الوصول إلى محبة الله
وكيف يصل إلى ذلك؟
يصل إلى ذلك بالعمل الإيجابي الروحي الذي يوصله إلى محبة الله. ومحبة الله تجعله لا يخطئ. لأن المحبة لا تسقط أبدًا" (1كو13: 8). وكما قال القديس يوحنا الرسول إن الله محبة. والذي يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه" (1يو4: 16) " ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله" (1يو3: 9). حاول إذن أن تملأ قلبك من محبة الله، حينئذ تكون محبته في داخلك كنار ملتهبة، تحرق كل شهوات الخطية وكل آثارها وكل أفكارها.
فما هو العمل الإيجابي الذي يوصلك إلى كل هذا؟
فكر كثيرًا في الله. وتفكيرك في الله يلد محبته في قلبك. ومحبته تجعلك تفكر فيه بالأكثر. وكل من الأمرين يوصل إلى الآخر ويقويه...
وإذ ما أكثرت التفكير في الله. وفي سمائه وملائكته، وفي كلامه ووصاياه، وفي الأبدية السعيدة معه، وإذا ما أكثرت التفكير في صفات الله الجميلة، وفي معاملات الله للناس، حينئذ ستنشغل بالله. ومشغوليتك به ستجعلك تفكر فيه بالأكثر وتفكيرك فيه سيزيد محبتك له. وهكذا تدور الدائرة.
تفكيرك في الله هو العمل الإيجابي الأول في حياتك الروحية... أي أن يكون الله أمامك باستمرار، تتذكره كل حين، وكما قال داود النبي محبوب هو أسمك يا رب. فهو طول النهار تلاوتي" (مز119).
وتفكيرك في الله يقدس فكرك. ويلد في قلبك مشاعر روحانية. وفي كل ذلك تستحي من أن تفكر في شيء خاطئ. ولا يسهل عليك أن تخل بأفكارك المقدسة أي فكر نجس. أو حتى أي فكر عالمي. وتشجيع للاستمرار في فكرك الإلهي.
والتفكير في الله يوصلك إلى نقاوة القلب، لأنه لا شركة مطلقًا بين النور والظلمة.
وهنا تتعود الصلاة. وتتعود أيضًا الهذيذ والتأمل. وتشعر بأنك في حضرة الله باستمرار. وفي هذا الحضور الإلهي لا يجرؤ الشيطان أن يتقرب إليك. وإن اقترب سرعان ما يتركك. لأنه لا يجد له مجالًا فيك. ولا يجدك متفرغًا له. ويري أن طرقك لا توافق طرقة... وحتى إن حاربك بشئ. تكون حربة ضعيفة. لأنك مشغول بالله...
لهذا تكون كل حرب الشيطان لك مركزة في إبعادك عن الانشغال بالله، وليس في محاربتك علنًا بالخطية...
فإن استطاع أن يبعدك عن عملك الإيجابي الذي هو الانشغال بالله حينئذ يتدرج خطوة أخري فيحاول إلقاءك في السلبيات... وحتى في تلك الحالة تكون قد اكتسبت قوة عملك الروحي السابق تستطيع أن تقاوم بها محاربات الشيطان. وفي هذه الحالة يحاربك الشيطان وهو يحترمك، وهو يخافك، ويحترس منك، فلا تنزل عليك بكل ثقله.
أما الإنسان البعيد عن العمل الإيجابي. فهو فريسة سهلة للشياطين. وهم لا يخافونه. إذ يعرفون أنه بلا قوة في الداخل تقاومهم. قلنا إن العمل الإيجابي يشمل محبة الله، ويأتي عن طريق التفكير في الله، وعن طريق الهذيذ والتأمل والانشغال بالله. وماذا ايضًا:
إن القراءة الروحية نافعة جدًا كعمل إيجابي يشغل الفكر بالله، ويقدم له كذلك مادة للتأمل وللصلاة. إنها تذكرني برفع البخور. الذي يعد المذبح لتقديم القرابين عليه.
فالقراءة توجد فكرك في جو روحي وتذكرك بالله وقديسيه. وكلمة الرب فعالة، تعمل فيك، وتعطي حرارة لروحياتك، وتدفعك بقوة إلى طريق الرب، كما أنها تعطيك استنارة في الفكر، وتلد فيك مشاعر روحانية، وتقوي عزيمتك على السير في طريق الله...
ومثل القراءة الروحية في فاعليتها، الاجتماعات الروحية أيضًا.
بكل ما فيها من صلوات وقراءات، وتراتيل وألحان وجو روحي نافع لربط الإنسان بالله. يضاف إلى ذلك ما فيها من كلمات روحية نافعة. كل ذلك يوجدك في بيئة روحانية، يشعر الشيطان أنه غريب عنها...
والصدقات الروحية نافعة جدًا. إنها من العمل الإيجابية التي تقوي بها قلبك وتجذبك إلى الله.
وصديقك الروحي، هو الصديق الذي كلما تراه، تذكر الله ووصاياه، وتتبكت على خطاياك، وتأخذ منه قدوة حياة الفضيلة.
إن الخطية لم تستطع أن تدخل في حياة لوط وأسرته. حينما كان لوط يعيش مع أبينا إبراهيم. ولكنها وجدت مجالًا حينما ابتعد لوط عن هذه الصداقة الروحية وسكن في سادوم. يعذب نفسه بأخطاء سكانها.
والتناول من أهم الأعمال الإيجابية بتأثيراته العميقة في النفس، وربما يصحبه باستمرار من توبة واعتراف.
وقد قال السيد المسيح عمن يتناول " يثبت في وأنا فيه" (يو6: 56). نقول في صلوات القداس الإلهي نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا"..
فما هو الذي لك من كل هذا العمل الإيجابي؟ وماذا لك أيضًا من جهة التداريب الروحية التي تدرب بها نفسك على حياة الروح وثمار الروح. والتي تجعلك منشغل الفكر كل يوم بأبديتك وكل ما تتطلبه من أعمال... ثم ماذا أيضًا عن محاسبة النفس. وتبكيتها على كل نقص وكل خطأ... وماذا عن المطانيات والصوم والسلوك في حياة الروح...؟