رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عناية الله بنا...
"إيماننا المطلق بعناية الله" {ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده} (رو ٢٨:٨). هذه الآية المباركة التي نطق بها الوحي الإلهي على لسان بولس الرسول، تحمل تعزية كثيرة لكل إنسان مؤمن في وقت التجربة. إن الرسول بولس يتحدث هنا بلغة اليقين إذ يقول: {ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير}. إنه لا يشك في هذه الأقوال المباركة، ولا يتساءل عن صحة هذه الحقيقة وقت التجربة، لكنه يؤمن إيماناً مطلقاً بعناية الله السائدة على كل شيء، والمسيطرة على كل أمر. إنه يثق بالله الذي يحول كل شيء للخير. من أجل ذلك فهو لا يتذمر في أي ظرف ولا يشكو من أية تجربة، لكنه {يشكر في كل شيء}. هذه الحقيقة حولت الأنات إلى ترنيمات، والأحزان إلى أفراح، وجعلته يترنم وهو في السجن وأرجله في المقطرة (أع ٢٥:١٦). لقد كانت الضربات قاسية والجروح دامية، ومع هذا فإنه كانا يثق أن كل الأشياء تعمل معاً للخير وأن الرب كان حاضراً معه. فهل يا ترى لنا هذه الثقة التي تمتع بها بولس قديماً؟. هذه الحقيقة التي يعلنها بولس الرسول لا يستطيع كل إنسان أن يؤمن بها. ففي وقت الحزن والألم والتجربة، كيف يصدق الإنسان أن كل الأشياء تعمل معاً للخير!. وهل المصائب التي تلحق بالإنسان هي للخير؟. هذه الحقيقة حيرت الكثيرين. لكن إن كنا نريد فهم هذه الآية فعلينا أن نقرأها جيداً. فكل الأشياء تعمل معاً للخير، ليس لجميع الناس لكن فقط {للذين يحبون الله}، {الذين هم مدعوون حسب قصده}. إذاً فهذه الآية مشروطة، وهذه الحقيقة خاصة بجماعة المؤمنين فقط. فالمؤمن الحقيقي الذي يحب الرب من كل قلبه يدرك مقدار محبة الله الفائقة من نحوه، ويعلم مقدار المعزة التي في قلب الله من جهته. إنه يشعر بحنان الرب ولطفه، ويدرك أن الله يهيمن على حياته، ويسخر نواميس الطبيعة لخدمته. لكن الخطاة لا يستطيعون إدراك هذه الحقيقة لأنهم لا يحبون الله ولا يشعرون بمحبة الله لهم، ولا توجد بينهم وبين الله شركة روحية لأن قلوبهم منجذبة للخطية. من أجل هذا فهم لا يؤمنون بهذه الحقيقة. لكن السؤال المهم هو: هل المصيبة خير؟ وهل المرض يعمل للخير؟ هل الحرمان جيد، وهل الفشل مفيد؟ ولماذا يسمح الله لنا بهذه الأشياء التي لا نحبها ولا نرغب فيها؟. هذه الآية المباركة تتضمن ثلاثة حقائق هامة وهي: ان مقاصد الله صالحة: {كل الأشياء تعمل معاً للخير}. إن كلمة خير هنا لا تعني الخير الزمني، لكن الخير الروحي. إننا نخطئ كثيراً حين ننظر إلى الأمور من الناحية المادية فقط ونهمل الجانب الروحي. لكن من له النظرة الروحية يستطيع أن يرى الخير العظيم في كل الأشياء التي تصادفه. نعم، قد لا يظهر الخير في وقت التجربة، لكن بعد مدة قصيرة أو طويلة يستطيع المؤمن أن يفهم معاملات الله معه، والخير الذي نتج عن تلك التجربة. إن أيوب لم يفهم معاملات الله معه حين حلت عليه المصائب المتلاحقة، لكنه لم يرجع هذه التجارب للظروف أو الشيطان بل في صبر جميل وتسليم كامل وقال: {الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً} ويقول الكتاب: {في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه} (أيوب ١٠:٢). نعم، لم يعلم سر التجارب المتلاحقة وهل هذه المصائب كانت للخير، لكنه خرج من هذه التجارب مرفوع الوجه ثابت الإيمان ليكون أباً للأجيال في صبره . قال أحدهم: يخطئ الكثيرون الذين يظنون أن الخير معناه صحة بلا مرض، مال في الجيب ورصيد في البنك، منزل حديث به جميع وسائل الراحة، تعظم في المعيشة، ورغدة في الحياة. هذه نظرة مادية خالية من الروحانية. إن الراحة الجسدية ليست الخير الروحي، والنجاح المادي لا يساوى الخير الروحي. إن الحق الإلهي الذي نادى به بولس الرسول في (رومية ٢٨:٨) لا يتفق مع هذا الاعتقاد الخاطئ الذي يؤمن به الكثيرون. لان المر الذي يختاره الرب لنا خير من الحلو الذي نختاره نحن لأنفسنا، والدواء المر الذي يقدمه لنا طبيبنا الأعظم خير من الشراب الحلو السام الذي يقدمه لنا الشيطان. إن مقاصد الله فعالة: {كل الأشياء تعمل معاً للخير} إن مقاصد الله فعالة وغير خاملة، فالله يجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير. ربما نظن في أوقات المصائب أن الله غافل أو ساكت أو غير مكترث. لقد عاتب الكثيرون الله في وسط التجارب وقالوا له: {لماذا تصمت يا الله؟}، {أما تبالي؟}. لكنهم بعد حين فهموا جيداً كيف أن مقاصد الله كانت فعالة، والرب لم يغفل أو ينم لكنه ساهر على أولاده، ليجري مقاصده الصالحة لهم. إن مقاصد الله شاملة: {كل الأشياء تعمل معاً للخير}.إن مقاصد الله الصالحة تسيطر على كل الأشياء فالأمراض والتجارب، والأحزان والضيقات والمفشلات وكل ما يصادفنا في هذه الحياة تخضع للمقاصد الإلهية. إن مقاصد الله تسود على تفاصيل حياتنا اليومية، لأن الله يهتم بكل كبيرة وصغيرة في حياتنا. لأنه إن كانت عناية الله الفائقة تهتم بالعصافير فلا يسقط واحد منها إلا بإذن منه، فكم بالحرى أولاد الله المفديين الذين لهم معزة خاصة عنده. فلو سمح لنا بالمرض فلكي يشعرنا بضعفنا وحاجتنا لنعمته. وإن سمح لنا بالحيرة فلكي يجعلنا نشعر بحاجتنا لحكمته. وإن اختفى عن أنظارنا إلى حين فلكي يشوقنا لطلعته الإلهية فنزداد تعلقاً به وحنيناً لشخصه. إن مقاصد الله متناسقة: إن كل أعمال الله تسير حسب النموذج المرسوم من قبله، فهي لا تحدث اعتباطاً لكنها تخضع للبرنامج السماوي. وكل الأشياء التي تصادفنا متناسقة ومرتبطة بالمشيئة الإلهية. إن روشتة الطبيب قد تتضمن بعض العقاقير السامة، لو أخذت على انفراد، لكنها حين تمزج معاً بنسب معينة تحت إشراف صيدلي ماهر، تصبح مفيدة جداً، وتكون دواءاً نافعاً للمرض. على هذا القياس قال باركلاى هذه العبارة: {نحن نعلم أن الله يمزج ويدمج كل الأشياء للخير للذين يحبونه}. إن الحوادث التي تصادفنا، حين ننظر إليها على انفراد قد لا نجد فيها خيراً لنا، لكن حين نمزجها معاً ونربطها ببعضها نكتشف أنها خير لنا. نعم، يجب علينا في وقت التجربة أن ننتظر قليلاً حتى ينتهي طبيبنا الأعظم من كتابة كل الروشتة اللازمة لنا، عندئذ نكتشف كم هي نافعة لنا. هذه الصورة نراها بوضوح في حياة يوسف الصديق الذي توالت عليه المصائب والتجارب من اخوته ومن الشيطان. وصعب عليه في بادئ الأمر فهم معاملات الله معه، لكنه تيقن أخيراً صلاح الله معه، إذ قال لإخوته: {أنتم قصدتم لي شراً. أما الله فقصد به خيراً} (تك ٢٠:٥٠). عظيم أنت يارب عظيم هو عملك فينا... أشكرك أحبك كثيراً ربنا يسوع المسيح يحبكم جميعاً هو ينبوع الحياة الأبدية والى الأزل آمين |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|