رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من رسالة السيد المسيح: المصالحة بقلم: البابا شنودة الثالث البابا شنودة الثالث أهنئكم يا أخوتي وأبنائي بعيد الميلاد المجيد وببدء عام جديد, راجيا لكم ولبلادنا العزيزة كل خير, ومصليا من أجل تلك الأرض المقدسة التي ولد فيها السيد المسيح, وباركها وقدسها, بتعاليمه ومعجزاته متنقلا فيها من مكان إلي آخر. ومات فيها وقام. كان ينشر الحب والسلام, ومن تفاصيل ذلك: المصالحة التي ما أشد حاجة العالم اليها الآن, وبخاصة بين الشعوب التي تتقاتل بكل عنف, وتتصارع, وتسقط الضحايا يوميا في ساحة قتالها. اهتم السيد المسيح في عظته علي الجبل بمبدأ المصالحة, فقال: إن قدمت قربانك علي المذبح, وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك, فاترك هناك قربانك قدام المذبح. وأذهب أولا اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك( متي5:22 ـ24). وهكذا أظهر أن المصالحة شرط يسبق قبول الله للقرابين. ولذلك فإننا في مقدمة صلاة القداس الإلهي, نصلي أولا صلاة الصلح التي نقول فيها: اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نقبل بعضنا بعضا بقبلة مقدسة, لكي ننال بغير وقوع في دينونة من موهبتك غير المأننة السمائية. علي أن المصالحة في معناها الكتابي تشمل أنواعا ثلاثة: مصالحة مع الله, مصالحة بين الناس, مصالحة الانسان مع نفسه. وقد جاء السيد المسيح, يعمل صلحا بين الله والناس.. وكما نقول له في صلاة القداس الغريغوري: صالحت السمائيين مع الأرضين.. لاشك أن الخطيئة تصنع خصومة ما بين الانسان والله. ففي الخطيئة يخالف الانسان وصايا الله, ويعصاه, ويبعد عن طريقه وعن مشيئته, ويسلك حسب هواه. ويحتاج إلي من يصالحه مع الله. وجاء المسيح ليقيم البشرية سقطتها, ويعيد علاقتها بالله, ويجعل المحبة هي الرابطة التي تربط البشر بخالقهم. وهكذا قال في مناجاته للآب عرفتهم اسمك, وسأعرفهم, ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به, وأكون أنا فيهم( يو17:26). وجعل مهمة المصالحة هي عمل رسله أيضا وهكذا قال تلميذه القديس بولس الرسول.. وأعطانا خدمة المصالحة.. نطلب من المسيح: تصالحوا مع الله..(2 كو5:20,19) ولا نستطيع أن نصطلح مع الله إلا بالإيمان والتوبة. لقد كان العالم القديم ـ قبل مجيء المسيح ـ في خصومة مع الله, في جهلهم لله, وفي عصيانهم له. لذلك مرت فترة طويلة قبل الميلاد, لا صلة فيها بين السماء والأرض: لا أنبياء, ولا ظهور لملائكة, ولا عمل للروح القدس في الناس. وفي قصة ميلاد المسيح, عادت المصالحة بين السماء والأرض. عاد ظهور الملائكة, كرسل من الله إلي الناس: ملاك بشر القديسة العذراء بميلاد المسيح, وملاك بشر القديسة اليصابات بميلاد يوحنا المعمدان, وملاك بشر الرعاة بقوله: ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب( لو2:10). وظهرت مجموعة من الملائكة تنشد المجد لله في الأعالي, وعلي الأرض السلام, وفي الناس المسرة( لو2:14). وفيما بعد ملاك آخر أمر يوسف النجار بأن يذهب هو والعائلة المقدسة إلي مصر( متي2:13). كانت هذه الظهورات المقدسة كلها, تباشير صلح بين السماء والأرض. أما الصلح ذاته, فأقامه السيد المسيح.. ليس فقط صلحا بين الله والناس, وإنما أقام أيضا صلحا بين اليهود والأمم, وبين اليهود والسامريين, وجعل باب الايمان مفتوحا للجميع, وقبل اليه ايمان السامريين( يو4:41), وذكر مثل السامري الصالح الذي عمل خيرا مع يهودي جريح( لو10:32). وهكذا أقام السيد المسيح صلحا بين البشر وبعضهم البعض ورفع شأن الاميين المحتقرين من اليهود, وقال عن قائد المائة الأممي الحق أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيمانا بمقدار هذا( متي8:10). وقال عن انتشار الايمان بين جميع الشعوب إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب, ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات( متي8:11). وقال لتلاميذه لكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودا في أورشليم وكل اليهودية, وفي السامرة وإلي أقصي الأرض.( أع1:8). وقال لهم أيضا اكرزوا بالانجيل للخليقة كلها( مر16:15). وهكذا جعل العالم كله واحدا. وفتح صدره لكل الأمم والشعوب. وفي هذا قال الكتاب أيضا, في الوحدانية والمحبة والصلح: محتملين بعضكم بعضا بالمحبة, مسرعين إلي حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل( أف4:3,2). وهذا ما نتلوه باستمرار في صلواتنا اليومية, في مقدمة صلاة باكر. هذه هي المصالحة بين الناس افرادا وشعوبا, كما يدعو اليها السيد المسيح وتلاميذه الأطهار, وهي ما نريده لكل شعوب العالم. ولكن المصالحة بين الناس ينبغي أن تقوم علي أساس من الحق والعدل, وليست بإرغام فريق علي الخضوع والاستسلام لفريق آخر! ولا تكون مصالحة, إذا قامت عن طريق استبداد قوي بمن هو أضعف منه, لكي يسلم له بشروطه حتي يعيش الطرفان في سلام. مثل هذا السلام هو سلام ظاهري, وليس سلاما قلبيا. وهو مصالحة مفروضة, وليست مصالحة طبيعية مقبولة عن رضا. إن المصالحة المسيحية تأتي عن طريق عكسي, بأن يقدر القوي شعور الضعيف ويراضيه متنازلا له, لكي يكسب محبته. وفي هذا يقول الكتاب يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء, ولا نرضي أنفسنا. فليرض كل واحد منا قريبه للخير, لأجل البنيان( رو15:2,1). بمثل هذه المصالحة, يحفظ السلام. ليس بين الشعوب فقط, بل أيضا بين العائلات وبين الأفراد. وتزول الخصومات. ويقول المثل: إذا تصالح الخصمان, استراح القاضي. فإن اصطلح الزوجان, لا يرفع الأمر إلي محاكم الأحوال الشخصية. وكذلك إذا اصطلح الخصوم بوجه عام, لا يوجد مجال للعدالة, ولا مجال للاعتداءات, ولا للجرائم, ويعيش الكل في سلام. ولكن تقف الذات, الـEGO في طريق المصالحة. طالما يصر كل طرف أنه علي حق, وغيره علي باطل, ويبرر كل انسان ذاته, ويدين غيره ويتهمه. ويفرض كل واحد شروطه للصلح, وإلا فلا رجوع للعلاقة! ولا يهتم كل منهما بمشاعر غيره, إنما يركز علي حقوقه هو, ومشاعره وكرامته. إن التعليم المسيحي يقول وادين بعضكم بعضا بالمحبة الأخوية, مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة.. لا تجازوا أحدا عن شر بشر.. إن كان ممكنا, فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء.. فإن جاع عدوك فاطعمه, وإن عطش فاسقه( رو12). إذن أهم طريق للمصالحة مع الآخرين, هو انكار الذات وهنا نصل إلي النقطة الثالثة في المصالحة, أقصد مع النفس. وكما قال أحد الآباء: اصطلح مع نفسك, تصطلح معك السماء والأرض. الانسان الروحي يهتم أولا بالتصالح مع نفسه. وهذا الأمر يتفرع إلي نقاط عدة. منها المصالحة بين جسده وروحه. كما يقول القديس بولس الرسول الجسد يشتهي ضد الروح, والروح ضد الجسد, وهذا يقاوم أحدهما الآخر( غل5:17). فإن سار الاثنان في طريق واحد, وفي مشيئة واحدة, هي مشيئة الروح, حينئذ لا يوجد انقسام داخل نفس الانسان, ويصير واحدا. فيه الجسد يخضع للروح, وروحه الانسانية تخضع لروح الله. وهكذا لا يكون أبدا في خصومة مع الله ولا مع الناس. ونقصد بالجسد كل الأمور الجسدية, أي الأمور المادية. إذ ترتفع الروح علي المستوي المادي, ولا تدخل في صراع معه. وكما لا يكون في الانسان صراع بين الروح والمادة, لا يكون في داخله أيضا صراع بين العقل والشهوة, ولا بين المثالية والواقع. لا يكون فيه صراع بين الضمير والهوي, وبين ما يفعله وما ينبغي له أن يفعل. فإن زال هذا الصراع, يصل الانسان إلي الاستقرار النفسي. ولا يكون في حالة من قال كنت أصارع نفسي وأجاهد, حتي كأنني اثنان في واحد. هذا يدفعني, وذاك يمنعني. أو كما قال ايليا ابوماضي في قصيدته( الطلاسم): إنني ألمح في نفسي صراعا وعراكا وأري نفسي شيطانا وأحيان ملاكا هلي أنا اثنان: يأبي هذا مع ذاك اشتراكا أم تراني واهما فيما أراه؟ لست أدري نعم نحن نريد لكل واحد المصالحة مع نفسه, حتي يصير واحدا لا اثنين, وحتي يصل إلي الاستقرار النفسي, علي شرط أن يستقر علي الحق ـ بلا صراع داخلي ـ وليس علي الباطل. هذا ما يريده السيد المسيح وما يعلمه في المصالحة داخل النفس. ليتنا إذن نعيش في سلام دائم, بغير صراع: في سلام مع النفس, ومع الناس, ومع الله. بهذا الصلح الدائم الشامل مع الكل. وفي هذه المناسبة, نصلي من أجل السلام في الأراضي المقدسة بين اليهود والفلسطينيين, والسلام بين الهند وباكستان, والسلام بين الشرق والغرب, وبين البيض والسود. ونرجو أن يكون هذا العام مباركا, لا تستمر فيه صراعات الماضي واشتباكاته, عاما يسوده الصلح والسلام, ويسوده الاستقرار علي الخير, ووحدة الروح والفكر. كما نصلي من أجل مصر المحبوبة أن يمنحها الله الرخاء, وأن يوفق الرئيس مبارك في كل رحلاته واتصالاته, من أجل خير بلادنا وكل الشرق الأوسط, وأن يوفق الله كل العاملين في بناء بلدهم وخيره, وكل عام وانتم جميعكم في فرح وسلام. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|