رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أبي أعظم مني (يو14: 28) بقدر ما أتعبت هذه الكلمات أريوس الهرطوقى، بقدر ما هي مفرحة لقلوب الودعاء والمتضعين.. قالها السيد المسيح في بساطة واتضاع، عن حال كونه قد أخذ صورة عبد بالتجسد.. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع ذاته.. (انظر فى2: 8). فالسيد المسيح هو المثل الأعلى في الاتضاع. وبالرغم من كونه هو أقنوم الابن الأزلي، المساوي لأبيه في كل صفات الجوهر الإلهي، والأزلي مع الآب.. إلا أنه أخلى ذاته، آخذًا صورة عبد. ولم يكتفِ بذلك بل إذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع ذاته وأطاع حتى الموت. لهذا قدّم معلمنا بولس الرسول ما عمله السيد المسيح كمثال للاتضاع إذ قال: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا. الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب مساواته لله اختلاسًا. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 5-8). إخلاء الذات: (Kenosis) بهذه العبارات شرح معلمنا بولس الرسول حقيقة التجسد الإلهي. فالابن الوحيد الأزلي إذ كان "في صورة الله" (evn morfh|/ Qeou/ إن مورفى ثيئو) أخذ "صورة عبد" (morfh/n dou,lou مورفين دولو). هو لم يتغير عن طبيعته الإلهية، ولكنه أخلى نفسه (e`auto/n evke,nwse هي أفتون إكينوسى): بمعنى أنه تخلّى عن أن يكون مجده الإلهي منظورًا على الأرض، حينما احتجب مجد اللاهوت في الجسد.. إذ أخذ صورة عبد ووُجِد في الهيئة (sch,mati سكيماتى)كإنسان. لهذا قال السيد المسيح -حال كونه في الجسد على الأرض- إن الآب أعظم منه.. بمعنى أنه إذ أخلى نفسه فإن صورة العبد هي المنظورة.. وبصعوده إلى السماء فسوف يدخل إلى مجده، أي إلى صورة الله التي أخلى نفسه منها مرحليًا أو وقتيًا في نظر من رآه في حال تجسده على الأرض. وبهذا يدخل بجسد القيامة إلى حالة المجد التي تخص صورة الله. لهذا قال لتلاميذه: "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب. لأن أبى أعظم منى" (يو14: 28). بمعنى أنهم ينبغي أن يفرحوا بعودته إلى السماء، حيث مجده الإلهي الأول الذي أخلى نفسه منه، إذ أخذ صورة عبد، لكي يضع نفسه ويطيع حتى الموت ويفتدى البشرية. ويؤكد ذلك كله ما قاله السيد المسيح في صلاته للآب قبيل الصليب: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته. والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 4، 5). أي أن رسالة السيد المسيح على الأرض كانت هي تمجيد الآب السماوي، وكان الابن قد أخلى نفسه ليتمم الفداء. وبعد إتمام الفداء على الأرض، يصير صعوده إلى السماء هو الوسيلة التي يعلن بها الآب دخول السيد المسيح إلى مجده، حيث يظهر مع الآب في الأقداس السماوية لأجلنا،ويكون بهذا قد عاد إلى مجده الذي كان له قبل كون العالم، والذي لم يفقده بالتجسد بل أخفاه عن الناظرين إليه على الأرض ليتمم الفداء. وقد عبّر القديس بولس الرسول عن هذه الحقيقة بقوله: "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1تى3: 16). فالله الظاهر في الجسد، هو السيد المسيح الذي أخلى ذاته آخذًا صورة عبد. وهو نفسه رُفع في المجد: لأنه "كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26). وبهذا يتضح أن قول السيد المسيح: "أبى أعظم منى" يخص وجوده في دائرة الإخلاء على الأرض. أما بعد عودته إلى مجده السماوي، فلا مجال لهذا القول على الإطلاق، إذ هو مساو لأبيه في مجده الإلهي الأزلي. " لم يحسب مساواته لله اختلاسًا" (فى2: 6) ونظرًا لأن السيد المسيح لم يختلس الألوهية، ولا مساواته لله.. بل هو مولود من الآب بالطبيعة قبل كل الدهور، بنفس جوهر الآب الإلهي: إذ له نفس الجوهر الذي للآب: هومو أوسيون تو باترى o`mo ouvsion tw/ Patri, = Homo - ousion tou Patri = of the same Essence with the Father لهذا أمكن أن يُخلى ذاته دون أن يخشى فقدان شيء من هذا الجوهر الإلهي. فمسألة الإخلاء تخص مجده الإلهي المنظور فقط، دون أن تتأثر طبيعته الإلهية أو تتغير بسبب الإتحاد الطبيعي والأقنومي بين اللاهوت والناسوت في تجسد الكلمة. الترجمة الإنجليزية لهذه الآية هي كما يلي حسب: King James Version "Thought it not robbery to be equal to God" (Ph2:6). أي لم يحسبه اختلاسًا أن يكون معادلًا لله أو لم يحسب مساواته لله اختلاسًا (انظر فى2: 6). كان إخلاء السيد المسيح لنفسه ضرورة حتمية للتجسد، وكان اتضاعه في تجسده ضرورة حتمية لإتمام الفداء. وقد علّمنا بمثاله الصالح كيف يمكن تحقيق مقاصد الله من خلال الاتضاع، لكي ننجو نحن من سقطة الكبرياء التي لإبليس المعاند. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|