رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يهوديت 7 - تفسير سفر يهوديت (ثورة الشيطان على أولاد الله)أليفانا يحاصر فلوى ويقطع عنها الماء. وبنى إسرائيل يعتريهم الضعف والاستسلام 1 وفي الغَدِ أَمَرَ أَليفانا جَميعَ قُوَّاتِه وكُلَّ شَعبه الَّذي آنضِمَّ إِليه لِمُناصَرَته بِالرَّحيلِ والزًّحْفِ على بَيتَ فَلْوى وبآحتِلالِ مُنحَدَراتِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة وبِشَنِّ المَعركَةِ على بَني إِسْرائيل.2 وفي ذلك اليَومِ نَفسِه، رَحَلَ مِنهُم كُلُّ رَجُلِ حَرْب. وكانَ جَيشُ رِجالِ الحَرْبِ مِائةً وعِشْرينَ أَلفًا مِنَ المُشاة وآثَني عَشَرَ أَلفًا مِنَ الفُرْسان، ما عَدا الأَمتِعةَ والرِّجالَ المُتَرَجِّلينَ المُنضمِّينَ إِلَيهم، فكانوا جَمْعًا غَفيرًا جِدًّا.3 فعَسكَروا في الوَهدَةِ المُجاوِرةِ لِبَيتَ فَلْوى عِندَ عَينِ الماء، وآنتَشَروا في العُمْقِ مِن دوتانَ إِلى بَلْما، وفي الطُّولِ مِن بَيتَ فَلْوى إِلى قَليمونَ الَّتي قُبالةَ يِزْرَعيل. في تطور طبيعي للحملة على اليهود، يأمر أليفانا جنوده باتخاذ مواقع الاستعداد، في انتظار إشارة البدء للهجوم، وقد كان عدد الجنود الأشوريين بالنسبة لعدد الجنود كبيرًا جدًا بما لا يدع معه مجالًا للمقارنة، فبالأضافة إلى المائة والعشرين ألفًا من الجنود والأثنى عشر ألفًا من الفرسان، انضم إلى الآشوريين جنودًا لا حصر لهم من المدن التي افتتحوها، في حين أن جنود مدينة بيت فلوى لا يتعدى عددهم الألف جندي إذا اعتبرنا أن تعداد سكان بيت فلوى لا يتعدى بضع عشرات من الألوف بل وأقل من ذلك. إن من شأن هذا التفاوت الكبير وعدم التكافؤ بين القوتين، أن يجعل من نصر اليهود عليهم نوعًا من الإعجاز والعمل الإلهي المباشر، وإعطاء التأكيد على أن النصرة هي من الله (لا بالقدرة ة لا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود من أنت أيها الجبل العظيم. أمام رزبابل تصير سهلًا زك 4: 7) لأن الله يغلب بالكثير وبالقليل، وقد رأينا في سفر القضاه، كيف أن الله قد أمر بتخفيض عدد الجنود الذين سيحاربون مع جدعون حتى ثلثمائة جندي فقط حتى لا يظن اليهود أنهم غلبوا بقوتهم (راجع قض 7، 2 كو 4: 7) ونلاحظ أيضًا كيف هزم شمجر بن عناه، ستمائة رجل بمنساس بقر 1وبذلك هزم اليهود الغزاة الفلسطينيين (راجع قض 3: 31). بَلْما Balbaim: / Belmaim وهي مدينة تقع بالقرب من تل دوثان (دوتائين) على طريق للقوافل وبالقرب من السامرة ، وربما هي المدينة المذكورة في (8: 3) وتدعى بلمون والتي كان يقع بالقرب منها، الحقل الذي مات فيه منسى زوج يهوديت، وربما كانت هي أيضًا بيباى التي ذكرت في (15: 4) من بين المدن التي أرسل إليها عزيا لمطاردة الأعداء. و يظن بعض الشراح أنها أبل بيت معكة المذكورة في (2 صم 20: 14) وتقع شمال فلسطين التي طارد إليها يوآب شبع بن بكرى، ويظن العالم كروث أنها كانت مملكة صغيرة، ذكرت في سجلات تختمس الثالث للمدن التي غزاها 2 إِلى قَليمونَ Cyamon: وهو الأسم اليوناني للكلمة Okneam (، وقد وردت في (1 مل 4: 12، 1 أخ 6: 68) تحت إسم (يقمعام) وهي كلمة عبرية معناها (يقيم الشعب) 3وتحت اسم قرتان (يش 21: 22) وقد أحذت هذا الإسم قليمون في العصر الهيلينى 4، وتقع على مسافة 10 كم شمال موقع عسكري على طريق عكا، وعلى مسافة 12 كم شمال غرب مجدو، أمام وادى يزرعيل وبالقرب من سهل شارون في طرف مرج ابن عامر على طريق عكا ومكانها اليوم كفر كاما وردت قليمون في قائمة المدن التي استولى عليها تحتمس الثالث الفرعون المصري، حيث ترد في اللغة العبرية تحت اسم (يقنعام) وتسمى حاليًا (تل قليمون) و(تل يوكنيم) بجانب عين كيمون، وقد كانت قليمون تحتل موقعًا إسترلتيجيًا، حارسة بذلك أهم الطرق المؤدية إلى سهل يزرعيل 1وقد انتشر جنود أليفانا حتى عبر الأردن في المحل المعروف ب (جسر بنات يعقوب) وتعتبر تلك المدن بين صفر شمالًا وطبرية جنوبًا بلما بيت فلوى قليمون دوثان 4 أَمَّا بنو إِسْرائيل، فلَمَّا رَأَوا كَثرَتَهم اِرتَعَدوا آرتِعادًا شَديدًا وقالَ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه: ((والآن سيَجتَزُّ هؤلاءَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها، فلا الجِبالُ العالِية ولا الوِهادُ ولا الرَّوابي تَقِفُ أَمامَ قُوَّتِهم)).5 ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ واحِدٍ عُدَّتَه الحَربِيَّة وأَشعَلوا النِّيرانَ على أَبْراجِهم وظَلُّوا يَحرِسونَ طَوالَ تلكَ اللَّيلة. لاشك أن منظر الجنود وهم يغطون وجه الأرض كالجراد، قد أوقع الرعب في قلوب أولئك الذين كانوا آمنين في ديارهم مع نسائهم وأولادهم، لاسيما وأن التحركات من جانب الأشوريين، كانت تمثل أولى العمليات العسكرية فصلوا إلى الله بصراخ وتوسل (حسبما ورد في الترجمة اللاتينية) ليظهر الله رحمته على شعبه. الجِبالُ العالِية ولا الوِهادُ ولا الرَّوابي: كلها تعبيرات تشير إلى أنه ليس هناك من عقبات تقدر أن تعترض طريق الأعداء. و أخذ اليهود أسلحتهم وأستعدوا - قدر طاقتهم - فهم في حالة دفاع عن النفس ولم يحملوا السيف ظلمًا ورغبة في الأستعمار، وقد كانت أسلحة جنود اليهود تقليدية لا ترقى إلى مستوى التطور العسكري للأشوريين، ولكن عددهم القليل قادر على حراسة مداخل ومضايق المدينة، أما اشعالهم النار فوق الأبراج فيعنى يقظتهم وسهرهم ومراقبتهم للموقف. 6 وفي اليَوم الثَّاني أَخرَجَ أَليفانا جَميعِ فُرسانِه في وَجهِ بَني إِسرائيلَ الَّذينَ كانوا في بَيت فَلْوِى.7 وفَحَصَ المُنحدَرَاتِ المُؤَدِّيةَ إِلى مَدينتِهم وتفَقَّدَ كُلَّ عَينِ ماء وآحتَلَّها وجَعَلَ فيها مَواقِعَ مُقاتِلين ورَجَعَ هو إِلى جَيشِه.8 فدَنا إِلَيه جَميعُ رُؤَساءِ بَني عيسو وجَميعُ قُوَّادِ شَعبِ موآب وقُوَّادُ السَّاحِلِ وقالوا:9 ((لِيَسمَعْ سَيِّدُنا كَلِمةً، لِئَلاَّ نَقَعَ خَسائِرُ في جَيشِكَ. 10 فإِنَّ شَعبَ بَني إِسْرائيلَ هذا لا يتَّكِلُ على رِماحِه، بل على عُلُوِّ الجبالِ الَّتي يُقيمُ فيها. ولَيسَ مِنَ السَّهْلِ الصُّعودُ إِلىُ رُؤُوسِ جِبالِه. 11 والآن، يا سيِّد، فلا تُقاتِلْهم كما يُقاتَلُ في مَعرَكةٍ مُنَظَّمة، فلا يَسقُطَ مِن جَيشِكَ ولا رَجُلٌ واحِد. 12 إِبْقَ في مُعَسكَرِكَ مُحافِظًا على جَميعِ رِجالِ جَيشِكَ، ولْيَستَولِ رِجالُكَ على عَينِ الماء الخارِجِ مِن سَفْحِ الجَبَل، 13 فمِن هُناكَ يَستَقي جَميعُ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى. والعَطَشُ يُهلِكُهم فيُسلِمون مَدينَتَهم. ونَحنُ وجَيشُنا نَصعَدُ إِلى رُؤُوسِ الجِبالِ القَريبة ونُعَسكِرُ فيها كما في مَوقِعٍ أَماميّ، لِئَلاَّ يَخرُجَ أَيُّ رَجُلٍ مِنَ المَدينة. 14 فيَذوبونَ جوعًا هُم ونِساؤُهم وأَولادُهم، وقَيلَ أَن يُدرِكَهُمُ السَّيفُ يُصرَعونَ في شَوارعِ مدينَتِهم. 15 فتُكافِئُهم شَرَّ مُكافأَةٍ على عِصْيانِهم وعلى عَدَمِ الذَّهابِ لِمُلاقاةِ وَجهِكَ في سَلام. حيث لم يكن المطر يسقط طوال العام، فقد كان سكان فلسطين يعتمدون على عيون الماء وخزانات الماء، تحسبًا لأيام القحط والجدب، وقد كان في فلسطين عدد لا يحصى من عيون الماء (الينابيع) ولذلك فقد سماها الكتاب المقدس بأرض أنهار من عيون وغمار تنبع من البقاع والجبال (تث 8: 7). و يفهم من النص أن العين الرئيسية هي التي شُق لها مجرى إلى داخل المدينة كما يتضح من (العدد 12) بينما لم تكن كمية الماء التي تدرها الينابيع الصغيرة بكافية بتوصيلها إلى داخل المدينة، وكان الماء في المجرى كان يجرى ليتجمع في جب بئر عميق يقوم السكان برفعه عن طريق الشادوف والسواقى، وكانوا يخزنون الماء في أحواض معدة لذلك، ومن هنا فقد قرر أليفانا الضغط على اليهود عن طريق قطع الماء عنهم.. وكان ملوك اليهود قد سقوا الكثير من قنوات الماء من خارج المدن إلى داخلها تحسبًا للخصار المحتمل من قبل الأعداء بين آن وآخر، مثلما فعل حزقيا الملك حين شق مجرى الماء من نبع جيحون وحتى بركة سلوام. و يبرز هنا مرة أخرى رؤساء أدوم (بنى عيسو) وموآب وقواد الساحل (ربما صور وصيدًا والمدن الساحلية التي إنضمت إلى الأشوريين) ليظهروا حقدهم على بنى إسرائيل، لقد كانت مشورة منافقة، وكما قلنا سابقًا فهم أعداء تقليديون لليهود (و يسمون أيضًا الأعداء المحليون لليهود)، وقد استمرت العداوة مستحكمة بين الوثنيين واليهود إلى ما بعد الميلاد، فقد تأمروا على اليهود عندما رمموا سور أورشليم (نح 4: 7، 8) وفي عصر المكابيين تأمروا مع الحكام السلوقيون ضد اليهود وكان ذلك في سنة 170 ق.م.، وأخيرًا يكتب يوسيفوس المؤرخ: (إنهم يكرهوننا جدًا!). راجع أيضًا (عد 20: 14 - 22، 1 مكا 5: 6، 2 مكا 4: 26، 5: 7) و هكذا بقدر ما كانت لبيت فلوى امتيازات بسبب الجبال التي تحيطها وتحميها وتجعل من الوصول إليها أمرًا عسيرًا، فقد كانت نقطة الضعف هناك قلة المياة وصعوبة الحصول عليها، ويرد في النص اللاتيني، أن اليهود بعد تشديد الحراسة على عيون الماء من قبل الأعداء، كانوا يتخفون تحت جنح الظلام للحصول على كميات اضافية من الماء خارج المدينة. هذا وقد لعب الماء دومًادورًا كبيرًا (كسلاح سلبي في الحصار) فقد استخدم الآشوريون هذا السلاح في حصار السامرة سنة 722 ق.م.، وغيرها من المدن التي سقطت خلال أيام معدودة، لاسيما وإذا كانت تعتمد فقط على مياه الأنهار، ومن الينابيع وبالتالي فإن الجيوش الغفيرة المحاصرة لم تزعجهم بقدر ما عمل فيهم العطش، مما دفعهم في كثير من الأحوال إلى الاستسلام، كما سنرى. و قد كان هناك اعتقاد بين الوثنيين، بأن إله إسرائيل هو إله جبال وليس سهول! وبعبارة أخرى إن إلههم هو إله التلال والجبال، وبالتالي فقد رأوا أن آلهة الماء أقوى من آلهة الجبال! حيث ظن الأراميون كذلك قديمًا ولكن كل أعداء إسرائيل الذين هزموا، لم يهزمهم إله الجبال، وإنما الله خالق الكون كله (مز 136) ولأن الحرب للرب ومسيحه وعليه فإن اليهود لم يعتمدوا على حصونهم وجبالهم في حروبهم، بقدر ما اعتمدوا على الله الذي وضعوا فيه ثقتهم، فهو الذي يحميهم وأنه لا قدرة للأشوريين على كسرهم ما لم يسلم الله اليهود لأيديهم. 16 فحَسُنَ كلامُهم عِندَ أَليفانا وعِندَ جَميعِ ضُبَّاطِه، وأَمَرَ بِالعَمَلِ بحَسَبِ قَولهم. 17 فتَحَرَّكَ جَيشٌ مِن بَني عَمُّوَن ومَعَهم خَمْسَةُ آلافٍ مِن بَني أَشُّور وعَسكَروا في الوَهدَة وآحتَلُّوا عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم. 18 وصَعِدَ بَنو عِيسو وبَنو عَمُّون وعَسكَروا في النَّاحيةِ الجَبَلِيَّة قُبالةَ دوتائين وأَرسَلوا أُناسًا مِنهُم نَحوَ الجَنوبِ والشَّرقِ قُبالةَ أَغرَبيلَ الَّتي بِالقُربِ مِن خُوس عِندَ سَيلِ مُخْمور. وعَسكَرَت بَقِيَّةُ قُوَّاتِ الأَشّوريينَ في السَّهْل فغَطَّت وَجهَ الأَرضِ كلَّه، وعَسكَرَت خِيَمُهم وأَمتِعَتُهم في كُتلَةٍ ضَخْمة، فقد كانوا جَمعًا غفيرًا جِدًّا. كانت عادة الملوك القدماء استخدام الجنود الحلفاء في محاربة وحصار الجيوش التي هناك عداوة فيما بينها وبين أولئك الجنود، مثل أن يستخدم البابليون والآشوريون الجنود الوثنيين في محاربة اليهود، مثل استخدام بيلاطس البنطى لفرق من الجنود السامريين في إخماد ثورات اليهود، ومن هنا فقد استعان أليفانا بجنود العمونيين وهم كثيرون كما يتضح من (عددى 17، 18) لكي يقوموا بحراسة عيون الماء، واشترك معهم الأدوميون واحتلوا المنطقة جميعها فيما يشبه الحصار الكامل.. أَغرَبيلَ EKREBEL: وترد في EGREBEL NEB وهو موقع في جنوب شرق دوثان بجوار خوس يصل بينهما جدول مخمور، وقد رفض أهلها وهم عمونيون وموآبيون، أن يمدوا بنى إسرائيل بالخبز والماء عند عبورهما من هناك، وفيما بعد تحالفت مع آشور ضد إسرائيل، وربما كانت هي AKRABEH الواقعة على بعد 40 كم شمال أورشليم 1 خُوس: CHUSI وتقع إلى الغرب من أغريبيل السابقة، وبالقرب من شكيم، وجنوب نابلس الحديثة. سَيلِ مُخْمور: MOCHMUR جدول مياه يقع جنوب شرق دوتان، وربما كان هو وادى مخفورية جنوب نابلس، ويرد في اللاتينية القديمة: ماخور MACHUR. و قد يرى البعض أن خمسة آلاف جندي هو عدد كبير بالنسبة لمهمة بسيطة مثل هذه، ولكته ليس بكثير بالنسبة لتعداد الأشوريين مع حلفائهم، ويرد في الترجمة اللاتينية أن أليفانا وضع على كل عين فرقة من مائة جندي. 19 وخارَت عَزيمَةُ بَني إِسْرائيل فصَرَخوا إِلى الرَّبِّ إلهِهم، لِأَنَّ جَميعَ أَعْدائِهم طَوَّقوهم، ولم يكُن هُناكَ سَبيلٌ إِلى الإفْلاتِ مِن وَسْطِهم. 20 وظَلَّ حَولَهم كُلُّ مُعَسكَرِ أَشُّور، مِنِ مُشاةٍ ومَركَباتٍ وفُرْسان، مُدَّةَ أَربَعةٍ وثَلاثين يَومًا. فنَفِدَت لدى جَميعِ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى آنِيَةُ الماءَ جَميعُها، 21 وجَفَّتِ الآبار ولم يكُنْ عِندَهم مِنَ الماءِ ما يُرْويهِم يَومًا واحِدًا، لِأَنَّ ماءَ الشّرْبِ كانَ يُقَنَّنُ علَيهم. 22 وكانَ أَطفالُهم خائِرِي القِوى، وكانَ النِّساءُ والشُّبَّانُ مَنْهوكينَ مِنَ العَطَش وكانوا يَسقُطونَ في شَوارِعِ المَدينة وفي مَمَرَّاتِ الأَبْواب، فم تَعُدْ فيهِم أَيَّةُ عَزيمة. عانى اليهود كثيرًا على مدار تاريخهم، من حصار الأعداء لهم، ومن المجاعات الشديدة التي تعرضوا لها إثر ذلك، وقد ثبتوا في بعض الأحيان وخاروا في الأخرى ولعل أشد حصار تعرض له اليهود هو حصار أورشليم (66 - 70 م) والذي اشتد لدرجة أن ذبحت إحدى النساء طفلها وأكلته (راجع تاريخ يوسيفوس) و تنبأ حزقيال النبي على أورليم بأن الخبز سيكون بالوزن والماء بالكيل وبالحيرة بسبب تضييق أعدائهم عليهم (حز 4: 16، 17) و قد استمر الحصار مدة أربعة وثلاثين يومًا وهي مدة كبيرة بالنظر إلى ندرة المياه، وقد جفت الآبار (الخزانات الأرضية) التي كان يتجمع فيها الماء، وذلك نتيجة قطع الماء من الخارج عنها، وكان المنظر مأسويًا، وقد اضطر يومًا المحاصرون في أورشليم إلى أكل لحوم البشر (2 مل 6: 28) وفي أيام حزقيا الملك. عندما كانت أورشليم محاصرة، اضطر الجنود إلى فتح ثغرة في السور ليهربوا من الهلاك الذي ينتظر المدينة (2 مل 25: 3). هكذا لاح الموت لسكان بيت فلوى (بخيال قبيح) وبدأ اليأس في التطرق إلى قلوبهم لاسيما وهم يرون أطفالهم قد قاربوا الموت عطشًا. 23 فآجتَمَعَ كُلُّ الشَّعبِ، مِن شُبَّان ونِساءٍ وأَولاد، على عُزَيَّا وعلى رُؤَساءَ المَدينة وصَرَخوا بِصَوتٍ عَظيمٍ فقالوا أَمامَ جَميعِ الشُّيوخ: 24 ((لِيَحكُمِ اللهُ بَينَكم وبَينَنا، فقد أَلْحَقْتُم بِنا ضَرَرًا جَسيمًا، إِذ لِم تُكَلِّموا بَني أَشُّورَ كَلامَ سَلام. 25 والآن، فإِنَّه لَيسَ لَنا مِن نَصير، بل باعَنا اللهُ إِلى أَيديهِم لِنُصرَعَ أَمامَهم في عَطَشٍ وهَلاكٍ عَطيمَين. 26 والآن فآدْعوهم وأَسلِموا المَدينةَ كُلَّها لِلنَّهْبِ إِلى شَعبِ أَليفانا وكُلِّ جَيشِه. 27 فخَيرٌ لَنا أَن نَكونَ غنيمَتَهم، لأَنَّنا نَصيرُ عَبيدًا وتَحْيا نُفوسُنا ولا نَرى بِأَعيُننا أَطْفالَنا يَموتون ونِساءَنا وأَولادَنا يَلفِظونَ أَرْواحَهم. 28 نَستَحلِفُكم بِالسَّماءِ والأَرضِ وبإِلهِنا ورَبِّ آبائِنا، الَّذي يُعاقِبُنا بِسَبَبِ خطايانا وخطايا آبائِنا، أَن تَعمَلوا بِهذا الكَلامِ في هذا اليَومِ نَفسِه)). 29 وآرتَفَعَ في وَسْطِ الجَماعَةِ كُلِّها نَحيبٌ شَديدٌ كنَحيبِ رَجُلٍ واحِد وصَرَخوا إِلى الرَّبِّ الإِلهِ بِصوتٍ عَظيم. 30 فقالَ لَهم عُزَيَّا: ((تَشَجَّعوا، يا إِخوَتي، لِنَصمُدْ خَمسةَ أَيَّامٍ أَيضًا يُحَوِّلُ فيها الرَّبُّ إِلهُنا رَحمَتَه إِلَينا، فإِنَّه لن يَترُكَنا حتَّى النَهاية. 31 وإِن مَضَت تِلكَ الأَيَّامُ ولم تأتِنا الإِغاثة، عَمِلتُ بِقَولِكم)). 32 وفَرَّقَ الشَّعبَ كُلَّ واحِدٍ إِلى مَركَزِه، فآنصَرَفوا إلى أَسْوارِ مَدينَتِهم وأَبراجِها، وأَرسَلوا النِّساءَ والأَولادَ إلى بُيوتهم. وكانوا بالمَدينةِ في آنهِيارٍ شديد. ما أبشع الموت عندما يأتي بطيئًا.. سواء أكان بالعطش والمرض، وكم كانت قاسية على اليهود أن يروا أطفالهم وشيوخهم يتهاوون في الشوارع أمام عيونهم، ومن هنا فقد حدث كثيرًا على مدار التارخ أن قتل الآباء والأمهات أطفالهم بأيديهم بدلًا من أن يموتوا جوعًا أمام أعينهم. أما عن تذمر بنى إسرائيل هنا، فهو الضعف البشرى، فقد تذمر بنو إسرائيل قبل ذلك واجتمعوا على موسى وهرون باكين ونائحين بسبب خوفهم من العمالقة ولكن الله طمئن قلوبهم ونصرهم على العمالقة (عد 14) ولكنهم الآن يذكرون أيضًا كيف تركهم الله عدة مرات قبل ذلك بسبب قساوة قلوبهم ودفعهم إلى أيدي ناهبيهم (قض 2: 14) فقد أسلمهم إلى يد كوشان رشتعايم ملك آرام (قض 3: 8) وباعهم بعد ذلك إلى يد يابين ملك كنعان (قض 4: 2) ثم إلى الفلسطينيين (قض 10: 7). و لكن اقتناع بنى إسرائيل هنا بأن ذلك بسبب خطاياهم وخطايا آبائهم، هو تعبير عن اعتقادهم الراسخ بأن الله مازال يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء (خر 20: 5، مرا 5: 7) ولكن الله صرح لهم بأن الذي يأكل الحصرم هو الذي تضرس أسنانه وليس أولاده هو (راجع را 31: 30). أما عن طلبهم تسليم المدينة لأليفانا، فمرجعه إلى عادة الغزاة عند اقتحام الحصون بعد الحصار، التمثيل بسكانها والانتقام منهم، وعدم الأكتفاء بقتلهم، مثلما فعل الأسكندر الأكبر في سكان كل من صور وغزة حيث صلب منهم ألافًا على طول الطريق هناك، كما عذب قائد غزة الفارسى عذابًا مروعًا. ومن هنا فقد عرضوا الأستعباد لأليفانا خوفًا من ذلك المصير المجهول الذي ينتظرهم، ما لم يسعفهم الله، مرددين بذلك ما قاله أجدادهم لموسى بعد خروجهم من أرض مصر (كف عنا لنخدم المصريين لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية " عطشًا وجوعا " خر 14: 12) و لكن الله يأتي دائمًا في الوقت المناسب ولا يسلم ميراثه للعار. فحين يرجع الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء (كما يقول القديس بفنوتيس أب جبل شيهات) عندئذ يحنو الله عليه ويرحمه، وقد استطاع اليهود بصراخهم إلى الرب - على مدار تاريخهم - أن يستجلبوا رحمته ويغيروا من أحكامه ويحملونه على الندم! (راجع خر 14: 10، قض 3: 9، 15، 4: 3، 6: 6، 7، 10: 10) يقول أحد القديسين (إن كنت تخلص البار فليس هذا بعجيب ولكن في أنا الخاطئ الضعيف أظهر رحمتك) خَمسةَ أَيَّامٍ: ربما لم تكن في نية عزيا تسليم المدينة ولا بعد خمسة أيام، وقد يكون ذلك من أجل تهدئة مشاعر الشعب المضطربة، وإعطاء فرصة أطول للتماسك والتمسك بالله، وربما كانوا في يوم الأثنين وأقنعهم هزيا بالانتظار حتى ينتهي يوم السبت!، وربما كانت المؤن والماء الذي عندهم لا يكفى إلا لهذه المدة فقط (عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم طيبوا قلب أورشليم ونادوا بأن جهادها قد كمل أن إثمها قد عفى عنه أنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها أش 40: 1، 2). يقول القديس كليمندس الروماني: (يهوديت المطوبة لما حوصرت مدينتها، إلتمست المواعيد القديمة لتذهب صاعدة إلى معسكر الأعداء معرضة نفسها للخطر. ذهبت من أجل الحب الذي تحمله لبلدها وشعبها المحاصر فوضع الله أليفانا في يج امرأة) 1 |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يهوديت 16 - تفسير سفر يهوديت |
يهوديت 15 - تفسير سفر يهوديت |
يهوديت 14 - تفسير سفر يهوديت |
يهوديت 2 - تفسير سفر يهوديت |
يهوديت 1 - تفسير سفر يهوديت |