رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفتاة وأمها الروحية راعوث فتاة موآبية يظهر أنها كانت على حظ وفير من الجمال الذي يتيح لها فرصا متعددة للزواج، فنعمى كانت تعتقد أنها ستجد في موآب زوجًا آخر بعد وفاة زوجها محلون، وبوعز كان يؤمن أن حظها من الجمال سيتيح لها أن تجد بين شباب بيت لحم، الفقراء أو الأغنياء زوجاً، وهي فتاة على حظ وافر من الأخلاق، شهد أهل بيت لحم جميعًا لحلاوة سيرتها وتقاوتها، كما أنها شجاعة نادر المثال في شجاعتها، ألم تترك وطنها لتسير إلى أرض غريبة؟ وهناك تخلع عنها ثوب الراحة، فتناضل وتكافح لتجد لقمتها ولقمة حماتها، وهي أيضًا وديعة تنحني بكل تواضع أمام رقة بوعز وحنانه، كما ينبغي ألا ننسى أنها فتاة مخلصة ودود محبة، سنذكرها أبدا بتلك الصورة الخالدة التي أبدعتها أنامل فنان من أكبر فناني الغرب، والصورة تنطق بحب عميق هائل حزين نراه في عناقها لنعمى، لم تسمع راعوث عن أنتيجونا اليونانية، الفتاة التي تابعت أخاها حتى القبر، وظلت إلى جوار جثته حتى ماتت، ولم تقرأ عن بنلوب التي ظلت عشرين عاماً تحدق في الفضاء البعيد، تنتظر مجيء زوجها وسفنه الضائعة، ولكنها قرأت في أعماق نفسها قصة الحب الذي لا تغمره السيول، الحب الذي يتحدى الصعاب، ويقهر الأهل والبعد والموت. «حيثما ذهبت أذهب، وحيثما بت أبيت، شعبك شعبي وإلهك إلهي، حيثما مت أموت، وهناك أدفن».. من هذه الفتاة العجيبة التي خلفت وراءها أرض مولدها وأباها وأمها، وسارت وراء إله إسرائيل، إلى شعب غريب لم تعرفه من قبل، وفعلت كل ذلك في وداعة واشراق ونور وجلال؟ أهي من صنع موآب! إن موآب يصنع الوثنية، وكموش آلهته تصنع القسوة والرذيلة، إذن من صنع راعوث؟ من أكسبها هذه الحلاوة؟ من أعطاها هذا الأشراق؟ أنها نعمى بحنانها ومحبتها وتضحيتها وإشفاقها وإيثارها، نعمى هي الكتاب الخالد الذي قرأت فيه راعوث الفصول القدسية الرائعة! هل تريد أن أقرأ عليك بعض سطوره الرائعة المبدعة العجيبة.. إذن سأقف بك بضع دقائق من الأم الأرملة الثكلى في ساعة مرارتها الكبرى، وهي تيمم وجهها شطر الوطن.. في تلك الساعة لم تكن نعمى إنسانًا يتمشى على الأرض، بل ملاكًا يسير بين الناس، لماذا أنت حزينة يا نعمى؟ أللمصائب الدافقة التي أنصبت عليك؟ التعاسة الهائلة التي وصلت إليها وبلغتيها؟ وإذا بالملاك يجيب: حقاً أن هذا فظيع ومخيف ومريع، ولكنني متألمة على ما هو أكثر من هذا وأشد وأنكى، أني حزينة لأن النار التي لدعتني لمست كنتي، كنت أود أن أجرع الكأس وحدي لا يشاطرني فيها مخلوق «لا يابنتي فاني مغمومة جدًا من أجلكما».. يا نعمي أننا نعطي وجوهنا في حضرتك، ونستحي أن نرفع أبصارنا إلى وجهك الرائع الرائق.. لقد أبصرنا أكثر منك محبته الهائلة على الصليب، ولكننا ما نزال نحبو إلى جانب خطواتك الواسعة القوية... من يقول إن هذا كلام حماة لكنتها! وقد تستأثر بمن تعده ملكًا خالصًا لها، الحماة التي احتضنت ولدها وربته وعاشت له، كيف تفرط فيه لشخص جديد يغزوه، وهذه الكنة تريد زوجها وقلبه وحبه وحياته، وهيهات أن تقر لأحد بنصيب فيه.. وهكذا نشأت تلك العداوة العميقة المريعة التي تركت أبشع الآثار في النفوس والعائلات ولكن نعمى ارتفعت فوق هذه الغريزة وعلت وسمت، فغنمت واكتسبت كل شيء.. اكتسبت راعوث بكل ما فيها، واكتسبتها لا لنفسها فحسب بل لله وللمجد وللخلود. ما أكثر ما نفعل لأجل الله بحياتنا، وما أعمق الآثار التي نتركها في الآخرين بتصرفنا ومعاملتنا،.. ذهب استانلي يبحث عن ليفنجستون في أدغال القارة الأفريقية، وهناك وجده وبقي معه سبعة شهور، لم يحدثه فيها ليفنجستون عن الأمور الروحية، ولكن حياته العظيمة، حياة الصبر والاحتمال الفائق الحد، حياة المحبة التي لا تموت للشعوب التعسة، تركت فيه أعمق الآثار، رأى ستانلي شخصًا يحترق من أجل المسيح فقال: «لقد ولدت من أبوين مسيحيين وعشت في وطن مسيحي، وكنت أستنشق كل يوم نسمات التعاليم المسيحية، ولكني لم أعرف المسيح في إنجلترا، بل عرفته هناك في تلك القارة المظلمة إلى جانب الرجل الذي عاش ومات للمسيح»... صاح الولد الصغير الذي أحب هويتفيلد: «يا إله هويتفيلد إنني أحبك!» إن المسيحي هو الإنجيل الذي تستطيع أن تفتحه كل يوم بابتسامتك وحبك وعطفك وحنانك، يحزننا أننا كثيرًا ما ننفر الآخرين بتصرفنا، إنهم يروننا شيئًا آخر خلاف عقيدتنا. ألم يقل غاندي : لولا المسيحيون لصرت مسيحيًا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
(تك 24: 55) فقال أخوها وأمها: «لتمكث الفتاة عندنا أياما |
صور راعوث الموآبية |
راعوث الموآبية وأمها الروحية |
ما شعرت به هذه الفتاة تحقق وأمها رفضت الإصغاء |
راعوث الموآبية |