رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مقدمة: الزواج المعروف لدى كل الشعوب هو في الوحي المسيحي من صنع الله الخالق الذي أسّسه منذ البدء (تك2\21-24)، ونَظَّمَه بِشرائع خاصة موحاة ، ورفعه بواسطة ابنه يسوع المسيح إلى منزلة سر. 1-الزواج المسيحي سرّ مقدَّس ومُقدِّس: المسيحيون يتزوجون كسائر الناس، ولكن زواجهم ليس كزواج سائر الناس:" أمّا نحن فلا نقترن اقتران الأمم الذين لا يعرفون الله"(رتبة الزواج): إنه سرّ. سرّ، يعني أنه يحوي حضوراً ونعمةً إلهيين :"هو فادي الإنسان، عروس الكنيسة، يأتي لملاقاة الأزواج المسيحيين:فيمكث معهم، ويعطيهم القوة ليتبعوه في حمل صليبهم، وينهضوا من سقطاتهم، ويغفر الواحد للآخر، ويحمل الواحد أثقال الآخر ، ويتحابّوا حباً خارقاً وحسّاساً وخصباً" ( المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم 11و41). وبفعل سرّ الزواج ينال الزوجين من المخلّص هبة النعمة، "وهي تكمّل حبهما، وتوطد وحدتهما، وتقدّسهما في حياتهما الزوجية وفي قبول البنين وتربيتهم"(المرجع المذكور)،"كما أنها تُغذّي الفضائل المسيحية كالثقة بالله والاتكال على عنايته وروح العفة والمسامحة والتضحية"(مواضيع لتحضير الزواج في أبرشية جبيل المارونية ص ص6-7) . 2-الزواج المسيحي عقد وعهد: الزواج المسيحي السر ليس مجرد عقد وحسب وإنما هو عهد: هو عقد، يقوم على تبادل الرضى الشخصي(Le consentement individuel) الواعي والحر بين الرجل والمرأة. " فالكائن البشري (الرجل أوالمرأة) يختار الآخر اختياراً حرّاً ويتحد به، ولا ينتمي إليه بفعل الولادة والطبيعة كما هي الحال بالنسبة لانتمائه إلى أبيه وأُمِّه".(Jean-Paul 2,a l image de Dieu, homme et femme, ed du cerf Paris, 1981, p.86). والحبّ والحرية توأمان ، هذا ما يُعبّر عنه سفر نشيد الأناشيد في القصيدة الرابعة: "إنّي نائمةٌ وقلبي مُستَيقظ\ إذا بصوتِ حبيبي قارِعاً\ أن افتحي لي يا أُختي يا خَليلَتي\ يا حمامتي يا كامِلَتي\ فإنَّ رأسي قد امتلأَ مِنَ النَّدى\وخَصائلي مِن قطراتِ الليل\(نشيد الأناشيد5\2). أجابت العروس"قد نَزَعتُ ثوبي فكيفَ ألبَسَهُ؟\قد غسَلتُ رِجلَيَّ فكيفَ أُوَسِّخُهُما؟\(آ3). لم تستقبِلِ العروسُ عريسها، في تِلكَ الليلَةِ ، ولَكِنَّهُ لم يُهدّد حُريتها بالقوّة ، بل "وَلَّى ومَضى"(آ6). هو ما حَطَّمَ الباب بل حَطَّم قلبَها. فقامت بملءِ حُريتها في الليل، وشَرَعت تَبحثُ عَمَّن يٌحبُّه قلبُها (آ6). وتبادل الرضى الشَخصي هذا، يَتِمُّ في الكنيسة ،أمام كاهن ذي صلاحية وإشبينين،وبحسب الصيغة الكنسية المتّبعة.وهذه هي الصيغة القانونية للزواج. وهو عهد حبّ وحياة، يعني أن الله الذي خلق الإنسان عن حبّ، يدعوه إلى هذا الحب بالذات. و"يهدف (عهد الحبّ والحياة) إلى التعاون المتبادل من أجل خير (الزوجين) والأولاد الذين يوكِل الله إليهم رعايتهم"(المجلس الحبري للعيلة، دليل الكهنة المعرّفين، بشأن آداب الحياة الزوجية وأخلاقيتها، فقرة2) فالزواج لا ينتهي عند حدّ الزوجين وحسب، بل يمنحهما إمكانية المشاركة في عمل الخلق:" أنميا واكثرا واملأا الأرض"(تك1\28). عهد الحبّ والحياة هذا، يخلق شركة بين الزوجين لمدى الحياة تتّصف بالوحدة والديمومة والحبّ والأمانة. 3- وحدانية الزواج (La monogamie): ألمقصودُ بِوحدانيّة الزواج، أن يَتَزَوَّجَ رجلٌ واحدٌ امرأةٌ واحدةٌ طَوالَ الحياة، والعَكسُ صَحيح. فالزواجُ المسيحي ،يُساوي بين شَخصين، رَجُلٌ وامرأة، ويُوَحِّدُ بينهما.هذا هو إيمان الكنيسة. وهو إيمانٌ يرى ركيزته الأساسية على ما رسمه الله في"البدء" عِندَ خَلقِ العالَمِ والإنسان، أمرٌ ردده السيد المسيح أمام مُحاوريه من الفريسيين الذين طرحوا عليه سؤالاً في الزواج والطلاق بُغية أن يُجرّبوه فذَكَّرَهُم بِإرادَةِ الله المُعلَنَة مُنذُ بَدءِ العالَم، قائلاً:"في البدء ذكراً وأُنثى خلقهما، وقال: لذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته، ويصيران جسداً واحداً ومن ثمَّ ليسا هما اثنين بل جسد واحد"(متى19\5-7). كلامُ السيد المسيح هذا، أعادَ إلى الواجهة منطق الزواج السليم ونعني به الزواج الأحادي. وتجدرُ الإشارة إلى أن المسيح لا يتكلم هنا عن الزواج اليهودي أو المسيحي وحسب، وإنما عن الزواج عامةً: فَمِثالُ كُلِّ زَواجٍ هو الزواج الآحادي، أي الزواج الذي يجمع رجلاً بامرأةٍ واحدة ،وامرأةً بِرَجُلٍ واحدٍ مَدى الحياة. لماذا ؟ • لأن الاثنان يتساويان في الخلق وفي الكرامة: فللواحد ما للآخر على مُستوى العقل والإرادة والحرية، حتى ولو اختلفا في الجنس: ذكراً أو أنثى. • لأنهما يَصيران باتحادهما جسداً واحداً ومن ثمّ فليسا هما اثنين بعد:فالرجلُ وحده ناقصٌ، يحتاج لأن يُكَمِّل ذاته من خلال المرأة،" فهي عونٌ يُناسبُه"(تك2\18)؛ وكذلك المرأة، فهي تبقى ناقصةً ولا تكتمل إلاُ بالرَجُل، فَهي مأخوذَةٌ مِن ضِلعِه (تك2\21). • لأن الزواج هو هِبَة ذات، ولا يستطيع الإنسان أن يهب ذاته أكثر من مرة ،ولأكثر من شخص واحد. وإلاّ يصبح الزواج انتهاكاً واضحاً لقاعدة التساوي بين الرجل والمرأة، وخرقاً مباشراً لقصد الله في الخليقة ، ومجرداً من كل أبعاده الإنسانية والروحية. 4- ديمومة الزواج l'indissolubilité (أتزوجك إلى الأبد): مِن أجمَلِ خِطاباتِ الحُبِّ ما وَرَدَ في سفر هوشع النبي .يُخاطب الله حبيبته أي شعبه قائلاً:"أتزوجك إلى الأبد ،يقول الرب، أتزوجك في الحب والحنان، أتزوجك في الأمانة فتعرفين الله"(هو2\21-22). أتزوجكَِ إلى الأبد؟ إذا كان يُعنى بكلمة "الأبد"،الشيء أو الحالة التي لا نهاية لها، فإن للزواج بداية ونهاية. ولكن، إذا كانت بداية الزواج مرتبطة بالإرادة والعقل والحرية، فإن نهايته غير مرتبطة إطلاقاً بهذه الثلاثة، بل بالموت. فالموت وحده هو الذي يقدر على أن يكسر هذا القيد المُعدّ بطبيعته لأن يكون أبدياً:" فالمرأة مقيدة ما دام رجلها حياً. وإن رقد رجُلُها فهي حرة أن تتزوج من تشاء، ولكن في الرب فقط"(1قور7\39). كلمات القديس بولس هذه توضح لنا معنى الأبد في الزواج: إنه الفترة الممتدة من بداية الحياة المشتركة إلى نهايتها ،أي إلى الموت. وهذا بالتحديد ما قصده الرب بقوله:"ما جمعه الله لا يفرقه إنسان"(متى 19\6). لا بل ولا تستطيع أي سلطة بشرية أن تقرر إمكان انفصام الاتحاد الزوجي الصحيح. 5-"أتزوجك بالحبّ": نقرأ في الرسالة إلى أهل أفسس ما يلي:"يا أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أن المسيح أحب بيعته وبذل نفسه عنها ليقدسها ويُطهرها بغَسل الماء وبالكلمة، وهي مُمَجدة لا دَنَسَ فيها ولا وَسَخ ولا ما يُشبه هذه.بل تكون مُقدسة وبدون عَيبٍ في المحبة"(أف5\22-27). الكائنات كُلُّها تتزاوج، ولكن الإنسان وحده يطبع زواجه بالمعنى أي بالحب والسر، لأنه الوحيد من بين الكائنات المخلوق على صورة الله ومثاله (تك1\27)، يُشبهه بالعقل والروح. يجتمع البشر بالحب ، ويتميزون به. الحب البشري هو سر الإنسان لأنه سر الله"فالله محبة". هذه الحقيقة عبّرت عنها الرسالة إلى أهل أفسس :"لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته…ويتابع بولس قائلاً،إن هذا السر لعظيم" (أف5\31-32) .عن أي سر يتكلم؟ عن سر الحب حتماً . وهو عظيم لأن الإنسان لا ينتهي من فهمه مهما تقدم في الحياة. ولا ينتهي الإنسان من فهم الحبّ لأنه كشفٌ واكتشاف: كشفٌ دائم عن الذات، واكتشافٌ لذات الآخر، بمعنى آخر ،هو عطاء وقبول دائمين لا يُحدان بزمن وإنما يعتبران كمشروع طويل الأمد ولتحقيقه يحتاج الإنسان إلى العمر كله. هذا ما يُعبر عنه أحد الكتّاب بقوله:"الحبّ يطاردني من المهد إلى اللحد، ذلك هو الحب"(نجيب محفوظ). من هذا المنطلق فأن الحب المؤقت ليس حباً، كذلك الحب العابر والمحصور بزمن معين. إنه نزوة، خطيئة، احتقار، سموه ما شئتم ولكن لا تسمّوه حباً لأن الحب الحقيقي له طعم الأبد ، وهو مفتوح على المستقبل، وبالتالي هو مشروع حياة طويل الأمد لا يتحقق دفعة واحدة في حياة الزوجين وانما تدريجياً وطيلة الحياة. 6- "أتزوجك بالأمانة": الأمانة هي التزام بالشريك الآخر إلى النهاية وهذا ما تحمله كلمة "نعم".التزامٌ يتأتى من كون الإنسان وحده يعرف أن يُحبّ ويُحَبّ.والأمانة ليست مطلباً كنسياً وحسب، كما يظنّ البعض ،وإنما هي مطلب ومثال أنساني في الدرجة الأولى. نقول وبقطع النظر عن السر المسيحي أن المشروع الذي لا يقوم على الأمانة يُهدّ، والعائلة تتفكك أضف إلى ذلك أن لا مجتمع بدون اتحاد دائم بين الرجل والمرأة. إلا أن للأمانة في الزواج المسيحي والكنسي طابعاً خاصا. إنها تستمد قوتها ومثالها من أمانة السيد المسيح العريس لعروسه الكنيسة(أف5\22-27).فكما أن المسيح لا يستطيع أن يتوقف عن حبه لعروسه الكنيسة وأمانته لها والتزامه بها حتى بذل الذات ،هكذا الزوجان ،فعندما يقولان"نعم"يتحول زواجهما إلى سر وبالتالي يصبحان صورة مرئية لحب الله بالذات وحب المسيح لعروسه الكنيسة. وللأمانة أوجهٌ عديدة. وهي لا تُحصر في فعل أو عملٍ ما ،وإنما تطال كل نواحي الإنسان:الجسدية والفكرية والنفسية والروحية،وأننا لا نستطيع الكلام عن الأمانة دون أن يُعنى الفكر والحواس بوجه من الوجوه. - الأمانة الجسدية: يُعبر عنها بالوفاء الجسدي للشريك .فالجسد قد سُيج وكُرس للآخر:"أختي العروسُ، جنَّةٌ مقفلةٌ وينبوعٌ مختوم"(نش4\12).وكل اختراق لهذا السياج هو خيانة لعهد الحب وبذل الذات وقتل للآخر.أجل قتل بكل ما للكلمة من معنى.:"وليس من قبيل الصدفة أن تكون وصية لا تزني مُلحقة بتلك التي تُحرّم القتل. فالكائن البشري المتزوج يُدمّر قرينه،عندما يستسلم لعلاقة أُخرى، وإن بطريقة عابرة…كان هناك خطيئتان في الكنيسة الأولى تمثلان القتل وتُبعدان عن الأفخارستيا: القتل والزنى.هذان الأخوان القاتلان كلاهما ،رغم تباين الأسلوب" (راجع تيودول ري مرميه، الخلقية،ص434).هذا هو القتل الذي ترتكبه الخيانة الزوجية ،وتعبر عنه إحداهن بقولها:"عندما اكتشفت في سن الأربعين، مثل الكثيرات من النساء، أن زوجي يخونني مع امرأة أخرى، أحسست نوعاً ما،بموت حقيقي.في ناحية من ذاتي ،شخصٌ يموت. وعرفتُ بعد سنتين فقط، ما كانت تعني لي تجربة الموت هذه؛ إنها التمزق الداخلي الذي يرافق انفجار صورة كنت أعيش معها حياة حميمة إلى حدّ أني توصلت إلى أن أمتزج بها"(أليس ت. المرجع ذاته). - الأمانة الفكرية: الخيانة هي موقف فكري داخلي قبل أن تكون فعلاً.فإن وجود الرغبة الداخلية والقرار بالخيانة كافٍ لأن يجعل الشخص خائناً حتى ولو تعذر عليه القيام بالفعل:" من نظر إلى امرأة واشتهاها في قلبه فقد زنى"(متى5\27). فالخيانة بالدرجة الأولى هي خيانة للمبادئ الأخلاقية. - الأمانة النفسية: وهي تتمثل بهذا التناغم السري والمميز الذي يجذب الواحد للآخر دون غيره.وكل محاولة لإيجاد تناغم مشابه في مكانٍ آخر ،ومع شخص آخر يُعتبر خرقاً لهذه الأمانة. - الأمانة الروحية: تتجلى بالأمانة للإيمان والمعتقد .فالزواج المسيحي بما يحمل من نعمة، هو ينبوع خاص وأداة فريدة لتقديس الأزواج والعائلة المسيحية (را البابا يوحنا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحية…،فقرة 65). فإلى جانب متطلبات الحياة المشتركة، يجب أن يضع الأزواج نُصب أعينهم همّ القداسة المشتركة وقداسة العائلة. وهي قداسة تتحقّق بالفعل في الإنفتاح على سرَّي التوبة والإفخارستيا، وعبر تكريس الوقت الكافي للصلاة، وتحويل حياتهم إلى قرابين مرضية عند الله، وعيش الفضائل المسيحية والقيم الإنجيلية في الحياة اليومية. خاتمة: أختم حديثي بمقطع رائعٍ عن سرّ الزواج كتبهُ أحد المفكرين اللبنانيين باللغة العاميّة:"كل فعل من أفعال الإنسان بدّو أعظم سرّ. وخصوصاً فعل الزواج.لأنو بدون سرّ وبدون استعداد الإنسان الدايم لعيش السر، مين بيحمل من البشر واحد تاني أربعين سنه، خمسين سنه، مين؟(وهيب كيروز، محاضرة لجميم عن الزواج باللغة العاميّة، مجلة حضارة المحبة، العددين 19و20، سنة 1998). المصدر : ايبراشية جبيل المارونية للاعداد للزواج |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|