رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"يا بنـيَّ مغفورةٌ لك خطاياك" أتى بعض اليهود بمخلع إلى يسوع طالبين، طبعاً، أن يحلَّه ويخلصه من مرضه. لكن يسوع التفت إلى هذا المخلّع- وهذا المرض أوضح الأمراض ظهوراً للعيان بين أمراض الإنسان- وكأنَّه لم يرَ إلاَّ المرض الذي اهتم هو أن يشفيه، وقال للمخلّع: "مغفورةٌ لك خطاياك"؛ ففوجئ اليهود. لذلك علينا نحن أن نعرف مدى تقديرهم لمسؤوليّة الخطيئة أوّلاً، وأن نعرف مفهومهم للخطيئة ثانياً؛ الأمران اللذان جعلاهم يُفاجؤون. تشديد يسوع هذا على أمر الخطيئة يستحقّ منّا أن نسأل أنفسنا نحن أيضاً، عمّا هو مفهوم الخطيئة بالنسبة لنا، أي ما هي الخطيئة في تقديرنا؟ هذا من جهة أولى. ومن جهة ثانية، تحيي الكنيسة اليوم، في الأحد الثاني من الصوم، تذكار القدّيس غريغوريوس بالاماس؛ الذي تصدّى في القرن الرابع عشر لخطر تهديد الحياة المسيحيّة من العقلانيّة المحدودة البرلعاميّة (نسبة إلى برلعام الذي من كلابريا في صقلّية). وهذا الصراع بين بالاماس وبرلعام لم يكن نظريّاً وجدالاً فكريّاً، بل هو خلافٌ على طريقة التعامل مع الله وجوهر العلاقة في عبادته والعيش معه والسير إليه. نعم، لعلَّ ما يهدّد حياتنا وإيماننا ليس هو عدم الإيمان بوجود الله، وهذه هي صيغة الإلحاد الغابر. إنَّ الإلحاد المعاصر يَكمُن في تبديل وتزييف هذا الإيمان وإفساد طبيعته. لذلك لم يعد الخطر على الإيمان من العوامل والإيديولوجيّات والضغوطات الخارجيّة، وإنّما من مقدار صفاء الإيمان وعيش الإيديولوجيّة المسيحيّة الحقيقيّة من الداخل. وإذا ألقينا نظرة على مفهومنا للخطيئة، وهذا الأمر هو من أدقّ الأمور في علاقتنا بالله وفي مسألة خلاصنا، فإنّنا نجد أنَّ هذا المفهوم الحسَّاس مهدَّد فعلاً وربّما مُنفَسِد بسبب العقلانيّة البرلعاميّة الغربيّة. لنرى إذن ما هي الخطيئة؟ لماذا بلغة الدين نسمّي أفعالاً وتصرّفات ما "خطيئة"؟ ما دامت هذه أحياناً كثيرة تبدو مفيدةً لي شخصيّاً،لماذا هذا المفهوم "العتيق" و"المعقّد" للخطيئة؟ بهذا الأسلوب العقلاني يحلّل غالبيّة الناس اليوم مفهوم الخطيئة، مصطدمين بالمفاهيم "الدينيّة" القديمة لها! هم يرغبون إذن بتجاوز كلّ الموانع وكل رادع أخلاقي، حتّى ولو كلفهم ذلك أحياناً إسكات صوت الضمير الداخلي، متجاوزين كلّ ما يتركه هذا الأسلوب التحليليّ من غموض داخليّ. ويحتكمون بعد ذلك إلى تسميات جديدة لتلك التصرفات من أجل تبريرها. ولو أنّنا تناولنا أدقّ وأهمّ التصرفات والمسلكيّات الإنسانيّة، وتساءلنا ما هو تحديد الإنسان المعاصر للخطيئة فيها، لوجدنا أنّنا غالباً ما نفسد ذلك مستبدلين الرشوة بالشطارة مثلاً، وخالطين الحبّ بالزنى أحياناً، ومحوّلين الخدمة إلى الاستخدام، ومعوّضين عن المحبّة بالمصلحة، ومحدّدين السعادة بالرفاهيّة أو الاستراحة إلخ… ولأنّنا نحلّل هذه المفاهيم عقلانيّاً فإنّنا نجد أنَّ كلّ ذلك صحيح. لنفكر عقلانياً كإنسان اليوم "وبمفاهيم معاصرة"! كما يقال: هل تضر الرشوة حين تُسيِّر أعمال كلّ الأطراف؟ ما هو ضرر الزنى مثلاً إذا لبّى شهوة فريقَين؟ ما هو خطأ الاستخدام إذا حقّق توازن الجميع؟ هل عارٌ علينا أن نطلب مصلحتنا؟ ولماذا التضحية والمحبّة، وكلّ هذه الأثقال الإنجيليّة الملائكيّة، ونحن بشر؟ والراحة في الاستراحة، هل تؤذي بشراً؟ وغير ذلك الكثير. أين الخطيئة في كلّ هذه المواضيع؟ عقلانياً، مجرّد أن "نتديّن"! - وكم يحمل هذا الفعل من مخاطر ويتحمّل كثيراً من سوء الفهم- نخطئ في تفسير الخطيئة أيضاً، فنحدّدها على أنّها تعدٍّ للوصيّة الإلهيّة! وكأن المتضرّر في هذا الموضوع هو الله الذي عليه، لعدالته وربّما "لأنانيته" ولكرامته، أن يُحصِّل حقوقه منَّا بفرض العقوبات علينا، في حياتنا الحاضرة قبل جهنّم الحياة المقبلة. لكن لو فكرنا بشكلٍ أعمق لأدركنا أنَّ الخطيئة لا تستطيع أن تمسّ الله، ولن تُصيب الله في ذاته. فإذا ما وضع الله لنا نواميساً وقوانيناً تنهانا عن الخطيئة، فإنَّه لا يصنع ذلك لمصلحةٍ تتعلّق به، بل لأجلنا، "لكي نصيب خيراً… ونحيا" (تثنية 6، 26). إنَّ إله الكتاب المقدّس، إلهنا، ليس إله الأبيقوريين أو إله أرسطو ذاك الذي لا يهمه أمر الإنسان والعالم. الخطيئة، من نظرة مسيحيّة عمليّة، وكما يعرّفها القدّيس بالاماس، هي رفض الله كأب، رفض الحبّ الأبويّ، أي رفض النعمة الإلهيّة، والعيش في عزلة عقلانيّة. ما أحزنَ الأب في مَثَل "الابن الضال" هو رحيل ابنه. لقد أهان الابن أباه بحرمانه من وجوده كابن، لذلك فإنَّ هذه الخطيئة لا تغتفر إلاَّ بالعودة. إنَّ الحبّ الإلهيّ المنسكب جعل الله، إذا جاز التعبير، "قابلاً للتجريح". خطيئة هي أن نرفض النور ونحبّ الظلام حين جاء النور إلينا. خطيئة الابن دائماً تكمن في أنّه يفكرّ وحده فقط. أكبر إهانة للأب هي أن نتجاهل حبّه. يمكننا أن نحيا بعقلانيّة ونحدّد مصيرنا بتحاليلنا. ولكن، يمكننا أيضاً أن نحيا مع الله بالإيمان. وعندها فقط نعطي لهذا الأب حقّه. آدم لم يُخطئ في شيء بالجوهر إلاَّ في أنّه أراد أن يحيا، ويفكر، ويخطط لذاته دون الله. الخطيئة في النهاية هي في أن نحيا مدّعين أنّنا أبناء، بينما محبّة الآب فينا غير موجودة. الحياة مع الله لا تعني أبداً مجرّد أنّنا نعترف بوجوده، أو أن نعرف عن وجوده هذا الأمور الكثيرة وحسب؛ الحياة مع الله تعني أن نسعد بحياتنا معه، وبكلمة أخرى أن يكون الله سعادتَنا. أن نقرأ، مثلاً، اللاهوت من أجل المعرفة فقط، فهذه خطيئة! لأنّه إن قرأنا اللاهوت ولم نفرح، ونتخشَّع، ونحيا، فنحن نهين الله الذي أتى إلينا حياةً. لأنّ الله لم يأتِ ليَشغَلَ عقلنا وإنّما ليشعِلَ قلبنا. الحياة مع الله ليست معلومات وإنّما خبرات. الله لا يُدَرك، ولا يوصف من قِبَل الدراسات، وإنّما يُخبر عنه من الخبرات. الدراسات إيجابيّة حين تزيد الخبرات، برلعام يمثل خدعة الدين كمعرفة، والقدّيس بالاماس يذكرنا بخبرة الدين كحياة. يوصينا الله بحبِّه، لأنّه يعرف أنّنا نحيا به فقط. الإنسان، من وجهة النظر الأرثوذكسيّة، لا يحيا إلاَّ على المَنّ السماويّ، أي على النعمة الإلهيّة. لا يحيا الإنسان بالخبز، بل بالنعمة والكلمة الإلهيّة الخارجة من فم الله. خطيئة هي أن نقول لا للحبّ الإلهيّ المتدفق إلينا وفينا، وأن نبقى في حدود الجسد ونحيا "كبشر"، بينما تنسكب النعمة الإلهيّة داعيةً إيانا لنحيا كآلهة. انطلاقاً من هذه النظرة إلى الخطيئة ندرك لماذا أراد المسيح أن يغفر لذلك المخلّع خطيئته قبل شفاء أعضائه. بنظرة عقلانيّة فقط نستطيع أن نتساءل بحق ما هي دواعي الصوم، فهو تعذيب للجسد، أو لماذا الصلاة التي قد تبدو بلاهة! ولكن إن كنَّا نطلب النعمة الإلهيّة فالسؤال يُعكَسُ ويصير لماذا لا نصوم، ولا نصلي، ولا نسهر...؟ أَتؤمن؟ هذه هي مغامرة الإيمان، لا بل هذا هو يقينه بالذات، أنّنا نقلع ونبحر معتمدين على ريح النعمة لا على تجذيف أيادينا الخاصّة. لكلّ إيمان أبعاده، للعقلانيّة حدودها التي لا تتجاوز الأطر الجسدانية، والبشريّة، والدهريّة. أمَّا أبعاد الإيمان فهي أمر آخر، لأنها تنفتح على النعمة الإلهيّة والمؤلِّهة، وتسير بنا بالروح إلى فردوس القدّيسين. العيش مع الله لا تحدّده المعرفة النظرية، فالله ليس موضوع أبحاث إنّما نعرفه بالخبرة الشخصيّة. فكيف نُخطئ إلى هذه الشركة بيننا وبين الله؟ وما هي الخطيئةُ في نهاية المطاف؟ لكل إيمان، ولكل مسيرة، وغاية، تعريف خاصّ للخطيئة. القدّيس سيرافيم ساروف يحدِّد غاية الإنسان المسيحيّ بـ "اقتناء الروح القدس"، لذلك فإنَّ كلّ ما يعيق هذه المسيرة هو خطيئة. على كفّة هذا الميزان يجب أن نزِين الرشوة، والمصلحة، وسائر الرغبات… وليس على موازين عقلانيّة أبناء هذا الدهر. هذه هي خطيئتنا الكبيرة، كما تقول الرسالة اليوم، أنّه إن كان الذين قد أهملوا بشارةً جاءت على لسان ملائكة قد أُدينوا، "فكم هي خطيئتنا نحن إن أهملنا خلاصاً كهذا" رافضين النعمة؟ هذه هي صرخة القدّيس بالاماس اليوم، أن نتحدّى العقلانيّة ساعين وراء النعمة، وذلك بالأصوام والأسهار والصلوات، متعالين فوق عالم العقلانيّة الأرضيّة المحدودة. فالبارّ بالإيمان يحيا، حتّى إذا ما تقبَّلنا بالطهارة النعمةَ الإلهيّةَ، ندرك ونستحقّ كلمة المسيح: "يا بنيَّ مغفورةٌ لك خطاياك، وها قد عوفيت فلا تعد تخطئ". آميــن المطران بولس يازجي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ كلمة الراعي المـخلـوق واللامـخلـوق "هي تزول وأنتَ تبقى" يجيب بولس الرسول هنا في الرسالة إلى العبرانيّين على حيرة هؤلاء حول شخص يسوع المسيح. لقد راح البعض يعلُون شأن يسوع فوق الملائكة، وهذه الأخيرة هي أسمى المخلوقات! لكن هذا العلوّ على سائر المخلوقات لم يُرضِ بولس الرسول، لأنّه بشكل من الأشكال يضع يسوع في هذا العالم المخلوق ولكن فوق الجميع. الفارق الأهمّ بين يسوع والكائنات هو أنّه الله المتجسّد وليس ملاكاً متجسّداً (مثلاً)! لذلك الفارق ليس مسافةً في العلوّ والسموّ بل أنّ هذا الله المتجسّد يأتي من عالم كليّاً غير عالمنا. وإليكم، يقول بولس الرسول، الفارقَ الأهمّ بين العالمَين، هذا الذي نحياه وذاك عالم الله: أن عالمنا يفنى ويبلى كالثوب بينما عالم الله هو عالم عدم الفساد وسنوه لن تفنى. الفارق الأساسيّ إذن هو أنّ اللهَ غيرُ مخلوقٍ، وبهذا يختلف عن العالم الذي أبرأه المخلوق. إنّه الفارق بين اللا-مخلوق وبين المخلوق. "أنتم من أسفل. أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم. أما أنا فلست من هذا العالم". "حيث أمضي أنا لا تستطيعون أنتم أن تأتوا" (يو 8، 21-23)، هذه الكلمات وجّهها يسوع لليهود قبل أن يحكموا عليه بالموت، فلم يفهموا ما يقول! لقد كان يسوع يكلّمهم عن هذا الفارق الشاسع بين عالمنا المخلوق والعالم غير المخلوق الذي جاء ونزل هو من سمائه. ولا أحد يصعد إلى هذه السماء إلاّ الذي نزل ابن الإنسان الذي هو في السماء (يو 3، 12-14). إذن، الاختلاف الأساسيّ بين العالم المخلوق وغير المخلوق هو البلى وعدم البلى. لذا يقول بولس الرسول مقارناً بين يسوع الإله والملائكة وكلّ الخلائق فيقول: "هي تزول وأنت تبقى". ليس الفارق الأهمّ بين الله هو "الدور"، أي أنّه هو "الخالق" ونحن المخلوقات. ليس هذا الفارق كما هو بين الجابل والجبلة أو النجّار والخشبة! لأنّ الجابل والجبلة والنجّار والخشبة هم من العالم ذاته. الفارق بين النجّار والخشبة أنّ الأوّل هو الفنان والثانية هي مادّته، من جهة؛ ومن جهة أخرى أنّ هذا الفنان يعمل مع مادّة موجودة أمامه. بينما اللهُ فهو ليس من عالم المادّة المخلوق، التي جاءت في لحظة من الزمن ولم تكن معه أزليّاً، لأنّه "جلبنا من العدم إلى الوجود". لم يتفنّن الله بمادّة عمياء فحوّلها إلى خليقة منظّمة! لقد "خلق" الله، بمعنى أنّه هو كان أزليّاً في الوجود ثم جلب إلى الوجود الخليقة. الفارق هو طبيعة العالمَين وليس في مراحل تطوّر المادّة. العالم المخلوق يأتي في لحظة (بداية) ويخضع لتوصيف المادّة كالطول والعرض والوزن والعمر والنوعيّة، أي لعناصر الزمان والمكان. أما الله فهو قبل هذه الأوصاف والتعاريف. يقول القدّيس مكسيموس: "الله هو فوق الفائق، وأبعد من اللامدرك". إنّ عالم الله لا يبلى، لا يشيخ، لا يبدأ ولا ينتهي. هذه الأخيرة هي صفات العالم المخلوق. "ما هو الله"، أي ما هو عالمه وما هي طبيعته؟ هذا سؤال غير منطقيّ في معرفتنا المسيحيّة عن الله! ما دام الله يفوق الإدراك البشريّ ومن عالم غير عالمنا يغدو هذا السؤال عبثاً! إذا حدّدنا "ما هو" الله نكون قد اعتبرناه مادّة من مواد عالمنا. عندها يعدم أن يبقى إلهاً! يصير هكذا الله أيّ شيء غير الله! الله هو "الكائن". نعم، هكذا عرَّف اللهُ نفسَه لموسى، عندما سأله الأخير من أنتَ: ما اسمك؟ و"الكائن" لا تعني أنّه من الكائنات أبداً، ويساعدنا على ذلك استخدام "الـ" التحديد والتمييز. من هذه الناحية تسمية الله "الـ كائن" هي التسمية الأنجح والممكنة للبشر، شرط ألاّ نخلطه مع سائر الكائنات (المخلوقات). فهذه "الـ" تعلّمنا وتميّز لنا أن الله "الكائن" هو مختلف بالكليّة ومتمايز بالمطلق عما نسمّيه "كائنات": خلائق. إذن كيف نعرف الله ما دمنا لا نستطيع معرفة "ما هو الله"! هذا الأمر سهل، خاصّة عندما ننتبه إلى ما نقصده بـ "معرفة". إذا أردنا أن نعرِف مادّة علينا أن نحدّد طولها وعرضها ووزنها والخ...، ولكن إن أردنا أن نعرف شخصاً فتختلف عندها التحديدات. ومع الله يحدث ذلك بالأكثر. فمعرفة الله ممكنة ولكن كما أرشدنا إليها يسوع: "مَن رآني فقد رأى الآب"، قال الرب يسوع في إنجيل يوحنّا (9،14)، و"الله لم يرَه أحدٌ قط"، يقول الإنجيليّ ذاته (18،1). وهنا لا يوجد أيّ تناقض رغم الاختلاف الواضح! يقول القدّيس غريغوريوس، الذي نعيّد له اليوم "الله مجهول لنا بطبيعته لكنّه معروف لنا بأعماله وأفعاله". لهذا قال يسوع، رغم أنّ الله لا يراه أحدٌ بطبيعته، أنّه مَن رأى يسوع يرى الآب، لأنّ تجسّد يسوع هو أوضح حدث عن محبّة الله وأفعاله! لا يمكننا إذن إدراك جوهر الله وطبيعته، لكنّنا نستطيع أن نفهم وندرك إرادته ومحبّته الظاهرة من أفعاله، وأعظمها تجسّد الربّ يسوع. لا يُعرف الله بطبيعته، لكنّ الله يُعرف عن طريق عشرته والتأمّل في أعماله والشكر عليها وتسبيحه. معرفة الله تحصل إذن ليس بتحديده ولكن بمحبّته وحفظ وصاياه. هكذا إذن ليس يسوع خليقةً أرفعَ حتّى من الملائكة، ولا هو أيضاً خالق الملائكة وحسب، بل هو من فوق ونحن الخلائق، ملائكة وبشر، من تحت. هو غير مخلوق ونحن خلائق. هو لا يبلى ونحن نبلى (مائتون)، وشتّان بين العالمَين. لذلك علينا أن نصغي إلى ما سمعناه من وصايا الربّ إصغاءً أشدَّ... فإنّها "إن كانت الكلمة التي نُطق بها على ألسنة ملائكة (خلائق) قد ثبتتْ، وكلّ تعدٍّ ومعصيةٍ نال جزاءً عدلاً" فكيف نفلت نحن إن أهملنا خلاصاً عظيماً كهذا، قد ابتدأ النطق به على لسان الربّ غير المخلوق؟ إذا كنّا نسمع للناموس وللنبوءات، وهذه أُعطيت لأنبياء عن طريق الملائكة، فإنّ سماعنا ليسوع اليوم لا يُقارن مع ما سبق، لأنّه لم يأتِ على لسان خلائقٍ، بل على لسان الربّ ذاته! لهذا يسمّي بولس "العهد الجديد": "خلاصاً عظيماً كهذا". إذا كنّا نحن المسيحيّين، نحترم محافظة العبرانيّين على تطبيق وصاياهم الدينيّة التي جاءت على لسان خلائق، فكم بالحريّ علينا أن نحافظ على وصايانا المسيحيّة التي جاءت على لسان مَن هو أعظم بكثير دون مقارنة، أي من الربّ نفسه! كيف نتّصل نحن البشر الخلائق بالله غير المخلوق؟ نتصل به بواسطة الأسرار والصلاة والكلمة والوصايا... وعندما نتّصل به نحيا معه فنعرفه ولو جهلنا جوهره. بين الله والخليقة هناك عمل محبّة واحد هو "الخلاص العظيم هذا"، فمَن عاش فيه عرف الله ومن لم يمارسه جهله! لقد خلق الله عالمنا هذا بالأساس لأنّه محبّة. عيش هذه المحبّة مع الله هي الطريق إلى معرفته. "مَن أحبّني حفظ وصاياي وعنده نأتي ونصنع لنا مسكناً (يسوع والآب)"، آمين. المطران بولس يازجي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نظرة لوط ونظرة إبراهيم |
نظرة الله ونظرة الناس |
الخطيئة من نظرة بالاماسيّة ونظرة عقلانيّة |
المستقبل بين نظرة الإيمان ونظرة العيان |
نظرة لوط ونظرة إبراهيم |