رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صفات الإنسان الجاد الإنسان غير الجاد في روحياته، يتأرجح بين الصعود والهبوط. ومسيرته غير ثابتة: يسقط ويقوم... وفي حين يكون حارًا في الروح.. وفي أحيان أخري يكون فاترًا، أو بعيدًا بالكلية عن الحياة الروحية. أحيانًا يصلي، وأحيانًا ينسي صلواته... قد يقرأ الكتاب أولًا يقرأ... إن وجد وقتًا، يجلس مع الله، وإن لم يجد، فإنه لا يهتم كثيرًا ويقابل الأمر بلا مبالاة. حياته وعبادته تتصف بالتراخي... بينما يقول الكتاب: "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (أر48: 10). الجدية في الحياة الروحية لا تقبل الإهمال والتراخي والتردد، والرجوع أحيانًا إلى الوراء. ولا تقبل التأرجح بين الفرقتين: محبة العالم ومحبة الله. الإنسان الجاد لا يتساهل في حقوق الله مطلقًا. إنه يأخذ حق الله من نفسه أولًا قبل أن يأخذه من الآخرين... هو يسلك في وصية الله بكل حزم وبكل دقة وبكل عمق.. وطاعته لله تكون بغير مناقشة وبغير مساومة. أبونا إبراهيم يسلك في الطاعة بكل جدية، حينما أخذ أبنه الوحيد لكي يقدمه محرقة حسب أمر الرب. إنه لم يجادل الله ولم يعترض على أمره، إنما أطاع دون أن يتغير قلبه من جهة الرب.. هذه هي الجدية في الطاعة. وبالمثل كان يوسف الصديق جادًا في طاعته للوصية وفي حفظه لعفته، ولو أدي به الأمر إلى السجن. وكان دانيال جادًا في عبادته للرب، ولو ألقوه في جب الأسود. الإنسان الجاد له قلب قوى، لا يضعف أمام الظروف الخارجية. يوحنا المعمدان كان جادًا في حفظ وصية الرب.. حينما قال لهيرودس الملك "لا يحل لك أن تكون لك إمرأة أخيك" (مر6: 18).. ولقد فعل يوحنا هذا، ولم يبال أن يلقي في السجن أو تقطع رأسه... أين هذا من الذين يضغطون على الكنيسة في أن يتزوجوا خلال الصوم، دون أن يأخذوا وصية الله بجدية. الإنسان الجاد لا يعذر نفسه، ولا يقدم تبريرات لخطيئته. الرجل هو رجل، مهما كانت الظروف الخارجية، يوسف العفيف كانت تضغط عليه الظروف.. لكنه لم يخضع لها ولم يتساهل مع الخطية بحجة أنه عبد، وتحت سلطان غيره، وبإمكان سيدته أن تؤذيه. ودانيال لم يسمح لنفسه أن يأكل من أطياب الملك مع أنه كان أسير حرب وخاضعًا لنظام، لقد كان جادًا في المبادئ التي يؤمن بها مهما كانت الظروف المحيطة. الإنسان الروحي يكون جادًا أيضًا في توبته. فإن ترك الخطية، يتركها بجدية ولا يعود إليها مرة أخري. يكون جادًا في مقاومة الخطية. ولا يكون كالعبرانيين الذين وبخهم الرسول قائلًا "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب12: 4) ما أعمق جدية هذه العبارة... حتى الدم.. والجاد في التوبة، لا يؤجلها مثلما فعل فليكس الوالي (أع24: 25) وأغريباس الملك (أع26: 28) بل يكون كالابن الضال الذي قام لوقته وذهب إلى أبيه، وقدم توبة في انسحاق قلب.. وجدية التوبة تظهر في قول ذلك الأب الروحي: "لا أتذكر أن الشياطين قد اطعنوني مرتين في خطية واحدة.." لأنه مادام قد عرفها، فلا يمكن أن يعود إليها مرة أخري. أما الذي يعترف ويتناول، ويكرر نفس الخطايا، ويكرر نفس الاعتراف فلا شك أنه غير جاد في توبته... في قصص التوبة المشهورة في سير القديسين، مثل توبة مريم القبطية وبيلاجية πελαγία وأغسطينوس وموسى الأسود نلاحظ ملاحظة هامة. إن التوبة كانت نقطة تحول في الحياة بلا عودة إلى الخطية. كانت توبة جادة، انتقلت من الخطية إلى النقاوة، وارتقت منها إلى القداسة ثم سمت إلى الكمال... وتحول. أولئك الخطاة إلى قديسين. وصاروا أمثلة في حياة البر، وبركة لغيرهم، وصاروا أيضًا مرشدين روحيين. كانوا جادين في جحد الشيطان.. وكل أعماله الرديئة.. وكانوا جادين في علاقة الصلح مع الله، وفي شهوتهم للحياة الفاضلة. أما الذين يخطئون كل يوم، ويعتمدون على قول المزمور " لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا بحسب آثامنا" (مز103: 10) فهؤلاء ليسوا تائبين بالحقيقة... ورحمة الله إنما تكون للجادين في توبتهم. الإنسان الجاد في طريقه الروحي، من صفاته أنه ينمو باستمرار. الجدية تمنحه حرارة روحية. والحرارة تدفعه كل حين إلى قدام. إنه يجاهد من أجل النقاوة والكمال إلى أبعد الحدود.. بكل مثابرة واجتهاد يعطي الله كل قوته وكل إمكانياته... وكل أرادته وكل قلبه.. ويعمل بكل النعمة المعطاة له. ولا يقصر في شيء إنما يبذل كل طاقاته. وفي كل يوم إلتصاقًا بالله وقربًا منه. ويزداد عمقًا في المحبة الإلهية، ويزداد فهمًا للفضيلة... وممارسة لها. إنه لا يدلل نفسه ولا يحابيها، ولا يعذرها في أي تقصير. وإن توانت يغصبها على عمل الله.. حتى تتعوده وتؤديه في حب. والجاد لا يهتم بهواه الخاص، بل يضحي بأية متعه من أجل الرب. وهكذا الذين تدربوا على الجدية، كانوا يتعبون باستمرار لأجل الرب. يضحون دائمًا براحتهم من أجل روحياتهم مثل القديس بولا الطموهى الذي كان يجاهد بتعب شديد في نسكياته، وفي اخضاع جسده لروحه، حتى قال له الرب " كفاك تعبًا يا حبيبي بولا".. ومثل داود النبي الذي قال " لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطي نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا... إلى أن أجد موضعًا للرب ومسكنًا لإله يعقوب" (مز131).. هذه هي الجدية في الحياة الروحية. والإنسان الجاد، إذا وجد صعابًا لا يعتذر بها، بل ينتصر عليها. إنه لا يستسلم لعقبة، بل يكافح ويصلي، ساعيًا إلى المثاليات واضعًا أمامه قول الرسول " اركضوا لكي تنالوا" (1كو9: 24). " وبهذا يكون باستمرار حارًا في الروح" (رو12: 11)... ومادامت المثاليات أمامه، لا يرضى بأنصاف الحلول ولا باجتياز مرحلة من الطريق، بل يكمل بكل نشاط، متجهًا نحو الكمال. لذلك فهو في صعود مستمر نحو الله. وطبيعة أن الذي يتقدم باستمرار، فهذا لا خوف عليه من النكسات والرجوع إلى الوراء. إنه يأخذ كل شيء بجدية. إنه جاد في حياة التوبة وعدم التساهل مع الأفكار وهو جاد في خط سيره الروحي وفي كل ممارسات الفضيلة. وهو جاد في تداريبه الروحية، لا يكسرها مهما كانت الأسباب، وهو جاد في كل كلمة تخرج من فمه. وهو جاد أيضًا في كل نذوره وتعهداته أمام الله. لا ينذر نذرًا ثم يعاود التفكير فيه. أو المساومة. ولا يؤجل الوفاء بنذره ولا يحاول استبداله بغيره، ولا يماطل ولا يرجع في كلمته. إنما بكل جدية وبكل سرعة ودقة ينفذ. جاعلًا أمامه قول الكتاب " خير لك أن لا تنذر، من أن تنذر ولا تفي" (جا5: 5) ومثال يفتاح الجلعادي واضح في جدية النذر (قض11: 30 25). والجاد جاد أيضًا في عبادته. لا يكتفي فيها بالشكليات. إنما هو يهتم بجوهر الروحيات وعمقها لذلك فهو عميق في عبادته، بكل إيمان، وكل تواضع وخشوع قلب، يصلي بفهم وحرارة وتركيز، بمحبة قلبية لله، لا يسمح لفكره أن يسرح هنا أو هناك، ولا يسمح لحواسه بالتجول، إنما يسكب نفسه سكيبًا في صلواته وتأملاته وميطانياته وصومه. ولا يكون جسده داخل الكنيسة وعقله خارجها وكل ما يرشده الرب إليه، يسعى جاهدًا لتنفيذه... ويكون جادًا أيضًا في خدمته. والجدية تقود دائمًا إلى النجاح وإلى الإتقان. كل مسئولية تعهد إليه يؤديها بنجاح وعلى أكمل صورة، سواء في حياته الكنسية، أو في وظيفة العلمانية أو أي مشروع يقوم به. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الإنسان الجاد، هو يسلك في وصية الله |
الإنسان الجاد لا يدلل نفسه ولا يحابيها |
الإنسان الجاد يعمل بكل النعمة المعطاة له |
الإنسان الجاد إذا نذر نذرًا، لا يعاود التفكير فيه |
الإنسان الجاد هو جاد في كل شيء |