رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأرملة الفقيرة وكيف تفوقت بتقدمتها على الآخرين ليس من العجيب أن يضع المسيح هذين الفلسين في كفة، وجميع المتقدمات والعطايا التي تقدم بها الآخرون وهي كما يشهد الكتاب كانت كثيرة، في كفة أخرى، ومع ذلك رجحت كفة الفلسين على عطايا الآخرين!! كيف يكون هذا؟ وما هو السر في ذلك، وعلينا أن ندرك بادي ذي بدء أن الحساب عند الله يختلف تماما الاختلاف عن الحساب عند الإنسان، فليس المهم عند الله الكم بل الكيف، والمادة بل الروح، وقد تميزت عطية الأرملة الفقيرة على الآخرين بالكثير الذي نذكر بعضه. أولاً: أن هذه الأرملة عندما ألقت كل معيشتها، كل ما عندها كشفت عن جلال وعمق وعظمة اعتمادها الكبير والكامل على الله، فهي وإن كانت لا تملك بعد ذلك شيئًا فإنها إذ تملك الثقة الكاملة الموطدة بعناية الله تملك كل شيء، أو هي كما يصف الرسول، وصفها بالقول: «ولكن التي هي بالحقيقة أرملة ووحيدة فقد ألقت رجاءها على الله وهي تواظب الطلبات والصلوات ليلاً ونهاراً»، أليس هذا عين ما يذكره السيد، وهو يطلب من المؤمنين، وهم بصدد القلق أو التفكير أو الانشغال أو الاهتمام بالمأكل والمشرب واللباس: «انظروا إلى طيور السماء أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها ألستم أنتم بالحري أفضل منها»؟ أجل ويكفي المرأة أن ترفع عينيها كل صباح إلى الطائر الذي يضرب بجناحيه هنا وهناك في الأعالي، لتعلم بأن الله الذي لا يمكن أن يتركه دون طعام، هيهات أن يتركها وهي أفضل عنده، ليس من هذا الطائر وحده، بل من جميع الطيور التي تطير على وجه البسيطة مجتمعة معاً، على أن الأرملة الفقيرة تكشف أكثر من ذلك، وهي تقدم فلسيها لا على روح الثقة واليقين والاعتماد على الله فحسب، بل على أعظم روح من القناعة والشكر، هيهات أن تعرف عن واحد من الأغنياء الذين قدموا عطاياهم في ذلك اليوم أو عند جميعهم دون وجه استثناء على الإطلاق، إن هذه المرأة الفقيرة تذكرنا بأرملة أخرى كاد ولداها الصغيران يتجمدان من الصقيع والمطر المنهمر، في ليلة من الليالي، ولم يكن لها ما يمكن أن تدفع به عنهما ما يعانيان سوى أن تخلع بابا داخليًا، وتجعل منه حاجزًا وستاراً .. وقال واحد من الولدين بلغة البساطة والقناعة والحمد: يا أمي ولكن ماذا يفعل الأولاد نظرينا الذين ليس لهم مثل هذا الباب الحاجز الخشبي، وهكذا عرف الصغير - مثلما عرفت الأرملة - التي لاشك شكرت الله مرات متعددة على اللقمة اليابسة، وعلى ما يعطيها المولى من عطايا وإحسانات وبركات مهما كانت محدودة وقليلة وضئيلة. على أن المرأة أكثر من ذلك عندما أعطت لم يكن لديها ما تبقى، فهي لم تقف عند حد العشور أو النصف، أو ما هو أكثر من النصف، إذ أعطت كل شيء دون تحفظ أو اضطرار أو شكوى أو ضيق، وما أكثر ما لا يفهم الناس، هذه الحقيقة، فيقولون مع ذلك الرجل الغني، الذي إذ طالبوه أن يدفع لمشروع ديني، قال سأدفع فلسي الأرملة التي طوبها يسوع المسيح... فقال له الطالب، ولكن ما رأيك في أننا لا نطلب منك إلا نصف ما دفعته هي وسأله: كم ثروتك فأجاب: أنها سبعون الفًا من الدولارات فقال له: إذن ادفع خمسة وثلاثين ألفًا لأن المرأة ألقت كل ما عندها كل معيشتها. وهل يعلم الناس آخر الأمر أن هناك فرقًا حاسمًا بين الذبيحة والفضلة.. إن الذبيحة عند الله أقدس وأكرم مهما كانت قيمتها الواقعية من أي فضلة أو بقايا يمكن أن يعطيها الناس مهما أعطوا أو قدموا أو تبرعوا!.. وهي في الواقع أرقى وأجل وأسمي من كل عطية أخرى قد تعطى، وليس فيها القليل أو الكثير من شائبة الفخر أو المباهاة أو التعاظم أو الرياء، بل لا تعدو الحقيقة أن نقول إنها أقدر على هز الوجدان البشري من أصوله وأساسه، من أغلى وأعظم العطايا التي يمكن أن يقدمها الناس الأغنياء في هذه الأرض الضخمة والكبيرة، التي كان من الممكن ألا تظهر إلى عالم الوجود، أو تنتصر على الأزمات المالية المروعة القاسية، لولا هذا الفلس القديم يظهر مرة أخرى بهذه الصورة في تبرع من معدم أو عطاء من فقير، كمثل ما قيل عن بائعة فقيرة معدمة، تجلس على قارعة الطريق، تفرد أمامها كومة صغيرة من حبات أبي فروة، وكانت تحصل على قوت يومها مما تبيعه، وهالها أن تسمع حديثًا مقتضبًا تحدث به مرسلان دون أن يقصداها عن ضرورة غلق عمل الله في الكثير في الميادين والبلاد للعجز المالي القاسي المتواصل في تلك الأيام، وقالت المرأة للمرسلين في فزع بالغ: ليس عندي ما أستطيع أن أساهم به في تسديد هذا العجز، وكل ما عندي هو هذه الحبات من أبي فروة واني أضعها كنصيبي الضعيف، من تبرع، أرجو أن تقبلاه، وليس يضيرني أن أمتنع عن الطعام، أو أصوم يومي، إذا كنت أوفر بذلك ما يمكن أن أقدمه من معونة لعمل الله ورسالته ومجده حيث يقوم العمل في الداخل والخارج على حد سواء، واهتز الرجلان وهما يحملان حبات أبي فروة، وفي الاجتماع العام للعمل المرسلي، ذكر حديث المرأة الفقيرة المسكينة التي ترفض أن تأكل ليسير عمل الله ويتقدم، وقبل الجميع، وهم يسمعون عن هذه الذبيحة الكريمة النبيلة العظيمة، أن تباع حبات «أبو فروة» بينهم في مزاد علني، وقيل أن الواحدة منها بيعت بخمسة آلاف من الجنيهات، وقدمت المرأة الفقيرة المسكينة وهي لا تدري أكثر من جميع الأغنياء المتبرعين مجتمعين معاً، وتحقق ما قاله السيد المسيح بالحرف الواحد عن الأرملة الفقيرة القديمة التي ألقت فلسيها، وعلى الصورة المذهلة التي لم تكن تخطر على بال أحد. فإذا عجز الإنسان عن أن يبعد الصورة الرائعة العظيمة، وإذا فعل ما فعله بعض الناس عندما كان يقرأ واحد من الرجال قائمة المتبرعين لمشروع ديني كبير في كنيستهم وكان كلما ذكر رقمًا كبيرًا عظيمًا لإنسان كبير يدوي تصفيق المستمعين الحاضرين، حتى جاء إلى رقم متواضع صغير تقدم به متبرع فقير معوز، ولم يهتم أحد للأسف بالتحية والتصديق، والراعي يعلم عن يقين أن المتبرع ألقى بفلسين في العطاء دون أن يعلم أحد!! سكت قليلاً ثم صاح: اسمعوا!! اسمعوا! أني أسمع تصفيقاً.. إنه تصفيق اليدين المثقوبتين!! وسعيد حقًا ذلك الإنسان الذي تصفق له يدا المسيح، علم الناس بذلك أم لم يعلموا على حد سواء. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|