رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ميخا والديانة المطلوبة من الإنسان تحدث ميخا عن الخراب الذى جلبته الخطية ، والمستقبل اللامع الذى يراود أحلام الإنسان فى كل الأجيال والعصور ، وكان لابد أن يتحدث عن السبيل للوصول إلى هذا المستقبل ، وأكد ميخا أنه لا يوجد سوى الدين الذى ينقل الإنسان إلى العصر الذهبى اللامع ، عصر السلام ، ... ومن الغريب أن الرئيس « كارتر » وهو يخطو إلى تولى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أكد هذه الحقيقة فى حفل تنصيبه ، إذ جعل شعاره ما قاله ميخا فى الأصحاح السادس وهو يعبر تعبيراً عظيماً رائعاً عن مضمون الحياة الدينية : « قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح . وماذا يطلبه منك الرب ، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك » " ميخا 6 : 8 " وقد لا يعلم الكثيرون أن هذه الآية قد وضعت فى الغرفة الملحقة بالقسم الدينى فى مكتبة الكونجرس فى واشنطون ، ومبنى هذه المكتبة من أفخم المبانى فى العالم ، وهو يشمل أقساماً عديدة مستقلة لكل العلوم والمعارف ، ولكل فرع غرفة مطالعة خاصة به زينت بما يلائمها ، وعندما أرادوا أن يضعوا فى غرفة المطالعة بالقسم الدينى آية مناسبة ، إستشاروا بعضاً من كبار رجال الدين وأساتذته ، وأخيراً تم الاتفاق على الآية المذكورة فى نبوات ميخا !! .. وقد كشف ميخا بهذه الآية عن خلاصة الدين الصحيح ، على أروع ما يمكن أن يكون ... فالحياة الدينية أولا وقبل كل شئ علاقة شخصية بين الإنسان وربه أينما يكون وكيفما يكون : « قد أخبرك أيها الإنسان » ... وفى الحقيقة أن هناك علاقة بين اللّه والأمة ، وقد أسس اللّه علاقته مع شعبه على أجمل أسلوب ، وهو حتى فى محاكمته للشعب يذكره بهذه العلاقة العظيمة : « ياشعبى ماذا صنعت بك وبماذا أضجرتك ؟ أشهد على . إنى أصعدتك من أرض مصر وفككتك من بيت العبودية وأرسلت أمامك موسى وهرون ومريم ياشعبى أذكر بماذا تآمر بالاق ملك موآب وبماذا أجابه بلعام بن بعور - من شطيم إلى الجلجال لكى تعرف إجادة الرب » " ميخا 6 : 3 - 5 " .. ومن الحقيقة أيضاً أن هناك علاقة بين اللّه والأسرة : « أما أنا وبيتى فنعبد الرب » " يشوع 24 : 15 " ... لكن هذا كله ، يؤسس على العلاقة الشخصية الفردية بين الإنسان وربه ... وهذه العلاقة لا يعرفها الإنسان خيالا أو ظناً أو تصوراً أو هماً بل هى ثمرة إعلان اللّه للبشر : « قد أخبرك » ... إذ إن اللّه ليس ساكناً أو ساكتاً فى السموات ، بل إنه يسعى وراء كل إنسان ليخبره ، وقد أكد السيد المسيح هذه الحقيقة بقوله : «خرافى تسمع صوتى » " يو 10 : 27 " إذ أنه يتكلم إلينا بأصوات متعددة ، وهو يريد أن ننصت ونسمع ، وكلمته فى الكتاب ، والضمير ، والحوادث ، والظروف المحيطة بنا ، تتحدث إلينا ، وطوبى لمن يصغى لهذه الأصوات ، ... وهو يؤكد أكثر من ذلك أن هذه الأصوات ملزمة ، وليس لى أن أختار قبولها أو رفضها كما يشاء لى الهوى أو الرفض : « وما يطلبه منك الرب » .. والديانة المطلوبة فى الواقع ليست شخصية فحسب ، بل وروحية أيضاً ، إذ أنها ليست مجرد فرائض أو طقوس ، ويبدو أن كثيرين تصوروا هذا ، وربما سألوا اللّه عن طريق ميخا : « بم أتقدم إلى الرب وأنحنى للإله العلى ؟ هل أتقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة ؟ هل يسر الرب بألوف الكباش بربوات أنهار زيت ؟ هل أعطى بكرى عن معصيتى ثمرة جسدى عن خطية نفسى » " ميخا 6 : 6 و 7 " على أن اللّه أجاب أن الديانة الحقيقية أعمق من ذلك بما لا يقاس ، إذ أنها ديانة روحية لبابها السجود للّه بالروح والحق !! .. وفد على مدينة أدنبره ، جماعات لا هم لها دينيا إلا إثارة الإنفعالات والعواطف والتغير من مذهب إلى مذهب ، .. وقد كتب أحد وعاظهم إعلاناً فى الصحف عن المجئ الثانى للمسيح تحت عنوان : « ملايين الناس لن يروا الموت » ... إذ كانوا يعتقدون أن المجئ سيأتى وشيكاً ، ... وما أن قرأ أحد خدام اللّه هذا الإعلان . حتى كتب إعلاناً عن عظته المزمع أن يلقيها يوم الأحد تحت عنوان : « ملايين الناس مائتون فعلا » ... ومن الواجب إنقاذهم ، قبل إشباع غرائزهم وفضولهم ، وشكراً للسيد الذى أغنانا بذبيحته عن ألوف الكباش وربوات أنهار الزيت !! والديانة المطلوبة : « أن تصنع الحق » ... إذ أن الدين ليس مجرد نظريات غيبية أو تخيلية ، بل هو حقيقة عملية » ... والحق دائماً مثلث ، يبدأ بالحق تجاه اللّه الذى هو الحق ، وما نحن إزاء اللّه إلا وكلاء فى كل شئ ، ... فى العهد القديم لم تكن الأرض ملكاً لأصحابها ، وكانت تقسم ، ولا يجوز لإنسان أن يبيعها أو يتخلى عنها مطلقاً ، لأن الأرض ملك اللّه ، والإنسان مجرد وكيل وبهذا المعنى نحن جميعاً وكلاء أمام اللّه !! .. والحق تجاه الآخرين ألا نكيل بكيلين ونزن بميزانين ، ... أخذ مدير الشركة يقرع أحد الموظفين أمامه ، لأن الموظف أخبره بأن ابنه فشل فى الامتحان ، ونسب إلى الأب الإهمال وسوء التربية ، وما هى إلا لحظات حتى وصلت برقية تقول إن ابن المدير قد رسب فى الإمتحان ، ... فغمغم قائلا : إن الوقت ما يزال أمامه إذ هو صغير ، !! ... لم يستطع أن يطبق الحق على نفسه كما طبقه على الآخرين !! والحق تجاه النفس ، هو مناقشتها ومحاسبتها على الدوام ، والتوفيق معها دون تساهل أو تهاون أو كسل !! .. على أن الديانة أكثر من ذلك هى ديانة الرحمة : « وتحب الرحمة » ... فإذا كان الإنسان على الدوام يتجه صوب الحق ، فإن الأجمل والأعظم أن يحب الرحمة ، وأن يمتلئ قلبه بها ، وأن يشفق على الآخرين ، وأن يتسامح مع خطاياهم وآثامهم ، قتل رجل فى حماقته فى الحرب طفلة فى التاسعة من عمرها ، ومات هو ، وذهب أبواها إلى زوجة الرجل وقالا : لقد سامحناه إذ كنا ننظر إليه كمريض أكثر منه قاتلا !! .. تحدث أحدهم إلى كلارا بارتون مؤسسة الصليب الأحمر الأمريكى ، عن إساءة قاسية حدثت فى حياتها ، فأجابت : لقد تعودت أن أنسى إساءات الناس !! ... والديانة الرحيمة هى التى تجتهد فى أن تقيل عثرة الآخرين .. قال مدير المدرسة لشاب أخطأ : يا ابنى أنا أعلم أنك تعثرت ، وسأكتب عثرتك هذه بقلم رصاص ، فإذا لم تتكرر سأمحوها !!... وليس أعظم وأجمل من أن نمد أيدينا إلى الضعيف والمنكوب ، والمتألم والعاجز لأنه : « طوبى للرحماء لأنهم يرحمون » .. " مت 5 : 7 " . ثم هى آخر الأمر ديانة التواضع : « وتسلك متواضعاً مع الهلاك ، والتواضع الصحيح هو النضوج بعينه ، إذ هو التواضع أمام عظمة إلهنا ، ومن نحن التراب والدود والرمة ، أمام إله عظيم مجيد سرمدى !! ... بل نتواضع إزاء إحسانه : « صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التى صنعت إلى عبدك » ... " تك 32 : 10 " وأكثر من هذا كله أمام غفرانه العجيب ، ولا نملك هنا إلا أن نقف مع ميخا ، وهو يختم سفره بأقوال من أروع الأقوال التى سطرت أمام عين الإنسان فى كل التاريخ: « من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه . لا يحفظ إلى الأبد غضبه ، فإنه يسر بالرأفة . يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح فى أعماق البحــــر جميع خطاياهم . تصنع الأمانة ليعقــــوب والرأفة لإبراهيـــــم اللتين حلفت لآبائنا منذ أيام القدم » .. ! " ميخا 7 : 18 - 20 " .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|