الفجوة
يا لها من فجوة عميقة جائت لتفصل بين الانسان والهه وهي السبب الحقيقي في شقاء البشرية وتعاستها ولن يسترد الانسان سعادته المفقودة الا اذا تمكن من تخطي هذه الفجوة بصورة او باخرى حتى تتصل علاقته بخالقه وتعود الشركة بينه وبين الله مصدر "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة " ( يعقوب 1 : 17 ) . فنحن بعيدا ً عنه تعالى تعوزنا المقومات الاساسية للسعادة ، نفتقر الى شعور بالامان في مواجهة المخاطر الظاهرة الحقيقية ، فكوارث الطبيعة تهددنا واصابات الحياة العصرية كثيرة من حولنا وعدالة الدينونة تطاردنا كما نشعر بحاجتنا لمحبة صادقة قوية الى من يحبنا لذواتنا بالرغم من الحالة التي تردينا اليها ومع ان الله عارف بجميع احتياجاتنا وقادر في غناه الذي لا يستقصى ان يسددها كلها ، ولكن اين الله واين نحن من جلاله ، هوذا الله في علو السموات اما نحن ففي الارض نسكن بيوتا ً من طين ، هو القدوس الطاهر اما نحن فاشرار دنسون ، ولذلك فاعز امنية تطلعت اليها البشرية منذ سقوط الانسان الاول هي ان تجد طريقها الى الله لترجع اليه وتسعد بين احضانه .
قد حاول الانسان مستميتا ً تحقيق هذه الامنية بوسائله الخاصة ولكن الفجوة كانت اكبر من كل الامكانيات البشرية ولهذا كان طبيعيا ً ان يصاب الانسان بالاحباط وهو يقف امام هذه الفجوة السحيقة وكأنها الهوة العظيمة التي اثبتت بين الغني المعذب واليعازر المتنعم في احضان ابراهيم ( لوقا 16 : 26 ) . ومن هنا جائت صرخة ايوب " من يعطيني ان اجده " ( ايوب 23 : 3 ) .
ازاء عجز الارض تحركت السماء ونزل ابن العلي من عليائه ليولد على ارضنا . نعم جائنا ابن الله آخذا ً صورة عبد صائرا ً في شبه الناس ( فيلبي 2 : 7 ) . وهكذا ارتبطت الارض بالسماء والانسان بالله فاتصلت الفجوة بل زالت الفجوة التي تولدت بسبب معصية الانسان وتمرده " إن الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم " ( 2 كورنثوس 5 : 19 ) . نعم جاء المصالح الذي كان يفتقده ايوب : "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا " ( ايوب 9 : 33 ) . وما كان مصالحا غيره يستطيع ان يضع يده على الله ذاته لأنه وحده ابن الله الحي " بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الاشياء بكلمة قدرته " ( عبرانيين 1 : 3 ) .