رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سنبلط " ولما سمع سنبلط أننا آخذون فى بناء السور غضب واغتاظ كثيرا " " نح 4 : 1 " مقدمة سنبلط واحد من أقدم الأسماء التى تقف على رأس كل تعصب دينى أو جنسى أو اجتماعى أو ثقافى فى الأرض !! .. ولا يمكن أن تعرف قصته الصحيحة ، وقصة طوبيا العبد العمونى ، وجشم العربى ، قبل أن تعلم أنه وقف على رأس الصراع ، لأنه كان سامرياً تشرب روح الحقد والبغض والشر لكل ما هو يهودى ، الحقد الذى عاش مئات السنين حتى نراه على لسان السامرية وهى تقول للمسيح : « كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهودى وأنا امرأة سامرية » .. " يو 4 : 9 " لأن اليهود لا يعاملون السامريين ، وعندما رفضت إحدى قرى السامريين أن تقبل المسيح ثار ابنا زبدى ، وطلبا من السيد أن تنزل نار من السماء لتحرق القرية بأكملها ، وزجرهما المسيح قائلا: « من أى روح أنتما ؟ ! .. " لو 9 : 55 " ولكنها - على أية حال - روح التعصب التى تنتقل على مر العصور والأجيال ، وتأخذ ألوانها المتعددة بين الناس ، فى الصراع بين العبد والحر ، والأسود والأبيض ، والشيوعى والرأسمالى ، ومختلف الأديان والعقائد والمذاهب ، ... وكم سالت الدماء أنهاراً لهذه الدوافع الرهيبة الكريهة الحمقاء بين بنى البشر من فجر التاريخ وإلى يومنا الحاضر ، دون أدنى توقف أو تردد أو خشية أو تسامح أو تعقل !! .. ولعله من المناسب لهذا أن نتعرض لقصته ونعرف كيف يضيع أكثر الجهد البشرى فيما هو ضار وبشع ومخيف ، بسبب الأشخاص الممتلئين بالتعصب الأعمى الممقوت!!... ولهذا يحسن أن نراه من الجوانب اتالية : سنبلط وعداوته الأسم سنبلط يعنى « سن معطى الحياة » وسن هذا كان إله القمر الذى يتعبدون له،... وفى مخطوطات البردى التى وجدت فى معبد الفيلة بمصر ، ذكر اسم سنبلط كحاكم السامرة فى وقت داريوس الثانى حوالى عام 407 ق.م. ، وكان له ولدان يحملان أسماء عبرانية اسم أحدهما دلايا ، والاسم الآخر شلمايا ، .. وهو على أية حال وقف مع طوبيا العبد العمونى ، وجشم العربى وقفة العداء المستحكم من نحميا وأورشليم ، وبدأت بين الفريقين حرب حياة أو موت ، والسر فى هذا كله ، اعتقاد سنبلط الجازم بأن قوة أورشليم ضعف للسامرة ، وأن حياتها فناء لبلده ، أو على أقل تقدير ، على حساب السامرة ومجدها وجلالها وعظمتها !! ... وفى الحقيقة أن سر العداء والحزبية البغيضة والقاتلة بين الناس ، هو فيما يطلق عليه « المزاحمة » ، إذ أن الأرض ، مهما اتسعت ، لا تتسع فى تصور المتزاحمين لاثنين يجمعهما مكان واحد، أو مكانان متقاربان أو مجالان فيهما شبهة التزاحم أو التضارب أو التنافس ،... وقد ضاقت الأرض كلها أمام أول أخوين ، إذ لم يستطع قايين أن يرفع وجهه أو يأخذ مكانه ، طالما كان هناك هابيل أخوه على وجه الأرض ، وطالما حظى بالرضا الإلهى، والسمو الذى يجعله متقدماً عنه ، وهو الأصغر . وربما الأضأل حجماً وشكلا!!... ولم تتسع الأرض كلها أمام لامك ، ومن تعدى عليه ، والمظنون أنه كان بسبب أمور نسائية : « اسمعا قولى يا أمرأتى لامك ، وأصغيا لكلامى . فإنى قتلت رجلا لجرحى ، وفتى لشدخى »" تك 4 : 23 " ... وكيف تحتمل الأرض المتصارعين على امرأة والمتقاتلين فى سبيلها ، وقد نشبت حرب تروادة من أجل هيلين اليونانية الجميلة والصراع عليها !! ؟ ... فإذا تحولنا إلى إبراهيم ولوط ، أو إلى إسحاق وإسماعيل ، أو إلى يعقوب وعيسو ، لوجدنا أن المزاحمة القاسية لم تمكنهم من البقاء فى وحدة واحدة أو جيرة متقاربة ، .... كان داود ولداً محبوباً جداً من شاول ، إلى أن تغنت بنات إسرائيل : « ضرب شاول ألوفه وداوود ربواته » " 1 صم 18 : 7 " وإذا به يقول ليوناثان ابنه : « لأنه مادام بن يسى حياً على الأرض لا تثبت أنت ولا مملكتك . والآن أرسل وأت به إلىّ لأنه ابن الموت هو » .. " 1صم 20 : 31 " . إن التاريخ حافل بصراع البيوت المختلفة على القوة والجاه والنفوذ والسيطرة فهى تتصاهر أو تتقاتل ، وهى تحب أو تحقد ، وهى تتعاهد أو تتآمر بدافع المزاحمة للوصول إلى المكان الأسمى والأفضل !! والدولة فى كافة الصور والألوان تتصارع صراعها الخفى أو المنظور ، من أجل مصالحها المتعارضة المتضاربة ، وهى تعقد المعاهدات أو تثير الحروب تبعاً لهذه المزاحمة العنيفة القاسية ، ... والعداوة والصداقة بينها تدور وجوداً وعدماً تبعاً لمصالحها المختلفة المتضاربة المتشابكة !! .. والنظم الاجتماعية و الاقتصادية تلعب دورها الرهيب فى هذا المجال !! .. فالصراع بين العبد والحر ، وبين الأسود والأبيض، وبين الفقير والغنى ، والشيوعى والرأسمالى جعلت الإنسان بلا عقل ، وحولته وحشاً ضارياً يبطش بأخيه الإنسان دون وازع أو زاجر من ضمير أو إنسانية،... فإذا انتهينا إلى ما هو أرهب وأقسى ونعنى به صراع الأديان منذ فجر التاريخ ، وصراع المذاهب المختلفة فى الدين الواحد ، ... لتعجبنا للمذابح والمجازر التى جرت فيها الدماء أنهاراً باسم الدين ، الذى تحول اسمه الجميل إلى أبشع ما عرف الإنسان من حقد وكراهية وطغيان وانتقام !! ... ومن الموسف أو المؤلم أنه باسم المسيح ، حدثت المعارك المذهبية ، ومذبحة سان بارثولميو ، وغيرها من صور المعارك المتكررة فى أحشاء التاريخ ، ومن الموسف أو المؤلم أن يتقدم زنجى أمريكى إلى راعى كنيسة من كنائس البيض يطلب أن ينضم إلى عضوية الكنيسة ، وقد ارتبك الراعى لطلب هذا الزنجى ، وتحير كثيراً ، إذ كيف يستطيع أن يرفض طلبه ، وهو شخص مشهود له بالحياة المسيحية التى تجيز له القبول فى عضوية الكنيسة ، وكيف يقبله ،الكنيسة لا تقبل إلا البيض فى عضويتها ، وإذ لم يكن له من جواب ينقذه من حرج الموقف قال للزنجى : دعنا نصلى ونتقابل فيما بعد لنرى ماذا يقول المسيح لنا !!؟ وقد كان هذا الجواب كافياً لأن يفهم منه الزنجى أن طلبه مرفوض ، فخرج متألماً ولم يعد لمقابلة الراعى … غير أنه حدث أن تقابل الاثنان صدفة فى الشارع بعد ذلك بمدة ، فقال الراعى ، وقد أراد أن يغطى موقفه الأول ، لم لم تحضر إلى مرة أخرى … ألم نتفق على المقابلة ثانية !! ؟ فأجابه الزنجى : لقد صليت وأخذت الجواب !! ... وإذ سأله الراعى ماذا قال له المسيح أجاب : لقد قال لى لا تحزن ، فأنا نفسى واقف على باب هذه الكنيسة منذ عشرة أعوام دون أن يسمح لى أحد بالدخول فيها !! وقد يكون هذا الجواب لاذعاً ، .. لكنه فى واقع الأمر الصورة الدقيقة لما يحــــدث فى عالمنا الحاضر، باسم الدين ، وتحــــت مظلته !! .. سنبلط وأسلحته شاء اللّه أن يعطينا صورة واضحة لأسلحة سنبلط ، لا لأنها أسلحة قديمة ، يلزم أن نعرفها ، كما نتعرف على القوس والسهام والترس والحراب التى تعود الناس أن يقاتلوا بها ، قبل أن يعرف العالم أسلحة الدمار والتخريب الحديثة المعروفة فى الوقت الحالى !! .. فالحقيقة أن سنبلط يتكرر فى كل جيل وعصر وأسلحته القديمة تظهر فى حياة الإنسان العصرى سواء بسواء !! .. ولعل أول سلاح استخدمه هو السخرية : « ولما سمع سنبلط الحورونى وطوبيا العبد العمونى وجشم العربى هزأوا بنا واحتقرونا » " نح 2 : 19 " .. « ولما سمع سنبلط أننا آخذون فى بناء السور غضب واغتاظ كثيراً وهزأ باليهود وتكلم أمام إخوته وجيش السامرة وقال ماذا يعمل اليهود الضعفاء . هل يتركونهم ؟ . هل يذبحون ؟ . هل يكملون فى يوم ؟ هل يحيون الحجارة من كوم التراب وهى محرقة ؟ وكان طوبيا العمونى بجانبه ، فقال إن ما يبنونه إذا صعد ثعلب فإنه يهدم حجارة حائطهم ، إسمع يا إلهنا لأننا قد صرنا احتقاراً » " نح 4 : 1 - 4 ".. والسخرية فى العادة هى التعبير االدقيق عن الكبرياء والتعالى والحقد والضغينة والمرارة والكراهية ، التى تظهر فى لغة الإنسان ولفظه ، ... وهى التمنى الأسود الذى قد يظهر فى الفكاهة أو النكتة أو الشتيمة أو الملحمة أو ما أشبه من عبارات أو ألفاظ ، ... وهى المحاولة التى يبدأ بها الإنسان لإرضاء نفسه ، قبل أن يرضى الآخرين ، إذ هى الصورة الذهنية لما يتمناه لعدوه أو خصمه - سواء أكان يدرى أو لا يدرى - فى لغته وكلامه ، ... ولم يكن سنبلط يرى فى خياله إلا مدينة أورشليم وهى أكوام من تراب محرقة بالنار ، بدون ذبيحة أو مذبح ، يسكنها جماعة من الضعفاء والتعساء البائسين ، .. وكان طوبيا يتخيل المدينة وقد امتلأت بالثعالب وبنات آوى ، والثعلب يقفز هنا وهناك بين خرائبها ، ليهدم البقية الباقية من أنقاضها لكى تسوى بتراب الأرض ، ... وكلاهما يستريح إلى هذا الخيال الذى يملأ ذهنه ، ويحلو أن يعبر عنه بما يصادفه من ملحة أو نكتة ، وإذا صح ما يتجه إلىه رجال علم النفس من أن النكتة ليست إلا انعكاساً للكبت النفسى ، وأن الفرد أو الشعب الذى يحسنها ، قد يكون فى الحقيقة معذباً فى داخله ، يسرى عن نفسه أو يخادعها أو يغطيها أو يتجاهلها ، باللفظ المضحك أو الرواية الساخرة ، ... وقد تحول العذاب النفسى لسنبلط وطوبيا وجشم إلى الهزل الذى به يواجهون نحميا فى بناء سور أورشليم !! ... والسخرية إلى جانب ذلك هى نوع من المداورة تجاه العجز عن العمل ، ... ومن ثم تظهر فى العادة تعويضاً فى الشعوب المغلوبة على أمرها ، إفصاحاً عن السخط العاجز عن أى سلاح آخر قد يحمله الإنسان لاقتضاء حقه ، ودفع ما يتعرض له من ظلم أو شر !! .. ولما لم يكن لدى سنبلط شئ فى البداءة يستخدمه ضد نحميا ، أسرع بسلاح السخرية يجرب حده ، ومفعوله ، تعبيراً للوصف الكتابى الدقيق : « ولما سمع سنبلط الحورونى وطوبيا العبد العمونى ساءهما مساءة عظيمة لأنه جـاء رجل يطلب خيراً لبنى إسرائيل» .. " نح 2 : 10 " وكان سنبلط - إلى جانب السخرية - مفترياً ، وهو يذكر بشاول الطرسوسى عندما كتب عن نفسه يسجل تاريخه الآثم فى القول : « كنت مجدفاً ومضطهداً ومفتريا » .. ( 1 تى 1 : 13 ) والافتراء هو الكذب الذى يأخذ صورة النميمة والوقيعة ، وقد أراد سنبلط أن يستعدى الملك على نحميا فادعى : « ما هذا الأمر الذى أنتم عاملون ، أعلى الملك تتمردون» " نح 2 : 19 ".. وليس على المفترى إلا أن يكذب ، ويصور الأمور على العكس ما هى عليه ، ويكررها حتى يبدأ هو فى تصديقها ، ثم يشيعها لعلها تأتى بالمقصود منها ... والافتراء هو السلاح الذي صال به المتآمرون وجالوا فى كل عصور التاريخ ، فجعلوا الحلو مراً ، والمر حلواً ، والظلام نوراً ، والنور ظلاماً ، .. ألم تستخدمه إيزابل باتهام نابوت اليزرعيلى بالتجديف على اللّه والملك ؟ وليس أيسر من إثبات التهمة بإشاعة الجو المناسب لها بالصوم والصلاة ، وإبداء الحزن عليها كأعظم جريمة يتصور وقوعها فى ذلك الحين ، فإذا وجد الشاهدان اللذان يمكن أن يعدا للشهادة بذلك ، فالعقوبة لا تلحق بنابوت وحده ، بل لابد لفظاعتها ورهبتها ، أن تجرف أسرته معه ، فيرجم الكل ، ويصبح الكرم بلا وارث ، فيرثه الملك بحكم تقليد كان متبعاً وقتئذ !! .. وألم يستخدمه اليهود فى أكبر جريمة فى التاريخ بتصوير يسوع المسيح ، ثأثراً على قيصر ، ولابد من وضع حد لهذه الثورة بالصليب !! وما أكثر ضحايا الافتراء من الشهداء الذين ذهبوا كاستفانوس ، تلصق بهم أبشع التهم وأقساها وأحطها ، وهم منها جميعاً براء ، ولكنه الافتراء والكذب اللذان استخدمهما الشيطان منذ القديم ، وربما من فوق المنابر التى هى أساساً للنداء بالحق !! .. ويكفى أن ننقل صورة لعظة ألقاها أحد رجال الدين ممن حملوا قرار حرمان مارتن لوثر إلى كنيسة ألمانية ، وقد قال فى روتشبرج ما يلى : « أيها الآباء والأخوة والأبناء ، إن الكنيسة عانت طويلاً من سم حية نشأت بين أحضانها ، هذه الحية هى مارتن لوثر ، والسم هو تعاليمه التى ينشرها ... ولا حاجة إلى أن أخبركم عن قصة ضلاله فهو أولا فى كبرياء قلبه يحتج على المحبة العظمى فى قلب أبينا البابا المقدس الذى جعل من الميسور بيع غفران الخطايا عند أبوابنا ، ... وهو فى هذا يؤذى الكنيسة إذ يعظ ضد الصكوك المقدسة والغفرانات ، ويمنع خلاص النفوس ، وهو قد كتب حججاً كاذبة وسمرها على باب الكنيسة وتنبرج ، وانتشرت من هناك فى كل ألمانيا ، وكثيرون يموتون فى خطاياهم ، ويذهبون إلى الجحيم بسبب هذه الحجج ، وقد كانت الكنيسة مترفقة به ، إذ وعدته بالعفو إذا تراجع ، وأعطته الفرصة ليظهر فى أوجسبرج أمام قداسة الكاردينال جاجيتان الذى تعامل معه بلطف ، ولكن دون جدوى ، وبعد هروبه الجبان من أوجسبرج كان له الشرف أن يتقابل مع دكتور إيك العظيم الذى تغلب عليه تماماً ، ومع ذلك فهو ما يزال ينشر أكاذيبه فى كل مكان ، وقد أضحى الآن أكثر غطرسة وقسوة، .. إذ لم يكتف بمهاجمة الغفرانات ، بل بدأ يهاجم البابا نفسه ، وقد كتب كتباً متعددة ممتلئة بالباطل والأضاليل ، وزرع الشوك فى عقول الكثيرين من أبناء الكنيسة المؤمنين ، وأبعد آلافاًعن الأم الوحيدة الحقيقية ، الكنيسة ، ولهذا فإن البابا عزم على أن يضع حداً لهذا الهرطوقى الكبير وأبى الأكاذيب » ... كان سنبلط من أقدم الناس الذين لجأوا إلى الافتراء فى مقاومة نحميا بمحاولة استعداء الملك ضد الرجل الذى وثق به ، وجعله من فرط الثقة فيه ساقياً له !! ... ولم يكتف سنبلط بذلك ، بل لجأ إلى سلاح الغدر باستخدام عنصر المفاجأة فى الحرب ،... ولما سمع سنبلط وطوبيا والعرب والعمونيون والاشدوديون أن أسوار أورشليم قد رممت والثغر ابتدأت تسد غضبوا جداً وتآمروا جميعهم معاً أن يأتوا ويحاربوا أورشليم ويعملوا بها ضرراً ... وقال أعداؤنا لا يعلمون ولا يرون حتى ندخل إلى وسطهم ونقتلهم ونوقف العمل »" نح 4 : 7 - 11 " .. والغدر من أشر الأسلحة الشيطانية ، منذ ذلك اليوم الذى قتل فيه قايين أخاه الآمن الوادع عندما دعاه ليذهب معه إلى الحقل وقام هناك على أخيه وقتله ، ... ومنذ أن باع أخوة يوسف أخاهم وغمسوا قميصه فى الدم ، وسلموه إلى أبيه الذى أكد أن وحشاً افترس ابنه ، ولم يعلم أن الوحش كان أبناءه أخوة يوسف ، .. ومنذ أن صاح يوليوس قيصر عندما انهالت عليه الطعنات : « حتى أنت يابروتس » ... وكم بيت المتآمرون الخطط والمؤامرات حتى يفاجأ الضحايا : « لا يعلمون ولا يرون حتى تدخل إلى وسطهم ونقتلهم » .. ولم يردع الغادرين أيام نحميا إلا علمه بالنية الغادرة ، واستعداده لمواجهتها !! .. فإذا لم يكن هناك من سبيل إلى الحرب الخارجية ، فلا بأس من الحرب الداخلية ، فيما أطلق عليه فى الحرب العالمية الأخيرة الطابور الخامس ، وهم جماعات الحزنة ، والنفعيين ، والوصوليين ، وقد كانوا كثيرين أيام نحميا فأشاعوا الرعب ، والمذمة ، والتذمر حتى تكل الأيدى عن العمل ، وحتى يستولى اليأس والقنوط على العاملين ، ... وحتى تنطفئ الجذوة الممتلئة بالحماس والولاء والنشاط فى الخدمة ، ... لست أعلم مدى الصدق فى قول الرجل الذي صاح : « ربى احمنى من أصدقائى أما أعدائى فأعرف كيف أقابلهم » ... فأنا إنسان أحتاج مع نحميا إلى حماية اللّه من الصديق ومن العدو أيضاً ، ... لكن الحقيقة المريرة أن الذين قد يكونون معنا فى الكنيسة ، هم أشد ضراوة وقسوة من الذين نواجههم فى الخارج،... لقد كان المتآمرون يوم المسيح فى حاجة إلى يهوذا الأسخريوطى حتى تنجح مؤامرتهم البشعة الرهيبة ، ... وفى أيام نحميا يكفى القول : « وكان واحد من بنى يوياداع بن الياشيب الكاهن العظيم صهراً لسنبلط الحورونى فطردته من عندى » " نح 13 : 28 " دانية سنبلط المتزوجة بابن الكاهن العظيم ، كان يمكن أن تفعل الكثير مما فعلته إيزابل من قبل فى شعب اللّه !! .. وكان يمكن للكثيرين من المتحالفين مع سنبلط أو المتعاطفين معه ، أن يضروا بالقضية ضرراً بالغاً ، لولا شجاعة نحميا ومقاومته الباسلة لهم !! ... على أنه وقد عجزت هذه الأسلحة جميعها عن إسقاط الرجل ، عمد سنبلط إلى سلاح آخر ، يمكن أن نطلق عليه سلاح المداهنة بغية اللقاء والتشاور والتفاهم ، فى الوقت الذى يبطنون الشر له ، يزعمون أن اللقاء للخير ولمصلحة الجميع ، وكل مرادهم إدخاله فى متاهة النظريات والمفاوضات وما تحفل به من كلام منمق ، وقبلات حلوة ، وولائم كريمة ، إنه مزج السم بالدسم ومحاولة إبعاد الرجل عن العمل الجاد ، وصرفه عنه بالحيل والأساليب الملتوية الشيطانية ، ... وإنها لأكبر كارثة فى حياة فرد أو أمة أو شعب ، إبطاء العمل أو تأجيله حتى تنتهى اللجان المعينة من درسه ، والأخذ بأفضل الوسائل للوصول به إلى غايته ، ... وليس أبلغ من سخرية أحدهم عندما قال : « إن اللّه صنع العالم فى ستة أيام لأنه لم تكن هناك لجنة معينة للعمل !! .. والسلاح الأخير الذى حاول سنبلط استخدامه للقضاء على عمل نحميا ، هو إسقاط القيادة أمام الشعب وإظهارها بمظهر الخوف والجبن إذ استأجر شمعيا بن دلايا من الكهنة ، والذى كان يسكن فى بيت اللّه ، لكى يدعو نحميا للدخول إلى بيت اللّه فى الهيكل على زعم أنه المكان الذى يمكن أن يختبئ فيه عن أعين الذين قد عقدوا العزم على أن يأتوه فى الليل ليقتلوه ، ... وهو لم يقصد حمايته ، بل قصد فى الواقع تعريته ليظهر أمام الناس بمظهر القائد الجبان الذي يخاف على نفسه وعلى مصيره ، .. لقد كان نحميا هو قائد الحركة وزعيمها البارز ، فإذا ظهر أنه إنسان يبحث عن سلامته الخاصة ، فى وقت ينبغى أن يقود الصفوف ، وأن يبرز أمامها ، فهنا الكارثة ، إذ تتلطخ سمعته بالوحل ، فينصرف الناس عنه ، ويشكون فى خدمته وعمله ورسالته !! ... ولكن نحميا فطن إلى الهدف الخبيث ، وصاح صيحته العظيمة المدوية : « أرجل مثلى يهرب ومن مثلى يدخل الهيكل فيحيا ؟ لا أدخل » .. " نح 6 : 11 " عندما حاولوا تخويف لوثر بالقول أنه لن يعود من ورمس حياً ، … وعندما جاءه رسول من قبل صديق من النبلاء الألمان بهذا .. قال للرجــــــــل : « اذهب وقل لسيدك إنه لو كان هناك شياطين فى ورمس بعدد القراميد على سطوح المنازل فإنى سأذهب إلى هناك » ... !! .. سنبلط : الرد على أسلحته وصراعه من الطريف أن أحدهم ، وهو يتحدث عن أسلحة سنبلط ، شبهه ببعض البنادق التى أرسلت إلى الانجليز فى حرب البربر فى جنوب إفريقيا ، وقد أراد الانجليز أن يجربوا فاعلية هذه الأسلحة ومدى بلوغها الهدف ، ... كانوا على رابية ، وأبصروا على رابية أخرى ، بالمنظار المكبر ، قطيعاً من الماعز عدده عشرة ، فجعلوها هدفهم ، وأطلقوا عليها عشرين طلقة ، ثم ذهبوا إلى المكان ليروا أن العشرة تحولت إلى إحدى عشر من الماعز ، لأن واحدة فى ذلك الوقت ولدت أخرى !! ... لم يفشل سنبلط فحسب ، بكل أسلحته ، بل أعطانا صورة للنجاح الذى تتمخض عنه خدمة اللّه فى وسط الشدائد والمتاعب والمقاومات ، وهذا ما يحدث دائماً فى كل جيل وعصر ، عندما يصنع اللّه من الشر خيراً ، ومن الآكل أكلا ومن الجافى حلاوة ، ... ومن حقنا ونحن فى قلب المؤامرات الشريرة التى لا تنتهى طالما بقى أشرار ومؤمنون على الأرض ، ... أن نسأل كيف نقاوم الشر وننتصر عليه ؟ .. ومن اللازم أن نعلم بادئ ذى بدء ، أننا : « وإن كنا نسلك فى الجسد لسنا حسب الجسد نحارب . إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة باللّه على هدم حصون . هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة اللّه ومستأثرين كل فكر إلى طاعة المسيح » " 2 كو 10 : 3 - 5 " .. لقد كان السلاح الأول فى مواجهة سنبلط هو سلاح الإيمان ، .. إذ أن حركة نحميا من أولها إلى آخرها كانت تتميز بالإيمان ، .. وهذا الإيمان بدأ من أول الأمر فى عزلة النقاوة التى رفضت الاختلاط أو التعاون أو التهاون مع الوثنيين ، فهو لا يرضى شركتهم ، ولا يقبل مصاهرتهم ، وهو لا يقود جماعة اختلط فيها الحابل بالنابل ، والمؤمن بغير المؤمن ، ... إنه جاء ليبنى سوراً للمدينة ، وسوراً أعظم ، عازلا من الوجهة الروحية ، كل اختلاط بالفساد والشر والوثنية والتعامل مع الشر ، ... على أن هذا الإيمان كان من الوجهة الأخرى ، الإيمان فى قوة اللّه التى تعمل معه ، .. لقد أدرك أن له الصديق القوى القادر على كل شئ ... وسلاح الإيمان هو أمضى الأسلحة فى مقاومة الصعاب الهائلة التى تعترض طريقنا فى الحياة ، ... وهو الذى مكن أبطال الإصلاح فى كل العصور والأجيال من أن يهتفوا هتاف الرسول : « فماذا نقول لهذا . إن كان اللّه معنا فمن علينا » ... " رو 8 : 31 " وكان السلاح الظاهر أيضاً مع نحميا : سلاح الصلاة ... كان الرجل يؤمن بأن الصلاة تستطيع أن تواجه جيوش الأرض كلها ، وليس سنبلط وحده ، .. وقد كان اختباره عظيماً فى فاعليتها ، منذ اللحظة التى وقف فيها أمام الملك ، عندما رأى وجهه المكمد ، ... وإذا خاف رفع عينيه فى الصلاة إلى اللّه ، وقال : « فصليت إلى إله السماء » " نح 2 : 4 " وأنت لا تستطيع أن تقرأ السفر دون أن تدرك أن نحميا كان يواجه دائماً مشكلاته بالصلاة ، ... وما أجمل أن ندخل معه فى مواجهة الظروف والمشاكل فى اختبار الصلاة ، قال بللى صاندى فى حديثه عن الصلاة : « صلى إبراهيم من أجل ابن فأعطاه اللّه نسلا كالرمل الذى على شاطئ البحر .. صلى من أجل سدوم فسمع اللّه صلاته وأخرج لوطاً منها ، .. صلى يعقوب من أجل اللقاء الطيب مع عيسو !! .. وصلى موسى من أجل الغفران لشعبه ، وصلى جدعون للانتصار على المديانيين ، وصلى إيليا وأجابه اللّه بنار ، وصلى يشوع فكشف عاخان ، وصلت حنه فولدت صموئيل ، وصلى حزقيا فقتل مائة وخمسة وثمانون ألفاً من الأشوريين ، وصلى دانيال فسد اللّه أفواه الأسود ، وصلى الرسل فجاء يوم الخمسين !! ... وكان من المستحيل على نحميا أن ينجح من غير الصلاة ! على أن نحميا أجاب على سنبلط ، وعلى سخريته ، ونقده، وتهديده ، وتشويشه بشئ واضح ظاهر ، هو العمل المستمر ، دون توقف أو تردد أو إهمال أو تكاسل ، ... وما من شك بأن ظروفه كانت قاسية ، والعمل الذى يواجهه كان جسيما ، لكنه أجاب على كل شئ إجابة أحد خدام اللّه الذى جاءته ذات يوماً سيدة تشكو مر الشكوى من مدرسى مدرسة الأحد الذين يعلمون أولادها الأربعة ، وقالت للراعى : أعتقد أنه يلزم أن تغيروا هؤلاء المدرسين جميعاً !! .. وأنصت إليها الراعى ثم قال : « إنى أتفق معك ، وأنت تعلمين أنه خلال العامين السابقين ، وأنا أحاول معك ومع زوجك للمساهمة فى خدمة مدرسة الأحد ، .. وأنت إلى هذه الساعة ما تزالين ترفضين !! .. بل لا تزالين ترفضين تحمل أية مسئولية فى عمل الكنيسة ، فهل يحق لك بعد هذا أن تنتقدى الذين يبذلون جهدهم حتى ولو لم يكن كافياً ؟ » .. على أية حال ، كان نحميا عظيماً ورائعاً ، إنه واجه النقد بالعمل ، ولم يتوقف قط ليدخل فى نقاش أو مجادلة مع هذا أو ذاك من الناس !! .. وليس هناك ما هو أعظم من أن نرد على الناس ، وعلى سخريتهم ، ونقدهم ، واحتقارهم ، بغير العمل ، حتى نصل معهم إلى الحقيقة التى فيها يتحولون من الاحتقار للعاملين ، إلى الاحتقار لأنفسهم !! .. وما من شك فى أن اليقظة والسهر من أهم ما ينبغى أن نواجه به عداوة . الآخرين وخصومتهم ، ونحن لا نستطيع أن نبنى سوراً لخدمة اللّه ومجده ، بغير العين المفتوحة، والقلب الملتهب ، واليد المجتهدة ، واليقظة الكاملة كما فعل نحميا قديماً فى مواجهة سنبلط وطوبيا وجشم ، وكما علمنا السيد فى معنى أعظم وأكمل عندما قال : « إسهـــــروا وصلــــــوا لئلا تدخلوا فى تجربة» " مت 26 : 41 " .. !! . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رفض نحميا أن ينزل إلى سنبلط وجشم |
طلب سنبلط وجشم التفاوض مع نحميا |
سخرية سنبلط وطوبيا بهم |
سنبلط وأسلحته |
سنبلط وعداوته |