رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" فأرسل أمصيا كاهن بيت إيل إلى يربعام ملك إسرائيل قائلاً : قد فتن عليك عاموس فى وسط بيت إسرائيل " (عا 7 : 10 ( مقدمة تعد قصة أمصيا من أقدم القصص الكتابية التى تتحدث عما يطلق عليه " سلطان " الخادم أو " حقه " فى ممارسة الخدمة ، وقد جاءت صورة أمصيا ، من سوء حظه ، جنباً إلى جنب مع صورة عاموس ... وحسب الظاهر كان أمصيا الكاهن المعترف به رسمياً من الدولة ، فقد صدر به مرسوم من الملك يربعام الثانى ملك إسرائيل ، فهو الكاهن " الشرعى " حسب قوانين البلاد !! .. ولم يكن عاموس سوى رجل يلبس ثياب الرعاة الخشنة ، ويحيا أبسط حياة ، بلا ثياب رسمية أو مظاهر فخمة يمكن أن تعطيه الحق فى الخدمة الدينية ، ... بل لعله أكثر من ذلك أخطأ - بحسب مفهوم أمصيا - إذ وهو من المملكة الجنوبية اقتحم الخدمة فى المملكة الشمالية ، وهذا لم يكن جائزا قانونياً !! .. والسؤال الذى تطرحه قضية أمصيا هو سؤال " الشرعية " فى الخدمة ، ومن هو صاحب الحق فيها ، أهو أمصيا الكاهن الرسمى بأمر الدولة ونفوذها وسلطانها ، أم هو المقتحم الدخيل الآتى إليها من أرض يهوذا من الجنوب ؟ من اللازم أن ندرس لهذا كله قصة أمصيا ، إذ أنها القصة التى تكررت وماتزال تتكرر فى كل مراحل التاريخ حول " الشرعية " فى المفهوم البشرى ، و "الشرعية" فى مفهوم اللّه والحق الكتابى !! .. ومن ثم يحسن أن نرى القصة من الجوانب التالية : أمصيا الكاهن بمرسوم ملكى تطرح قصة أمصيا - كما أشرنا آنفا - قصة الشرعية فى الخدمة ، من حيث الخادم والخدمة ذاتها ، ومع أننا لا نعلم بالضبط متى عين أمصيا كاهناً فى بيت إيل ، إلا أنه من المرجح أن خدمته فى بيت إيل فى أيام يربعام الثانى حفيد ياهو بن نمشى كانت فى حوالى عام 722 ق . م عندما سقطت السامرة ، وأخذ أمصيا مع المسبيين إلى السبى ليحرث هناك !! .. على أى حال لقد كان أمصيا آخر السلسلة العجيبة من الكهنة الذين بدأ يربعام الأول عام 932 ق.م فى تعيينهم ، ليكونوا كهنة مرتفعات ، وقد استمر هذا النظام حتى سقوط السامرة ، أى أن هذا النظام استمر قرابة مائتين وعشرة أعوام ، هى عمر المملكة الشمالية ، فهل تكتسب الشرعية فى الخدمة الدينية ، بمجرد مرور السنين أو القرون على ذلك ؟ . وهل يحسب الكاهن كاهناً ، لمجرد أنه ينتمى إلى تقليد قديم ربما نسى الناس أصله وفصله ؟؟ ، .. من الواضح من قصة أمصيا أنه كان ختاماً لمجموعة من الكهنة استمرت أكثر من قرنين من الزمان ، ولا يمكنه أن يكتسب الشرعية لمرور هذا الزمن الطويل حتى ولو تلاحقت عليه آلاف السنين ، إذ أن اللّه لم يعترف قط بهؤلاء الكهنة ، ولم يقبلهم أو يرض عنهم ، لأن الشرعية دعوة إلهية ، لا تكتسب بالتقادم على وجه الإطلاق !! .. إن من أكبر الخطايا التى سقطت فيها الكنيسة فى أوقات الظلام والفساد ، هو هذا الإدعاء ، بأن الخادم هو خادم شرعتى لمجرد أنه تسلم الخدمة ، ممن هو أقدم ، وأن هذا السلطان متوارث بصرف النظر عن المسلم أو المتسلم ، وسيتاح لنا عندما ندرس قصة عاموس فى شخصيتته الخاصة به ، أن نتحدث عن هذا باسهاب ، لندرك أن عاموس الذى لم يكن يستند إلى شرعية الوراثة المزعومة ، كان هو الخادم الصحيح ، وأن أمصيا ( ولو أن وراءه أكثر من مائتى عام من الشرعية المعترف بها من الدولة ) لم يكن إلا كاهناً كاذباً هو والذين قبله من أولهم إلى أخرهم !! كما أن الشرعية المزعومة يثبت فسادها من وجه آخر ، من الأسلوب الذى كانت تلجأ إليه وتستخدمه فى الوصول إلى كرسى الكهنوت ، فهى تستخدم كل الوسائل أو الوسائط البشرية ، ولا تعف عن استخدام الأساليب الدنيوية لما للكرسى من امتيازات أرضية ومادية كبيرة ، ومن هنا نشأ ما يعرف بالسيمونية " على مذهب سيمون الساحر : " ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدى الرسل يعطى الروح القدس قدم لهما دراهم قائلاً: "أعطيانى أنا أيضاً هذا السلطان حتى أى من وضعت عليه يدى يقبل الروح القدس ، فقال له بطرس لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة اللّه بدارهم . ليس لك نصيب ولا قرعة فى هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماً أمام اللّه ، فتب عن شرك وأطلب إلى اللّه عسى أن يغفر لك فكر قلبك " " أع 8 : 18 - 22 " وما أكثر ما لعبت الدراهم دورها الرهيب فى هذا الشأن ، وقد تحول بيت اللّه إلى مغارة لصوص ويزداد الأمر سوءاً عندما تختلط السياسة بالدين ، فلا تكتفى السياسة بادخال المال إلى الساحة من أوسع الأبواب ، بل تدخل الأوضاع الأخرى التى هى أشد رهبة ونكراً ، ويحرص الساسة على أن يجعلوا على كرسى موسى الصدوقيين ، وليس الفريسيين ، وكان الصدوقيون ممن لا يؤمنون بالقيامة واليوم الأخير ، وهم لذلك أصلح الناس عند الرومان للقيادة الدينية ، وكان منهم حنان وقيافا والعدد الكبير من أعضاء السنهدريم ، وهم الواجهة التى تفسد الدين باسم الدين ، وليس هناك من هو أقدر على تضليل الجماهير مثل رجل الدين الذى يخدم السياسة باسم الدين ، وهو العدو الأول للحق الإلهى ، ولو ظهر مندثراً فى ثياب كهنوتية ، ويجلس على الكرسى الذى قال عنه السيد المسيح : " على كرسى موسى جلس الكتبة والفريسيون : فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه . ولكن حسب أعمالهم لا تعلموا لأنهم يقولون ولا يفعلون " . " مت 23 : 2 و 3 " . وكانت الشرعية المزعومة كاذبة من حيث الخدمة نفسها ، لقد تعاقب على المملكة الشمالية تسعة عشر ملكاً كانوا كلهم أشراراً ، وقد بدأ يربعام بن نباط هذا الشر بتحويل المجرى الدينى للخدمة ، إلى الوثنية البشعة ، لقد خشى أن تحن الأسباط إلى الوحدة مع يهوذا عندما يصعدون كل عام لتقديم الذبائح فى أورشليم فعمل عجلى ذهب ، أحدهما فى بيت إيل ، والآخر فى دان ، ليبعد بالإسرائيليين عن أورشليم وذكراها ، وكان يقصد بالعجلين أن يتصور اللّه فيهما ، لأن العجول فى البلاد الزراعية ترمز إلى الخير والبركة ، وكان الذهب يلمع فى عينيه كلما دخل إلى البيت أو خرج منه ، ومن المؤلم حقاً أن ذلك المكان الذى رأى فيه يعقوب سلم السماء ، تحول إلى هذه الصورة البشعة من الوثنية ومهما قيل عن الشريعة ، فإنها برهانها الأعظم هو فى حياة الخادم وأسلوب خدمته !! .. لقد ابتلعت عصا موسى عصى العرافين ، وكانت برهاناً على الفرق البين بين الحق والكذب ، وقال بولس للكورنثيين : " إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فى الذى ليس ضعيفاً لكم بل قوى فيكم " " 2 كو 13 : 3 " . كانت الخدمة عند أمصيا نوعاً من أكل العيش " وقد أفصح عن ذلك عندما تحدث إلى عاموس قائلاً : " وكل هناك خبزاً ، وهناك تنبأ " . " عا 7 : 12 " وما أكثر الذين يحيون ليأكلوا خبزاً ، ويشربوا خمراً ، ويأخذوا مركزاً ، فالخدمة عندهم لا تزيد عن المغنم الذى إليه يسعون ويتجهون. إن امتحان الشرعية يظهر فى وضعه الصحيح من اليد النظيفة : " من يصعد إلى جبل الرب ، ومن يقوم فى موضع قدسه ؟ الطاهر اليدين والنقى القلب الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذباً " " مز 24 : 3 و 4 " وعندما تساءل قوم من الكورنثيين عن شرعية الرسول بولس ، ومركزه من الخدمة أجاب : " أهم خدام المسيح أقوال مختل العقل . فأنا أفضل . فى الأتعاب أكثر فى الضربات . أوفر فى السجون أكثر فى الميتات مراراً كثيرة . من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلده إلا واحدة . ثلاث مرات ضربت بالعصى . مرة رجمت . ثلاث مرات انكسرت بى السفينة . ليلاً ونهاراً قضيت فى العمق . بأسفار مراراً كثيرة . بأخطار سيول . بأخطار لصوص . بأخطار من جنس . بأخطار من الأمم . بأخطار فى المدينة . بأخطار فى البرية . بأخطار فى البحر . بأخطار من أخوة كذبة . فى تعب وكد . فى أسهار مراراً كثيرة . فى جوع وعطش . فى أصوام مراراً كثيرة . فى برد وعرى . عدا ما هو دون ذلك . التراكم على كل يوم ، الاهتمام بجميع الكنائس " " 2 كو 11 : 23 - 28 " وهل هناك برهان على صحة الخدمة أو حقيقتها أقوى من هذا البرهان ؟ !! . كان الشئ الأخير فى الشرعية عند أمصيا متصلا بالمكان أو دائرة النفوذ ، وهو لذلك لا يقبل أن يقتحم عليه عاموس مكانه ، .. لقد أخذ هو بيت إيل بمقتضى المرسوم الملكى ليكون مركز نفوذه وسلطانه ، وهو على استعداد أن يصارع أى إنسان آخر يدنو من كرميه أو يعمل بين رعيته ، .. ومن المؤسف أنه ما تزال إلى اليوم هذه الصورة على وضعها البشع ، فى كثير من الأماكن ، وبين المذاهب المسيحية المختلفة .. فعندما يكرز خادم من خدام اللّه بالكلمة يسأل : من أى مذهب هو ، وما سلطانه وحقه فى الكلام بين أبناء المذاهب الأخرى ؟؟ ، وتصبح الأذن صماء بالنسبة لرسالته ، لأنه يتكلم وهو ابن مذهب معين إلى آخرين ينتمون إلى مذهب مخالف لمذهبه !! .. ومن المؤسف أيضاً أن أبناء المذهب الواحد يتصارعون على الأعضاء ، وكيف يتحدث راع من كنيسة أخرى إليهم أو يزورهم أو ينادى لهم برسالة الإنجيل أو يبشرهم بكلمة الخلاص ؟ ، وبدلا من أن يشكر على هدايتهم ومعونتهم ، يقال له ما قاله أمصيا لعاموس : " أن اذهــــب ... إلى أرض يهوذا ... وهناك تنبأ !! .. أمصيا الكاهن والادعاء الكاذب كان على أمصيا أن يسعى بكل جهده لإخراج عاموس من إرض إسرائيل وهو لا يعنيه ، فى شئ ما يقول عاموس خارج هذه الدائرة ، أن الحق والباطل عنده يتساويان خارج دائرة نفوذه وسلطانه ، .. وفى الحقيقة إن الحق والباطل عنده يتساويان إذا ضمنت له لقمة العيش والبقاء فى المركز !! .. وكم من أناس يدعون الغيرة على بيت اللّه ومجد اللّه ، والقضية الدينية عندهم لاتزيد عن هذين الأمرين : المال ، والمركز..!!، أعطهم الإثنين وهم على استعداد أن يعبدوا عجل الذهب ، لأنهم أصلا عبيد الذهب أينما ذهبوا يسعون وراء المال كيفما مال بهم واتجه !! .. أما إذا دخل أحد بينهم وبين الإثنين أو بينهم وبين واحد منهما فهنا الطامة الكبرى ، والمصيبة التى لا تحتمل ، وهنا يحل الكذب والاتهام والافتراء والنميمة وكل الصور التى تشوه الآخرين أو تنال من سمعتهم أو رزقهم أو مركزهم أو حياتهم أيضاً ، ويصبح القضاء عليهم واجباً مقدساً ، يسهرون من أجله ، ويكافحون سبيله دون أدنى تراخ أو تراجع أو يأس أو سكون ، ... وقد سلك أمصيا فى ذلك أكثر من سبيل ، فهو يشى إلى الملك ، ولا يتكلم بالرواية الصحيحة ، بل يشوها تشويها ، فإذا كان عاموس يبين أن الخطية ستنتهى بالأمة إلى الخراب ، وتذهب بالشعب إلى السبى ، فهو يصور هذه الأقوال فى صورة فتنة يتعمدها عاموس ، وهى ليست أقوالا من الرب ، بل هى كلمات الثورة والفتنة التى يسببها الرجل الآتى من أرضى يهوذا ، ... ويبدو أن يربعام لم يهتم كثيراً بأقوال أمصيا ، وإذاً فلابد من مواجهة عاموس نفسه ، والعمل على تخويفه ليهرب إلى أرض يهوذا ، ... وهو يلوح له إلى جانب التهديد من طرف خفى - بأن أرض يهوذا أكثر مكسباً من أرض إسرائيل ، فلماذا لا يذهب إلى هناك ويأكل خبزاً ؟ !! ... كان أمصيا فى هذا كله ابناً للشيطان ورسولا منه ، والشيطان فى العادة يحاول دائماً أن يسكت الحق الإلهى بالوعيد أو بالوعد ، بالتهديد أو الإغراء ، وسجلاته فى كل العصور خير شاهد علي ذلك !! وقف أحد الرهبان فى كنيسة من الكنائس الألمانية غداة حرمان مارتن لوثر ، وكان قد ذهب إلى هذه الكنيسة ليعلن قرار الحرمان ، وقف يقول : " أيها الآباء والأخوة والأبناء : إن الكنيسة عانت طويلا من سم حية نشأت بين أحضانها ، هذه الحية هى " مارتن لوثر ، والسم هو تعاليمه التى ينشرها !! ولا حاجة بى إلى أن أخبركم عن قصة ضلاله ، فهو ، أولاً ، فى كبرياء قلبه يحتج على المحبة العظمى فى قلب أبينا البابا المقدس ، الذى جعل من الميسور بيع صكوك غفران الخطايا عند أبوابنا ، وهو فى هذا يؤذى الكنيسة إذ يعظ ضد الصكوك المقدسة ، والغفرانات ، ويمنع خلاص النفوس ، قد كتب حججاً كاذبة وسمرها على باب الكنيسة فى وتنبرج ، وانتشرت من هناك فى كل المانيا . وكثيرون يموتون فى خطاياهم ويذهبون إلى الجحيم بسبب هذه الحجج ، وقد كانت الكنيسة مترفقة به إذ وعدته بالعفو إذا تراجع ، وأعطته الفرصة ليظهر فى أوجسبرج أمام قداسة الكاردنيال كاجيتان الذى تعامل معه بلطف دون جدوى ، وبعد هروبه الجبان من أوجسبرج ، كان له الشرف أن يتقابل مع دكتور أيك العظيم الذى تغلب عليه تماماً ، ومع ذلك فهو ما يزال ينشر أكاذيبه فى كل مكان وقد أضحى الآن أكثر غطرسة ، وقسوة ... إذ لم يكتف بمهاجمة الغفرانات ، بل بدأ يهاجم البابا نفسه ، وقد كتب كتباً عديدة ممتلئة بالباطل والأضاليل ، ويزرع الشوك فى عقول الكثيرين من أبناء الكنيسة المؤمنين ، وأبعد آلافاً عن الأم الحقيقية الوحيدة الكنيسة ، ولهذا فإن البابا عزم على أن يضع حداً لهذا الهرطوقى الكبير وأبى الأكاذيب " .. أغلب الظن أن أمصيا وعظ فى بيت إيل بمثل هذه العظة للشعب المضلل المنكوب !! .. أمصيا الكاهن والعقاب الرهيب تنبأ عاموس على أمصيا ، وقد اتسمت نبوته بالوضوح القاطع ، وهنا يفترق الصدق الإلهى عن همهمات وإدعاءات الرؤى الوثنية ، أو - كما قال أحدهم - إن العرافين فى العادة لا يقطعون برأى ، بل يضعون نبواتهم فى كلمات غامضة تحتل أكثر من معنى ليكون الأمر عند التفسير أقرب إلى ما قد يجئ به التنفيذ ، وهم على استعداد أن يدعوا أن هذا هو ما كانوا يقصدونه من البدء ، إذ تصادف أن اقتربت الحقيقة إلى ما يزعمون، لكن نبوة النبى الصادق تتحدى الأنبياء الكذبة حتى ولو كانوا أربعمائة نبى يتحدثون بلسان واحد وعلى رأسهم صدقيا بن كنعنة الذى عمل لنفسه قرنى حديد وقال لآخاب : " هكذا قال الرب بهذه تنطح الأراميين حتى يفنوا ، وتنبأ جميع الأنبياء هكذا قائلين اصعد إلى راموت جلعاد وافلح فيدفعها الرب ليد الملك " " 1 مل 22 : 11 و 12 " أما ميخا بن يمله نبى اللّه الصادق فإنه لا يتردد فى أن يصف الأربعمائة من الأنبياء بأنهم كاذبون مضللون ، وأن الشيطان قد وضع فى أفواههم جميع أقوالا كاذبة ، وأن مصيره سينتهى فى المعركة ، وإذ يصفعه صدقيا بن كنعنه على فكه قائلا : " من أين عبر روح الرب منى ليكلمك ؟ فقال ميخا : إنك سترى فى ذلك اليوم الذى تدخل فيه من مخدع إلى مخدع لتختبئ " 1 مل 22 : 24 و 25 " وإذ يسجنه آخاب طالباً أن يضعوه فى السجن ، وأن يطعموه خبز الضيق وماء الضيق حتى يعود بسلام : " فقال ميخا : إن رجعت بسلام فلم يتكلم الرب بى .وقال اسمعوا أيها الشعب أجمعون" " 1 مل 22 : 28 " كان ميخا واضح الرؤيا ، شديد الثقة ، دون اهتزاز أو تذبذب أو تتردد ، والأمر بعينه كما يذكره ذلك الأرامى فى شهادته أمام الملك عن أليشع " ولكن أليشع النبى الذى فى إسرائيل يخبر ملك إسرائيل بالأمور التى تكلم بها فى مخدع مضجعك " " 2 مل 6 : 12 " .. بل لعل الأمر يبلغ قمته ، عندما حلم نبوخذ ناصر حلمه ، وأغلب الظن أنه نسيه ، ومع ذلك فهو يطلب من حكماء بابل أن يبينوا له الحلم وتعبيره " وأجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك . لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوس أو سامر أو كلدانى . والأمر الذى يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر " " دا 2 : 10 و 11 " وإذ يسمع دانيال ، ويتجه بالصلاة إلى اللّه ، وهو زملاؤه الثلاثة فتية ، يكشف له السر فيدخل إلى نبوخذ نصر مسرعاً ليقول : " السر الذى طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك . لكن يوجد إلــــه فى السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذ نصر ما يكون فى الأيام الأخيرة " " دا 2 : 27 و 28 " .. ويذهل نبوخذ نصر من هذه المعرفة العجيبة إلى درجة أن يخر ساجداً على وجهه إلى الأرض أمام دانيال ، ... وعلى هذا المنوال كانت رؤيا عاموس واضحة أمام عينيه وهو يتنبأ عن أمصيا كاهن بيت إيل ، ولم يتردد فى ذكرها للرجل بكل أمانة وشجاعة ، رغم ما تمتلئ به من عنف وشدة وقسوة ، .. لم يحاول عاموس أن يصقل كلامه أو يخفف من واقعه على أذنى الرجل ، بل كانت كلماته كالمطارق القاسية التى تهوى على رأسه دون أدنى شفقة أو رحمة ، وقد كانت النبوة فى الحقيقة مفزعة ومخيفة !! .. إذ كانت . 1- الفضيحة القاسية : وأى فضيحة أقسى وأشد من القول : " امرأتك تزنى فى المدينة " " عا 7 : 17 " والكلمة يمكن أن تفسر من اتجاهين ، إما أن الرجل يلصق به العار لخيانة زوجته له ، .. فلقد خان هو اللّه وزنى عنه ، أو أصبح رئيس الزناة بعبادته الوثنية وتكريس حياته لخدمة عجل الذهب ، .. والبعد عن اللّه فى لغة الكتاب هو زنى : " لأنه هو ذا البعداء عنك يبيدون تهلك كل من يزنى عنك " " مز 73 : 27 " والذهاب وراء كل إله غريب ، مهما يكن لونه أو شأنه هو الفسق أمام اللّه ، بدون أدنى حرج أو حياء أو خجل ، ومن المؤلم أن اللّه أقام نبينا ، وجعل قصته تجسيداً لهذه الحقيقة عندما : " قال الرب لهوشع إذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب . فذهب وأخذ جومر بنت ديلايم فحبلت وولدت له ابناً " " هو 1 : 2 و 3 " ... وقد تحولت أمة إسرائيل كلها إلى أمة زانية بهذا المعنى ، عندما انصرفت عن اللّه ، وتحولت إلى الهوى والشهوة وراء الآلهة الغريبة ، فكان لابد أن يكون الجزاء من جنس العمل ، .. ومن المحتمل أن زوجة أمصيا انصرفت عنه وفسدت دون تورع ، كانصرافه عن الحق الإلهى ، وسيره وراء التيه والفساد والبطلان، .. أو أن الأمر يمكن أن يؤخذ من اتجاه آخر ، إذ تغتصب زوجته فى المدينة من ورائه أو على مرأى عينيه ، عندما يدخل الغزاة ويتم السبى ، .. وما أقسى ما يحدث ، فى مثل هذه الظروف والأحوال ، من أوقات الحروب ، كعقاب مخيف مفزع من اللّه ! ألم يقل إشعياء : " وتحطم أطفالهم أمام عيونهم ، وتنهب بيوتهم ، وتفضح نساؤهم " " إش 13 : 16 " وقال زكريا الشئ نفسه : " فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت وتفضح النساء " ... ( زك 14 : 2 ) وسواء أكانت الصورة بالمعنى الأول أو الثانى ، فإنها أشبه الكل بعقدة " أوديب " العقدة التى حلت بالشاب اليونانى الذى قيل إنه قتل أباه، وتزوج أمه ، وهو لا يعلم ، وعندما أدرك ذلك فقأ عينيه ، وخرج هارباً فى الأرض كقايين ، تروعه عذابات الضمير ، دون أن يستريح أو يهدأ أو يلوى على شئ!! .. إن الخروج على اللّه هو الفضيحة بعينها ، ولا بد أن تكشف هذه الفضيحة فى هذه الصورة أو تلك ، وما عمل فى الخفاء سيرى الناس عقابه علانية وتحت ضوء الشمس فى كل مكان !! .. 2- ضياع الأرض .. " وأرضك تقسم بالحبل " " عا 7 : 17 " ونحن نعلم أن الأرض كانت مقدسة ، وهى ملك لصاحبها بالوكالة ، لأنها أساساً للّه ، وكانت إذا بيعت أو اشتريت ، فإن ذلك إلى يوم اليوبيل الخمسينى لتعود مرة أخرى إلى صاحبها ، لكن الأشوريين لا يعرفون شيئاً عن هذا اليوبيل ، وكما اغتصبت الزوجة ، تغتصب الأرض أيضاً اغتصاباً ، .. لقد عاش أمصيا للأرض دون أن يرفع عينيه إلى السماء ، وبحث عن الذهب ، وعبده ، ومال وراءه ، .. وها هى الأرض أيضاً تؤخذ بما فيها وما عليها، والحرام لا يذهب وحده كما يقولون ، بل يأخذ الحلال والمقدس معه ، .. وإذا كان الناس يقولون إن الجريمة لا تفيد ، فإنه الأصح أن يقال دائماً ، إن الخطية لا يمكن أن يكسب الإنسان من ورائها أدنى خير أو مكسب ، .. لقد جند أمصيا نفسه ليجمع الثروة والمال من وراء خدمة عجل الذهب تعبد له ، وأقيم كاهناً لخدمته ، وها قد ذهب المال والعجل وكل شئ ، وحل محلها الفقر والضياع والعدم والهلك !! .. 3- الموت البشع : " وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف " " عا 7 : 17 " وأى منظر أشد هولا أو رعباً ، من منظر الأولاد والبنات ، وهم يقتلون على مرأى عينيه ، .. أليس هؤلاء الأولاد أو البنات هم الذين من أجلهم سعى لاقتناء الثروة ، وجمع الكنوز ، وتكديس المال ، وكان أقصى ما يحلم به أن يوفر لهم الحياة الهانئة والعيش الرغد ؟ ، وها هو المال يذهب ، وفى إثره يقتل أحب الناس إليه فى الأرض !! .. 4- النهاية التعسة : " وأنت تحرث فى أرض نجسة " " عا 7 : 17 " ولم يبق للرجل بعد هذا كله سوى جسده ، ونفسه ، .. وهما أيضاً معاً سوف يعذبان ، إذ سيؤخذ إلى السبى ، ويبقى هناك على أتعس الذكريات وأشرها فكراً ، وسيموت محاطاً بالدنس من كل جانب ، لأن الدنس ملأ نفسه من الداخل ، وهل لنا أن نتصور أمصيا وقد قبض عليه وسار سير المسبيين فى الأرض ، وجر كما يجر الحيوان بالسلاسل والأغلال ، وسار فى الفيافى والقفار ، حتى انتهى إلى الأرض القريبة ، وعاش ميتاً ، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة ، وهوى وثوى فى الأرض النجسة الغريبة كأتعس ما تكون نهاية القصة والمأساة لأى إنسان أحسن ظنه بالأيام والليالى ، ولم يدر أن الزمن قلب ، ومفاجآت الحياة للأشرار دونها كل مفاجأة .. 5- سبى الأمة كلها : " وإسرائيل يسبى سبياً عن أرضه " " عا 7 : 17 " ومن العجيب أن يقال هذا الكلام فى أيام يربعام الثانى ملك إسرائيل ، إذ كانت البلاد ، فى ألمع أيامها الذهبية ، من الوجهة السياسية والاجتماعية ، وكان الناس ينامون على أسرة من العاج ، كما نرى فى نبوات عاموس ، وكانوا يسترخون على نغم الموسيقى الراقصة أو الحالمة " انظر عا 6 : 1- 7 " ولكن عاموس - شأنه شأن الأنبياء الصادقين - لم يخدع بالمظهر البراق أو الصورة الخلابة ، إذ رأى الدنس والخطية والخراب والموت خلف الكل ، .. وعندما جاءت هذه النهاية كانت مرعبة مرهبة فظيعة ، إذ لم يسقط الأسباط العشرة تحت جحافل الأشوريين فقط ، بل قضى على كيانهم السياسى والاجتماعى والقومى والدينى إلى الأبد . وإلى اليوم ، لا يكاد يعرف أحد مصير هذه الأسباط . لقد كان عقابهم كخطيتهم قاسياً مفزعاً مروعاً رهيباً !! أجل : لأن أجرة الخطية هى موت ، وأما هبة اللّه فهى حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا " " رو 6 : 23 " .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أمصيا خسر الكل، حتى نفسه |
أخطاء أمصيا الفادحة |
هناك بعض المشابهات المثيرة في قصة أمصيا |
ماذا تعرف عن أمصيا |
أمصيا |