مصر وأشور
كما اهتم الرب بتهيئة الأوضاع لنشر الكرازة بالإنجيل في الإمبراطورية الرومانية وباللغة اليونانية التي انتشرت منذ فتوحات الإسكندر الأكبر. كما شرح لنا قداسة البابا شنودة الثالث (عن مجلة الكرازة فبراير 1996 (العدد 3، 4صفحة 4)).
هكذا اهتم أيضًا بحضارتين رئيسيتين من العالم القديم هما الحضارة الأشورية والحضارة المصرية.
وكانت الحضارة والديانات الأشورية في مملكة بابل ومن بعدها مملكة مادي وفارس لا تقل في ثقلها عن حضارة وقوة الديانات في مصر القديمة الفرعونية.
كان السيد المسيح قد جاء إلى العالم، ليخلص العالم كله من ظلمات العبادة الوثنية التي استطاع الشيطان أن ينشرها في أجزاء كبيرة من العالم. ولهذا اهتم بالشعوب الأممية كما اهتم بشعب إسرائيل.
على الصليب كان مكتوبًا عنوان علّته فوق رأسه بأحرف عبرية ويونانية ولاتينية. وهى أهم اللغات التي سادت في منطقة الشرق الأوسط والإمبراطورية الرومانية. لتأكيد أن السيد المسيح قد صلب فداءً عن الجميع.
ومنذ البداية ارتبط ميلاد السيد المسيح بسجلات الدولة الرومانية إذ صدر أمر من أوغسطس قيصر في روما بأن يكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية. فذهب يوسف خطيب العذراء مريم إلى بيت لحم وهى مدينة داود ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهى حُبلى لكونهما من بيت داود وعشيرته وفيما هما هناك تمت أيامها لتلد (انظر لو2: 1-6). وتم تسجيل المولود الجديد في سجلات الدولة الرومانية بناءً على الأمر الذي أصدره أوغسطس قيصر. وثبت رسميًا أن يسوع الناصري قد ولد في بيت لحم اليهودية.
أما كتابة غالبية أسفار العهد الجديد فقد كانت باللغة اليونانية الغنية بتعبيراتها اللاهوتية العميقة،والتي كتب بها أيضًا أعظم لاهوتي الكنيسة في القرون الأولى للمسيحية أمثال القديسين أثناسيوس وكيرلس وساويرس.
وكما شرح لنا قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الله حياته- فقد دبر الرب ترجمة أسفار العهد القديم من اللغة العبرية التي لم تكن منتشرة في العالم إلى اللغة اليونانية وذلك بأمر بطليموس فيلادلفوس، البطليموس الثاني من خلفاء الإسكندر الأكبر في مدينة الإسكندرية بالترجمة التي عرفت باسم الترجمة السبعينية. وساعدت في إعداد الفكر اليوناني لقبول ما في العهد القديم من تمهيد لميلاد السيد المسيح.
وكما اهتم الرب بالعالم الحديث في وقت ميلاده -أي الرومان واليونانيين- كذلك اهتم بالعالم القديم أي الأشوريين والمصريين.
وقد وردت نبوة عن ذلك في سفر إشعياء في الأصحاح 19 هذا نصها:
"في ذلك اليوم تكون سكّة من مصر إلى أشور.. ويعبد المصريون مع الأشوريين. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثًا لمصر ولأشور بركةً في الأرض. بها يبارك رب الجنود قائلًا: مبارك شعبي مصر وعمل يديَّ أشور وميراثي إسرائيل" (أش19: 23-25).
وقد تحقق قول إشعياء النبي "تكون سكة من مصر إلى أشور.. ويعبد المصريون مع الأشوريين" أولًا حينما انتشرت المسيحية في بلاد مصر وأشور، وبعد ذلك توثقت العلاقة بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة أنطاكيا السريانية الأرثوذكسية