بينما كان الطفل مارك في طريقه إلى الكنيسة ليجتمع مع أصدقائه ليحتفلوا بعيد الميلاد المجيد (في Assisi بإيطاليا) رأى إنسانًا تقيًا ارتسمت على وجهه ابتسامة لذيذة، كان يلقي بفتات الخبز بجوار جذع الأشجار... وقف الطفل في دهشةٍ يتتبع تصرفات الرجل البسيط:...
- ماذا تفعل يا سيدي؟
- إني أقدم طعامًا لكي تأتي الطيور وتأكله، وأيضًا الحشرات الصغيرة.
- اليوم عيد، والكل يستعد للاحتفال به، فلماذا لم تؤجل هذا العمل إلى الغد؟
- إني متهلل جدًا بميلاد سيدي يسوع المسيح، كل كياني في داخلي مبتهج للغاية، أود أن أرى كل الخليقة... حتى الحيوانات والطيور والحشرات تفرح معنا! كيف أعيد، وأفرح، وأشبع ولا تشترك معي الخليقة في فرحي؟
ذهب مارك إلى الكنيسة يروي لأصدقائه ما رآه، فتعجبوا جدًا واشتهوا أن تسبح الخليقة لخالقها.
عاد مارك إلى بيته فوجد الشبكة التي وضعها في حديقته قد اصطادت حمامتين... تطلع إلى الحمامتين وبدأت الدموع تتسلل من عينيه:
"في هذا العيد المجيد يقدم هذا الرجل طعامًا للطيور والحشرات لكي تفرح معه،
وأنا اصطاد حمامتين وأحرمهما الحرية؟!
لأقدمهما هدية له وأرى ماذا يفعل بهما".
انطلق مارك إلى الرجل وقدم له الحمامتين. أما الرجل فصنع عشًا على شجرة في الحديقة ووضع فيهما الحمامتين بعد أن احتضنهما وقدم لهما لمسات حب رقيقة للغاية، ووضع أمامهما طعامًا.
تطلع إلى الحمامتين وهو يقول:
"في مثل هذا اليوم جاء سيدي ليُطلق نفسي إلى سمواته لأنعم بالحرية.
إني أحب الحرية!
فكيف أحبسكما في قفص؟
ها أنا أسير بكامل حريتي،
ليس فقط في هذه المدينة،
بل أسلك منطلقًا نحو السماء..
لتتحركا أنتما كما تشاءان".
تأثر مارك جدًا، وكان بين الحين والآخر يزور صديق الطيور.
إذ عبرت الأيام، جاء مارك يزور صديقه، لكن كم كانت دهشته إذ وجد صديقه واقفًا يتحدث مع الطيور التي تجمعت على أغصان الأشجار كأنها تسمع صوته العذب وهو يعظها قائلًا:
"إني أحبكِ يا أيتها الطيور الصغيرة.
أنتم إخوتي وأخواتي في الهواء.
اسمحوا أن أتحدث معكم.
أحبوا اللَّه، ولتسبحوه.
انظروا ماذا قدم لكم. وهبكم أجنحة تطيرون بها في الجو.
لا تزرعون ولا تحصدون وهو يعولكم.
لا تغزلون ولا تصنعوا ثيابًا، وقد كساكم بريش غاية في الجمال.
لا تبنوا بيوتًا، وها هي الطبيعة كلها تطيرون فيها بكل حرية.
ترون الجبال الشامخة والأنهار والحقول.. تمرحون بفرح وتغنون.
لا تكونوا جاحدين، بل سبحوا اللَّه على عظم حبه وصلاحه".
إذ انتهى الرجل من عظته انطلقت الطيور في نظام بديع تطير حوله وهي تغني لله خالقها في لحنٍ عذبٍ جميلٍ