رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هذه القصة من تاريخ مصر تُعدّ محطة هامة من محطات انتقال مصر الفرعونية إلى مصر القبطية.. تمّت أحداثها عام 391م في عهد البطريرك السكندري البابا "ثاوفيلوس" (23) (385- 412م) الذي تنبأ عنه البابا أثناسيوس الرسولي بأنه "سيكون مطرقة قوية لهدم معابد الوثنيين"، وفي أيام الإمبراطور الروماني الأرثوذكسي "ثيئودوسيوس الكبير" (378- 395م) الذي أمر بتعميم الديانة المسيحية واعتبارها الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية. كان هيكل "سيرابيوم" بالإسكندرية على جانب عظيم من المتانة والاتساع، وكان مبنياً على قمة تل يُصعَد إليه بسلّم يبلغ مائة درجة، وكانت حجارته من داخل مغطاة بالنحاس والفضة والذهب، وفي وسطه ردهة واسعة، وتحته سراديب وطرق سرّية، وهو مقسّم إلى غرف يختصّ بعضها بالكهنة وبعضها بالمصلّين وبعضها بالضيوف، وفيه مكتبة كبرى. في هذا الصرح الشامخ تحصّنت الأقلية الوثنية من أهل الإسكندرية.. وكانوا كلما شاهدوا مسيحياً قريباً منهم قبضوا عليه وجذبوه عندهم وعذّبوه لكي يبخّر لأصنامهم، وإذا أبَى كانوا يقدّمونه ذبيحة لآلهتهم.. وقد افتخر بعد ذلك هيلاريوس كاهن الإله جوبيتر بأنه ذبح مرة بيده تسع ذبائح آدمية على مذابح الأصنام.. ولما ازدادت تعدّياتهم نصحهم الوالي بالحُسنى ليكفّوا عن شرّهم، ولكن الفيلسوف "أولمبيوس" قائدهم كان يغريهم بفصاحته على عدم التسّليم.. ولما لم يذعنوا اضطر الوالي أن يشهر أمر الملك القاضي بهدم هيكل سيرابيوم، فوقع الرعب في قلوبهم وتركوا الهيكل تحت جنح الظلام وتفرّقوا.. فلما علم ذلك الوالي والبطريرك أتيا باحتفال عظيم لكي ينقضا هذا الهيكل، وكان آخر ما بقى من الديانة الوثنية. وكان فيه صنم كبير جداً يداه ممتدتان من الحائط الواحد إلى الآخر، وهو مصنوع من الخشب ومغطّى بالمعادن ومطعّم بحجارة كريمة، وقد إسودّ لونه لتقادم عهده إذ كان موضوع إجلال المصريين مدة 600 سنة.. وكانت تخرج منه أصوات لا يُعرَف مصدرها، فكانوا يعتبرونها دليلاً على عظمة هذا الإله.. فلما تقدّموا لتحطيم ذلك الصنم، خاف بعضهم إذ كانوا لا يزالون مصدقين بخرافات أجدادهم، ووقفوا جامدين ظانين أنه إذا كُسِر هذا الصنم يخرب العالم.. ولكن البطريرك أمر جندياً بإجراء العمل حالاً فرفع يده وضرب الصنم ضربة أزعجت جميع المشاهدين كأن عدواً قوياً فاجأهم، ولكنه على أثر ضربة أخرى انكسرت بها رأس الصنم تحوّل خوفهم إلى ضحك عندما رأوا أنه قد خرج من جوفه جملة فئران كانت معشعشة فيه!! وحينئذ تقدّم الآخرون وأكملوا تحطيمه وأحرقوه، وذروا رماده في الريح، ونقضوا جميع أبنية هذا الهيكل.. وبنوا فوقها كنيستان، إحداهما شُيّدت في مكان معبد إيزيس وسُمّيت باسم الملك هونوريوس والأخرى أُقيمت على أطلال معبد سيرابيس وسُمّيت باسم الملك أركاديوس (هونوريوس وأركاديوس هما ابني الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير). وقد كتب سقراط المؤرخ الكنسي فيما بعد عن ذلك الهيكل قائلا: عندما تهدّم هيكل سيرابيس وأصبح أنقاضاً بالية وُجدت كتابة منقوشة على حجارته باللغة الهيروغليفية لها شكل صليب وهيئته تماماً، فلما رآها المسيحيون والوثنيون قال كل فريق منهما أن هذه شارات ودلائل من ديانتنا الخاصة بنا دون الغير ذلك لأن المسيحيين يعتقدون أن الصليب علامة الفداء وتذكار الخلاص الذي عمله المسيح للجنس البشري ولذلك قالوا أن هذه الإشارات التي وُجدت على الحجارة تدل على ديانتهم وتنبئ بها، أما الوثنيون فقالوا لا يبعد أن تكون هذه العلامات دلائل على المسيح وسيرابيس في آن واحد وذلك لأنها مشتركة بين المسيحيين من حيثية الشكل وبين الوثنيين من جهة الكتابة والحفر. وبينما كان الطرفان يتباحثان ويتجادلان في هذا الشأن ظهر لهم وثني اعتنق الديانة المسيحية وكان ملمّاً بمعرفة الهيروغليفية عارفاً باللغة المصرية القديمة، فترجم لهما هذه الكتابة الموضوعة بشكل صليب وإذا هي "الحياة الآتية"، فلما سمع المسيحيون هذه الترجمة قالوا لم يبق بعد دليل على أنها تشير إلى ديانتنا وأنها وُضعت لتنبئ بها. ثم ظهرت كتابات أخرى باللغة المصرية وأوضحت معنى شكل الصليب هذا إيضاحاً تاماً ومعناها "أنه عندما يبتدئ الناس يعيشون العيشة الجديدة (أي يصيرون مسيحيين) فلا بد من سقوط هيكل سيرابيوم"، فلما طرق هذا القول مسامع الوثنيين قبل الكثيرون منهم الديانة المسيحية معترفين بخطاياهم تائبين إلى ربهم عما فرط منهم ثم تعمّدوا بمعمودية التوبة الصحيحة. ومن المعلوم أن البابا ثاوفيلس هو أول من أطلق على الكنيسة المصرية اسم "الكنيسة القبطية". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|