لست أريد شيئًا من العالم
هذا هو أول شيء يجب أن يقوله الإنسان الذي يحب أن يصل إلي انطلاق الروح:
لست أريد شيئا من العالم، فليس في العالم شيء أشتهيه، أنها تجارب تحارب المبتدئين.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطيني لو كان الذي أريده في العالم، لانقلبت هذه الأرض سماءًا، ولكنها ما تزال أرضًا كما أري، ليس في العالم إلا المادة والماديات، وأنا أبحث عن السماويات، عن الروح، عن الله.
لست أريد شيئًا من العالم، فأنا لست من العالم، لست ترابًا كما يظنون، بل أنا نفخة إلهية , كنت عند الله منذ البدء، ثم وضعني الله في التراب، وسأترك هذا التراب بعد حين وأرجع إلي الله. لست أريد من هذا التراب شيئًا، من عند الآب خرجت وأتيت إلي العالم، وأيضًا أترك العالم وأرجع إلي الآب.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن كل ما أريده هو التخلص من العالم. أريد أن أنطلق منه، من الجسد، من التراب! وارجع – كما كنت – إلي الله، نفخة {قدسية} لم تتدنس من العالم بشيء.
لست أريد شيئًا من العالم، لأني أبحث عن الباقيات الخالدات، وليس في العالم شيء يبقي إلي الأبد، كل ما فيه إلي فناء، والعالم نفسه سيفني ويبيد. وأنا لست أبحث عن فناء.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن هناك من أطلب منه. هناك الغني القوي الذي وجدت فيه كفايتي ولم يعوزني شيء. أنه يعطيني قبل أن أطلب منه، يعطيني النافع الصالح لي. ومنذ وضعت نفسي في يده لم أعد أطلب من العالم شيئًا.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم لا يعطيني لفائدتي وإنما يعطي ليستعبد. والذين أخذوا من العالم صاروا عبيدا له، يعطيهم لذة الجسد، ويأخذ منهم طهارة الروح. يعطيهم متعة الدنيا، ويأخذ منهم بركة الملكوت. ويعطيهم ممالك الأرض كلها ليخروا ويسجدوا له. ويعطيهم كل ما عنده لكي يخسروا نفوسهم. أما أنا فقد خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح {في 8:3}. وهذا العالم الذي يأخذ أكثر وأفضل مما يعطي، هذا العالم الذي يستعبد مريديه، لست أريد منه شيئًا..
لست أريد شيئا من العالم لأنني أرقي من العالم. أنني أبن الله. صورته ومثاله. أنني هيكل للروح القدس ومنزل لله أنني الكائن الوحيد الذي يتناول جسد الله ودمه. أنني أرقي من العالم، وأجدر بالعالم أن يطلب مني فأعطيه، أنا الذي أعطيت مفاتيح السماوات والأرض. وأنا الذي شاء الله في محبته وتواضعه أن يجعلني نورًا للعالم وملحا للأرض {مت5}.
لست أريد من العالم لأنني أريد أن أحيا كآبائي، الذي لم تكن الأرض مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم. هكذا عاشوا، لم يأخذوا من العالم شيئا بل علي العكس كانوا بركة للعالم. من أجل صلواتهم أنزل الله الماء علي الأرض، ومن أجلهم أبقي الله علي العالم حياة حتى اليوم..
لست أريد شيئًا من العالم لأن الخطية قد دخلت إلي العالم فأفسدته. في البدء نظر الله إلي كل شيء فرأي أنه حسن جدًا إذ لم تكن الخطية دخلت بعد، حتى التنين العظيم في البحر باركه الرب ليثمر ويكثر، أما الآن وقد تشوهت الصورة البديعة التي رسمها الله في الكون فقد مجت نفسي العالم، ولم أعد اشتهي فيه شيئًا، هذا العالم الذي أحب الظلمة أكثر من النور.
لست أريد شيئًا من العالم، لأني أريدك أنت وحدك، أنت الذي أحببتني حتى المنتهي، وبذلك ذاتك عني. أنت الذي كونتني إذ لم أكن، ولم تكن محتاجًا إلي عبوديتي بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك.. أريد أن أنطلق من العالم وأتحد بك، أنت الذي أعطيتني علم معرفتك..