتروحيش مدرسة؟ - ردت الطفلة: لأ مش بروح. - مبارك: ليه بقى بتزوغى؟! - الطفلة: لأ بقى خدت أجازة خلاص.. نجحت خلاص. - نجحتى.. مبروك.. طب فين الحلاة بقى؟! فالمخلوع يسأل عن التفاصيل بحثاً عن شيطان «الفساد» الذى يسكن فى عقله ويدفعه إلى تتبعه ورؤيته فى حياة الآخرين، حتى ولو كان فى حياة طفلة «بتزوغى؟»، ثم يطلب منها «حلاوة النجاح بعد ذلك»، بدلاً من أن ينفح الغلبانة وأسرتها بـ«حلاوة»!
نأتى بعد ذلك للسمة الثانية للشخصية اللغوية لمبارك، وتتجلى فى القدرة على الدهشة وتصديق الأكاذيب المفضوحة، والتسليم بها طالما كانت تخدم مواقفه، ولعل الكثيرين يذكرون أكبر مندهش فى تاريخ السينما والمسرح المصرى المعاصر، وهو الفنان يونس شلبى، ولو أنك قارنت بين ردود فعله وملامح وجهه المعبرة عن الدهشة فى مواقف كوميدية مختلفة فلن تجدها تبتعد كثيراً عن ردود فعل ومعالم الدهشة التى كانت ترتسم على وجه «مبارك» وهو يعبر عن تصديقه لشىء لا يصدقه عقل، تمعن فى هذا الحوار الذى دار بينه وبين رجال داخليته: «مبارك: هو كام واحد اتقتل فى المظاهرات يا حبيب؟ العادلى: حوالى 800 يا ريس أو أكتر شوية. مبارك: وازاى ماتوا دول كلهم؟ العادلى: يا ريس معظمهم مات قدام أقسام ونقط الشرطة والسجون.. وكام واحد كده ماتوا قدام وزارة الداخلية.. وده غير الناس اللى أهاليهم بتقول إنهم ماتوا فى المظاهرات وهما أصلاً ماتوا فى حوادث عادية أو ماتوا موتة ربنا. إسماعيل الشاعر: يا ريس ده فيه واحد مات موتة ربنا، راح ابنه ضرب عليه نار بعد ما مات علشان يقول عليه شهيد وياخد تعويض. مبارك يبدى دهشته ويتساءل: بجد ده حصل يا حبيب؟». لو أنك أمعنت النظر فى هذا الحوار ستجد أن العادلى ورجاله بذلوا بعض الجهد لرسم «الكدبة» على مبارك، فى حين كان الأخير لا يحتاج إلى كل هذا العنت، فهو مستعد جداً لاستقبال الأكاذيب وفغر الفم والاندهاش أمامها طالما جاءت على هواه حتى ولو كانت من تلك الفصيلة الكوميدية التى ذكر فيها إسماعيل الشاعر «إن فيه واحد مات موتة ربنا راح ابنه ضرب عليه نار بعد ما مات علشان يقول عليه شهيد وياخد تعويض!». المتكلم يصنع الكذبة وهو مطمئن إلى أن السامع يميل إلى تصديقها حتى ولو تناقضت مع معلومات الاثنين عن الطب الشرعى، وأنه سوف يثبت أسباب الوفاة، ناهيك عن تناقضها مع الطبيعة الإنسانية السوية، إلا إذا كان يرى أن من الطبيعى أن نستجيب لدعوة أحدهم إلى إقرار شرعية مضاجعة الوداع، لنفهم أن الرصاصة التى وجهها الابن لأبيه الميت هى: رصاصة الوداع!. وفى حوار سابق له مع الإعلامى «عماد الدين أديب» تطرق الحديث إلى موضوع اغتيال الرئيس السادات وكيف تفاعل مبارك مع تلك اللحظة الصعبة، حيث كان يجلس إلى جوار السادات فى اللحظة التى هاجم فيها خالد الإسلامبولى ورفاقه المنصة، والمدهش فى كلام مبارك أنه كان يجيب عن أسئلة «أديب» بقدر من البلادة المدهشة، فى الوقت الذى كانت كل علامات التعجب التى تحتويها اللغة ترتسم على وجه محاوره: - «سأله عماد الدين أديب: لما جه الإسلامبولى نفسه وحط المدفع الرشاش فوق الرخامة بتاعة الحاجز وابتدا يضرب النار.. هل شفت المشهد ده سيادتك؟ - مبارك: لأ ماشفتوش. - أديب: هل فى اللحظة دى حد رمى نفسه عليكم؟ - مبارك: مقدرش أقولك أنا شفت حاجة من دى خالص.. كله كان بيدور على نفسه وبيستخبى تحت البتاعة (يقصد الرخامة)». فمبارك يتعامل مع فكرة موت الآخرين ببلادة مدهشة، حتى ولو كان رئيس الدولة الذى اغتيل إلى جواره وأمام عينيه ليخلفه بعد ذلك فى الحكم، فما بالك إذا اتصل الأمر بمواطنين عاديين. عندما علم مبارك أن عدد القتلى 800 تساءل متعجباً: «وازاى دول ماتوا كلهم؟»، لم يكن ينقص «المخلوع» إلا أن يتحفنا فى هذا الحوار بواحدة من قفشاته اللغوية، ويضيف: «ماتوا زى بتوع العبارة ولا إيه؟». البلادة المدهشة أو الاندهاش البليد لم يغب عن مبارك فى أية لحظة يتحدث فيها عن موت الآخرين، وانظر إلى هذا الحوار بينه وبين أحد المواطنين بعد سنوات من غرق العبارة «السلام 98»: - كان المواطن يحكى له عن حياته اليومية فى الصعيد قائلاً: بالنسبة لجرجا فى عبارة بتعدى البحر «جريبة» علينا من هنا. - فرد مبارك: عبارة من اللى بيغرقوا دول.. وضحك.. وضحك من حوله! ننتقل إلى السمة الثالثة والمتعلقة بـ«النظر إلى الآخرين كلصوص»، وهى سمة تطفح بها لغة «المخلوع» بصورة تكاد تلامس ذلك العنوان الشهير لإحدى روايات إحسان عبدالقدوس «يا عزيزى كلنا لصوص». وانظر إلى هذا الحوار بين مبارك وحبيب العادلى من «يوميات مبارك فى الحبس»: «العادلى ضاحكاً: يا ريس حكموا علىّ بـ300 مليون جنيه غرامة، ينفع كده يا ريس.. ووزير الاتصالات ما يجيبوش سيرته فى القضية أساساً.. يعنى يا ريس هو أنا كنت قطعتها من دماغى ما إحنا كنا فى اجتماع الأمن القومى برئاسة نظيف واتفقنا على كده. يضحك مبارك ضحكة خفيفة ويقول: طيب ادفعهم بقى يا حبيب ما انت تلاقيك معاك بلاوى. يضحك العادلى بصوت عالٍ قائلاً: منين يا ريس ده أنا غلبان. مبارك: خلاص خدهم من نظيف». هكذا يرد مبارك، أنت يا حبيب لص وأحمد نظيف لص.. يا عزيزى كلنا لصوص! ولو ادعيتم الفقر فكلنا فقراء، لو ادعيتم أنكم لا تملكون مليماً فكلنا على «الحديدة». ويتماس هذا الحكى اللغوى للمخلوع مع إحدى اللقطات اللغوية التى شهدها واحد من خطاباته المسجلة حينما خرج عليه أحد الحاضرين هاتفاً لمبارك: - انت مبارك الفقراء الحريص على كل فقراء مصر الحريص على فقراء مصر ربنا يبارك لك يا ريس.. - رد عليه مبارك: «ما كلنا كنا فقرا يا أخى» (يا عزيزى كلنا فقراء طالما تدعون الشرف وتنكرون أنكم لصوص.. ربما كان ذلك لسان حاله). السمة الرابعة للخطاب اللغوى لمبارك: الحديث بلغة تدل فى ظاهرها على الشجاعة وفى باطنها على جبن قائلها ومحاولة الهروب من الحقيقة، راجع هذا الحوار من «يوميات المخلوع»: «مبارك موجهاً حديثه إلى العادلى ومساعديه: أنا سمعت ضرب نار امبارح من أوضتى فى شرم الشيخ وده كان بالليل ولما سألت فيه إيه عرفت إنها كانت خناقة بين البدو. - العادلى: ضرب النار بقى فى كل حتة يا ريس والبلطجية بيطلعوا على الناس فى الليل والنهار يسرقوهم، الجيش يا ريس مش عارف يمسك البلد لوحده، أيامنا يا ريس شرم دى ما كانش حد يقدر يتنفس فيها من غير ما يستأذن مننا. - أسامة المراسى: يا ريس ما كانش فيه بنى آدم يقدر يخش شرم من غير تصريح مننا. - مبارك: أنا قلت لطنطاوى إن الجيش لوحده مش هيعرف يمسك البلد لازم الشرطة ترجع قوية زى الأول، ظباط الشرطة هما اللى عارفين الحوارى والشوارع أما ظباط الجيش فدول مكانهم الحدود لحمايتها». اقرأ بعد ذلك هذا المقطع من حديث المخلوع خلال المؤتمر الصحفى الذى أعقب محاولة اغتياله فى أديس أبابا عام 1995، وقال فيه «أولاً ركبت العربية المصفحة بتاعتنا.. جيت أتحرك قائد الحرس قال لى أرجوك ماتتحركش الحراسة مطلعوهاش لغاية دلوقتى.. وبعدين شوية عاملين مشكلة مع الحراسة لأ ماتخشوش بأكتر من خمس طبنجات لأ مش عارف إيه.. المهم الولاد طلعوا بيها السبعة.. وركبنا العربيات ومشينا وبندردش.. لما حصل الناس بقى الناس بدأت تضرب، العربية خدت طلقتين وسمعت أنا الضرب بس لقيت ضباط الحراسة وأنا بلف خدوا مواقع حواليا وابتدوا ضرب بالطبنجات – جيبلهم طبنجات أحسن طبنجات فى العالم يمكن- أنا لمحت واحد منهم اللى كان داخل علينا برشاش وماشى –عيال– بيكم، طبعا السواقين من هناك لما شافوا كده سابوا العربيات وجريوا.. لفينا ورجعنا ووصلت، والحقيقة رئيس الجمهورية –يقصد رئيس جمهورية إثيوبيا- بقى مضطرب جداً ومضايق.. قال لى اهدى، قلت لا أنا هادى أوى فرقعولهم شوية...». المخلوع حريص على إبراز مدى شجاعته بإضفاء مسحة لغوية تعكس «الاستخفاف أو الاستهانة بالمخاطر عند مواجهتها»، رغم أن المسكوت عنه فى الخطاب اللغوى هو أن «فرائصه ترتعد» عندما يسمع صوت إطلاق النار، والدليل على ذلك أنه حكى بنفسه أن الرئيس الإثيوبى قال له «اهدى» ومؤكد أنه لم يقل له ذلك –أى الرئيس الإثيوبى- من فراغ، وأن ملامح «مبارك» بعد محاولة اغتياله كانت تؤشر على حالة فاضحة من «الاضطراب والضيق» حاول أن يلبسها للرئيس الإثيوبى نفسه عندما وصفه بأنه «بقى مضطرب جداً ومضايق». وفى سياق حواره عن ضرب النار الذى سمعه فى «شرم الشيخ» تعمد أن يوجه سؤاله إلى العادلى، وأن يستمع إلى رأى أسامة المراسى (رجال أمنه)، وهو ما يعكس حالة القلق التى تتشابه مع القلق الذى انتابه خلال حادث أديس أبابا، فثقته فى هذا السياق تتموضع فى جهاز أمنه وليس فى الجيش، والدليل على ذلك أنه قال فى ختام هذا الحوار: «أنا قلت لطنطاوى إن الجيش لوحده مش هيعرف يمسك البلد.. لازم الشرطة ترجع قوية زى الأول». ويعكس الحوار السابق لمبارك إحساساً داخلياً لديه بعدم تصديق سامعيه له، وهى السمة الخامسة لبصمته اللغوية، والدليل على ذلك آلية الاستطراد التى تسيطر على لغة خطابه فى العديد من المواقف، وهو يستهدف من هذا الاستطراد «انتزاع تأكيد الآخرين» على كلامه، وبالعودة إلى حديث المخلوع بعد محاولة اغتياله سوف نجد نموذجاً على محاولة استجلاب تصديق وتأكيد الآخرين على كلامه فى هذا المقطع: «وبعدين طلعنا فى الطيارة ولا أى حاجة لغاية ما رجعت هنا، حتى الدكتور بيقول لى: الضغط، قلت له: ضغط إيه؟ مفيش حاجة.. أنا بينى وبينكم محصلش ثانية ثانية إن الواحد اتهز فى حاجة، أهو كان عمرو موسى وكذا واحد كان موجود». |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|