رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اللغة اليونانية وترجمات العهد الجديد بادئ ذي بدء ...... لا أؤمن بما يمكن أن نُطْلِقَ عليه "لغة مقدسة" ولا أعتقد كذلك بأن كتابًا ما سماويًا دُوِّنَ بلغةٍ ما دون غيرها من أجل فصاحتها أو لقوة قولها أو لجمال تعبيرها وليس صحيحًا ما يُقال إنَّ هذا الكتاب أو ذاك دُوِّنَ بِلُغَةٍ ما لأنها أحسنُ جميع اللغات طُرًا وإنه لو كانت هناك لغةٌ أحسنُ منها لَدُوِّنَ بها، ولا أؤمن كذلك بما يسميه البعض "لغة أهل الجنة". فاللُّغة وضعيةٌ من وضع البشر مثلها تمامًا مثل القوانين وهى كلام البشر المنطوق أو المكتوب وأصلها ومنشأها بشري وليس إلهيًا وهي نظام الاتصال الأكثر شيوعًا بين البشر؛ لأنها تتيح للناس التحدث بعضهم مع بعض والتعبير عن أفكارهم وآرائهم نطقًا أو كتابةً. واللغة توجد أينما وُجد المجتمع البشري وتمكِّن اللغة المشتركة الناس من العمل معًا بوسائل متنوعة غير محدودة. وقد يَسَّرَتْ اللغة تشييد حضارة تقنية متطورة ولولا وجود اللغة لما كانت العلوم والتجارة والفن والأدب والفلسفة. هذا هو مفهوم اللغة. أما لماذا دُوِّنَ كِتَابٌ سماويٌ ما أو كِتَابٌ نبويٌ ما بهذه اللغة أو ذاك دون غيرها من اللغات الأخرى فلأن لغة هذا الكِتَاب أو ذاك كانت هى لغة سواد الناس أو كانت هى اللغة السائدة والشائعة وقت تدوين الكتاب. هذا الأمر ينطبق على اللغتين العبرية واليونانية. فهما، حسب اعتقادنا الذي صَرَّحْنَا به بعاليه، ليستا لُغَتَيْن مُقَدَّسَتَيْن ولا هما أحسن اللغات طُرًا ولا أكثرها بيانًا كما يعتقد البعض. ولكن العهد القديم دُوِّنَ باللغة العبرية، فيما عدا بعض أجزاء قليلة منه دُوِّنَتْ بالآرامية مثل: (عز 4: 8 –6: 18، 7: 12–26، إرميا 10: 11، دانيال 2: 4–7: 28) لأنهما (العبرية والآرامية) كانتا لغتي اليهود على مر العصور. وعندما أصبحت الحاجةُ ماسَّةً لوجود ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى اليونانية تَمَّ ترجمةُ النَّصِّ العبرى إلى اليونانية وذلك بمدينة الإسكندرية فيما بين عامي 250–150 ق. م. وهى الترجمة المشهورة والمعروفة باسم "الترجمة السبعينية"[1]. أما كُتُبُ العهدالجديد فقد دُوِّنَتْ باللغة اليونانية باللهجة الدارجة أو العامة (الْكُويْني–Κοινή) لأنها كانت هى لغة الأدب والثقافة والعلوم والفنون ولغة الحديث اليومي طوال القرون الأولى في الإمبراطورية الرومانية في كل بلاد البحر الأبيض المتوسط وكانت هذه اللغة اليونانية (الْكُويْني) هى اللغة الشائعة في زمن العهد الجديد والتي يُمْكِن أن تُوصَفَ بأنها تآلفٌ بين اللهجة الأتيكية لهجة مقاطعة "أتيكي" في اليونان وبين اللغة اليونانية الشعبية. وقد صارت "الْكُويْني" هى لغة كل العالم الهِلِّينى (اليوناني) خلال العصرَيْن السكندري والروماني أي منذ القرن الثالث قبل الميلاد وحتى عام 330 م. تقريبًا أو حتى منتصف القرن السادس الميلادي (عصر الإمبراطور جوستنيان الأول "527–565 م.")[2] وكانت كذلك لغة التواصل بين اليونانيين وغير اليونانيين (البربر) بل ولغة التواصل بين غير اليونانيين وبعضهم البعض. وعندما نقول إن العهد الجديد دُوِّنَ أصلاً باللغة اليونانية الدارجة (الْكُويْني) في القرن الأول الميلادي هذا يعني أن لغة المسيحية منذ نشأتها كانت هى اللغة اليونانية ولكنه لا يعني في الوقت ذاته أن اللغة اليونانية لغةٌ مسيحيةٌ أو لغةٌ مقدسةٌ. فالمسيحية نشأت وانتشرت في ظل حضارة هيللينستية ولهذا استخدمت اللغة اليونانية كوسيلة تعبير عنها وذلك عندما بدأت تنتشر في كل منطقة الشرق الأوسط[3]. فاللغة اليونانية ساعدت على انتشار المسيحية، حيث عملت دقتُها المتناهية وغزارةُ مفرداتها على تفسير وتحديد عقائد الديانة الجديدة. ومن جهة أخرى كانت اللغة اليونانية هى لغة أغلب الطبقات الاجتماعية في الشرق[4] وهذا ساعد على انتشار المسيحية بسرعة كبيرة في وقت قصير. ولهذا السبب تعتبر اللغة اليونانية هى اللغة الأصلية للعهد الجديد. وليُعْتَبَرُ هذان الحدثان، الترجمة السبعينية وتدوين العهد الجديد باللغة اليونانية، من أهم مظاهر تلاقى الروح المسيحية واليهودية بالثقافة الإغريقية. ودراسة الكتاب المقدس (العهد الجديد) لا تكون إلاّ من خلال اللغة اليونانية، لغة النَّصِّ الأصلي وهذا ليس تحيزًا ولا تعصبًا للغة اليونانية وهذا ما أوضحناه في بداية المقدمة. فهى لا تُفَضَّلُ على غيرها في دراسة الكتاب المقدس إلاّ لكونها لغةَ النَّصِّ الأصلي للعهد الجديد أي لغة الوحي الإلهي. ومن يفهم طبيعة لغة العهد الجديد يستطيع أن يفهم كذلك جوهر العهد الجديد نفسه بل وجوهر وطبيعة المسيحية في عصورها الأولى. فمع تقديرنا لكثير من اللغات القديمة ومن بينها اللغة القبطية، لغة كنيستنا القبطية العريقة ولغة أباءنا الأقباط الأوائل، إلاَّ أنه لا يُمكن أن نَدْرُسَ بها الكتاب المقدس ولا يمكن أن نعتمد عليها في فهم النَّصِّ الإنجيلي والسبب في ذلك هو أن اللغة القبطية في هذه الحالة ستكون مجرد "ترجمة" للنَّصِّ الأصلي وليست لغة النَّصِّ الأصلي ذاته وبالتالي ليست لغة الوحي الإلهي. فالنَّصُّ الأصلي مُوحَى به حسب قول القديس بولس الرسول: "كل الكتاب هو مُوحَى به من الله ونافعٌ للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر" (2 تيمو 3: 16) أما بالنسبة للترجمات فلا توجد ترجمةٌ "مُوحَى بها" ولا مترجمون "مُوحَى إليهم". هذا من جهة. ومن جهة أخرى تُعتبر الترجمات "مصادرَ ثانويةً" في حين يُعتبر النَّصُّ الأصليُ "مصدرًا رئيسًا" ولذا فليس من المعقول ترك المصدر الرئيسي المُوحَى به من الله والاعتماد على مصادر ثانوية غير مُوحَى بها من الله بل والأكثر من هذا يلعب فيها العنصرُ البشريُ مِنْ جَهْلٍ وعَمْدٍ وخَطَأ وسَهْوٍ وخَلْطٍ وعنادٍ طائفيٍ دورًا كبيرًا. وما نقوله عن اللغة القبطية ينسحب على أي لغة أخرى ليست هى لغة النَّصِّ الأصلي للعهد الجديد. [1] The Oxford Dictionary of Byzantium, edited by Alexander P. Kazhdan et allii, 3 vols., Oxford University Press 1991, vol. 3, p. 1520. [2] Γεωργίου Δ. Μπαμπινιώτη, ΛεξικὸτῆςΝέαςἙλληνικῆςΓλώσσαςμὲσχόλιαγιὰτὴσωστὴχρήσητῶνλέξεων, Ἑρμηνευτικό, Ἐτυμολογικό, Ὀρθογραφικό, Συνωνύμων–Ἀντιθέτων, Κυρίωνὀνομάτων, Ἐπιστημονικῶνὅρων, Ἀκρωνυμίων, Κέντρο Λεξικολογίας ΕΠΕ, 2η ἔκδ., Ἀθήνα 2002, σ. 14. [3] G. D. Ziakas, Greek Thought to Christian East and Arabic Islamic Tradition, ΕΕΘΣΠΘ, Τμῆμα Ποιμαντικῆς καὶ Κοινωνικῆς Θεολογίας 5, (1998), σσ. 81-99. [4] Κ. Παπαρρηγοπούλου, Ἱστορία τοῦ Ἑλληνικοῦ Ἔθνους, βιβλίο ὄγδοο, Ἀθήνα 1992, σ. 126. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|