حدث في أحدِ الأيامِ أن جاء إلى شيخٍ أخان غاضبان على بعضِهما، وشكا إليه الأكبر منهما قائلاً: «إني إذا أمرتُ أخي بعملِ شيءٍ، فإن أمري هذا يُحزنه، كما أني أحزنُ كذلك لحزنِه، مفكِّراً أنه لو كان كاملاً في محبتهِ لي لكان يقبلُ ما أقولُه له بفرحٍ».
أما الأصغرُ فقال: «يا ليتَه يكلمني بحسبِ مشيئةِ الله، لكنه يأمرني بسُلطةٍ حسب مشيئته، ولذلك لا يوافقني قلبي على طاعتهِ بحسب ما أوصى به الآباءُ».
فقال الشيخُ: «يعلمُ الله أني متحيرٌ كيف أن الاثنين يلومُ كلٌّ منهما الآخرَ، كما يحزنان دون أن يلومهما أحدٌ، فعِوض أن يرجع الواحدُ منهما باللائمةِ على نفسِه ويقول: حقاً إني بسُلطةٍ أكلمُ أخي ولذلك يحزن؛ نراه بالعكس يقول: إنه لم يكن كاملاً في محبته لي. كذلك الآخر فعِوض أن يقول إن أخي يكلمني بحسب مشيئة الله لمنفعتي، نراه بالعكس أيضاً يقول: إنه يأمرني بسُلطةٍ حسب مشيئته.
وهكذا بقي الاثنان حزينين بدون وجه حق، وذلك لأننا نستعمل أقوالَ آبائنا باعوجاجٍ حسب نوايانا الخبيثة، فكلُّ واحدٍ منا يلقي الذنبَ على رفيقهِ، ولذلك لا ننجح ولا نفلح».