رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رهان واشنطن غير الديمقراطى على الإخوان بعد زيارة لواشنطن فى ربيع ٢٠١٢ ولقاءات متعددة مع سياسيين وباحثين أمريكيين، ثبت لى أن الإدارة الأمريكية -وهى تبنى سياستها تجاه مصر بعد الثورة- تراهن استراتيجياً على جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة وتنظر لهما باعتبارهما ركيزة الحياة السياسية وطرفاً فى معادلة «حكم مصر» التى تشغل المؤسسة العسكرية -فى القراءة الأمريكية- طرفها الآخر. آنذاك وفى هذه الزاوية، أكدت على أن واشنطن وهى تنظر لمصر بعد الثورة تضع مكتب الإرشاد وقيادات حزب الحرية والعدالة فى ذات المكان الذى شغلته نخبة حكم الرئيس السابق (قبل أن تتوتر علاقة النخبة هذه بالإدارات الأمريكية فى السنوات الأخيرة قبل يناير ٢٠١١) وتتوقع من الإخوان «الإسهام الإيجابى» فى حماية مصالحها المتمثلة فى أمن إسرائيل وإمدادات النفط وتأمين قناة السويس ومواجهة الإرهاب والعلاقات الاقتصادية والتجارية الجيدة. أكدت أيضاً أن توقعات واشنطن بشأن «فاعلية» الإخوان مرتفعة للغاية وتتجاوز سقف توقعاتها مجمل زمن الرئيس السابق، وأن الرهان الاستراتيجى على الإخوان يمتد خارج الحدود المصرية ويتحول إلى رهان أمريكى على وصول أحزاب وتيارات اليمين الدينى إلى سدة الحكم فى الدول العربية باستثناء الخليج وقدرتهم على قيادة العرب باتجاه مشابه لتجربة العدالة والتنمية التركى ودون تهديد للمصالح الأمريكية. وبالفعل، وبعد انتخاب الرئيس محمد مرسى ودون التورط فى التفسيرات التآمرية للدور الأمريكى فى الانتخابات الرئاسية والتى تجافى الموضوعية وتهين إرادة الناخبات والناخبين الذين جاءت أغلبيتهم عبر صندوق الانتخاب بمرسى رئيساً للجمهورية، بدأت «فاعلية» الإخوان فى حماية المصالح الأمريكية تترجم إلى سياسات وإجراءات. نجح الرئيس مرسى ومعه أجهزة سيادية فى التوسط بين الفصائل الفلسطينية وحكومة اليمين الإسرائيلية لإنهاء عدوان الأخيرة على قطاع غزة والتوصل إلى اتفاق أمنى للتهدئة ينفذ وقابل للاستمرار بضمانات مصرية وبرضاء أمريكى. أعاد الرئيس مرسى صياغة الموقف المصرى تجاه سوريا على نحو يتسق مع خط واشنطن وحلفائها فى تركيا والخليج والساعى لإسقاط نظام الديكتاتور الأسد، ولم يحل الانفتاح الرسمى المصرى على إيران، وهى الحليف الرئيس للأسد، دون ذلك. وثّق الرئيس، ومعه جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، علاقات التعاون الاستراتيجى بتركيا وقطر وشرعت مصر فى التحرك إقليمياً فى الدائرة التركية القطرية. وبشأن التهديدات الإرهابية وتنامى وجود جماعات عنفية فى سيناء، قدم الرئيس، مجدداً بعيداً عن التفسيرات التآمرية غير الموضوعية، الغطاء السياسى للعمليات التى تقوم بها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية فى سيناء وفتح أبواب التنسيق الأمنى والعملياتى مع واشنطن على مصراعيها. فاعلية الإخوان هذه، والتى فى بعض سياساتها وإجراءاتها لا تتناقض مع المصالح الوطنية المصرية، هى دافع الإدارة الأمريكية الرئيسى للاستمرار فى الرهان الاستراتيجى على الإخوان وتوثيق العلاقة بهم. وهناك دوافع أخرى، وإن غابت عنها الموضوعية. فالكثير من الأصوات التى تؤثر فى صناعة سياسة الإدارة الأمريكية تجاه مصر، وفى الصدارة تأتى السفارة فى القاهرة، تروج بكثافة لادعاء مؤداه أن الإخوان لديهم من القدرات التنظيمية والجماهيرية والمالية ما لا يتوفر لمنافسيهم ويمكنهم من السيطرة على السياسة المصرية والهيمنة على أحداثها الكبرى متمثلة فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتشكيل الائتلافات الحاكمة. تروج السفارة أيضاً لادعاء آخر محدود القيمة الموضوعية هو أن الإخوان، مقارنة ببقية أحزاب وتيارات الإسلام السياسى فى الخانات السلفية، يتسمون بالاعتدال ويلتزمون بالإجراءات الديمقراطية. أخيراً، تصنع السفارة الأمريكية فى القاهرة ومعها أصوات هامة فى واشنطن انطباعاً زائفاً مكملاً يرتبط بضعف وتهافت المعارضة ومحدودية وجودها الشعبى وانقساماتها المستمرة واستحالة التعامل معها فى إطار ديمقراطى، ويترتب عليه الدفع بضرورة الرهان على الإخوان بمفردهم، ومن ورائهم بالقطع الطرف الآخر فى معادلة حكم مصر كما تفهمها واشنطن، القوات المسلحة. تعدم مجموعة الادعاءات والانطباعات هذه الموضوعية وتدفع واشنطن لحسابات غير دقيقة، لا تختلف عن حساباتها مجمل زمن الرئيس السابق. فقدرات الإخوان التنظيمية والجماهيرية والمالية تؤهلهم للفوز بالانتخابات، إلا أنها لا تكفى لحكم مصر بكفاءة وفاعلية وتحقق مصالح القطاعات الشعبية الواسعة. والتزام الإخوان بالإجراءات الديمقراطية، والتى تختزلها واشنطن فى مجرد المشاركة فى الانتخابات، لا يختلف عن التزام السلفيين وحزب الجماعة الإسلامية (البناء والتنمية) والأخطر أن الإخوان وهم يشاركون فى الانتخابات ويفوزون بها يعصفون بمرتكزات أساسية للديمقراطية كسيادة القانون وحيادية أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية والتوافق الوطنى حول الدستور والقوانين الرئيسية لمرحلة الانتقال الديمقراطى وحقوق الإنسان. فالرئيس المنتخب، والذى أحترم كونه منتخباً وشرعية الصندوق التى اكتسبها، عصف باستقلال السلطة القضائية. وجماعته وحزبها يطبقان خطة متكاملة للسيطرة على أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية (والإشارة ليست للمناصب السياسية) وإحلال هيمنة الحزب الحاكم القديم على الدولة بهيمنتهم هم. والتوافق حول الدستور تم تجاهله بالكامل، ودُفعت مصر إلى استفتاء شعبى فى ظروف مجتمعية قاسية جوهرها الاستقطاب وتُدفع اليوم مجدداً وفى ذات الظروف إلى الانتخابات البرلمانية. وانتهاكات حقوق الإنسان وإهدار كرامة المواطن تتكرر تماماً كما يتكرر الإفلات من العقاب ويستمر غياب الإجراءات الحقيقية لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ودفعها لاحترام الحقوق والحريات. والادعاء بكون المعارضة المصرية ضعيفة وغائبة عن الشارع غير دقيق، وكذلك تغيب المصداقية عن الزعم الأمريكى بأن المعارضة لا تريد الديمقراطية ولا تقدر عليها. فالدعوة لتغيير قواعد العملية السياسية الدستورية والقانونية والتنفيذية غير العادلة ولوقف انتهاكات حقوق الإنسان ولضمان نزاهة الانتخابات كشروط للمشاركة لها جوهر ديمقراطى واضح وترفض فى التحليل الأخير اختزال الديمقراطية فى صندوق انتخابات دون ضمانات وفى برلمان بمعارضة ديكورية. إلا أن الفاعلية الإخوانية فى حماية المصالح الأمريكية ومعها مجموعة الادعاءات والانطباعات الزائفة السابقة تدفع واشنطن للرهان الاستراتيجى على الجماعة وحزبها، وتسم من ثم السياسة الأمريكية تجاه مصر بذات السمات غير الديمقراطية التى اتسمت بها مجمل زمن الرئيس السابق. التغير الوحيد الحقيقى هو فى استبدال مكتب الإرشاد بنخبة حكم الرئيس السابق، وفى احتفاء واشنطن بالانتخابات فى مصر كدليل تحول ديمقراطى (وواشنطن لم تكن قادرة على توصيف سياسات النظام السابق بمفردات الديمقراطية). اليوم كما فى مجمل زمن الرئيس السابق، تصمت واشنطن عن القواعد غير العادلة للعملية السياسية ولا تعترض على دستور يظل مشوهاً بعد الاستفتاء الشعبى عليه لعصفه بالحقوق والحريات ولا تعلن رفضها لتهميش النساء المستمر ولا لانتهاكات حقوق الإنسان المتكررة. اليوم كما فى مجمل زمن الرئيس السابق، تروج واشنطن لضعف المعارضة وتستبعدها من حساباتها ولا تريد منها إلا المشاركة فى الانتخابات حتى وإن لم تتوفر ضمانات النزاهة السياسية والإجرائية. اليوم كنا فى مجمل زمن الرئيس السابق، تدفع واشنطن إلى الواجهة بقناعة مؤداها أن الطرف الحاكم فقط هو القادر على إدارة السياسة والبلاد وأن البدائل غائبة وتصمت عن حكومة غير فعالة وسياسات إصلاحية غائبة وأوضاع اقتصادية ومعيشية كارثية. اليوم وعلى عكس مجمل زمن الرئيس السابق، تحولت الدفة الأمريكية إلى مكتب الإرشاد وقيادات الحرية والعدالة الذين تحتفى واشنطن برغبتهم الدائمة فى إجراء الانتخابات كجوهر التحول الديمقراطى فى مصر وتصمت عن سيادة قانون تنتهك وسلطة قضائية يعصف باستقلالها وأجهزة دولة غير محايدة، وكل هذه أمور تنزع عنا القدرة على التحول الديمقراطى الحقيقى. واشنطن هى حليف الإخوان الاستراتيجى ورهانها عليهم، تسهم فى صناعته والترويج له بانطباعات زائفة السفارة الأمريكية فى القاهرة، والإخوان يحمون المصالح الأمريكية بفاعلية ويوظفون صمت واشنطن عن نواقص التحول الديمقراطى والقواعد غير العادلة للعملية السياسية للمزيد من الضغط على المعارضة والمضى قدماً فى السيطرة على الدولة. واشنطن تنحاز للإخوان وتستخف بالمعارضة وبالقطاعات الشعبية الرافضة للأوضاع الحالية، وهى تتجاهل حين تروج لديمقراطية الإخوان قيم الديمقراطية الأمريكية التى تستند إلى سيادة القانون والحرية وحقوق الإنسان وتداول السلطة. مجدداً تقع الإدارة الأمريكية فى مصيدة القراءة الخاطئة والحسابات غير الدقيقة للواقع المصرى، مجدداً تبحث واشنطن مدفوعة بالفاعلية فى حماية مصالحها عن الشريك السياسى الوحيد وتزاوج بين دوره ودور المؤسسة العسكرية. وهى هنا أيضاً تنقلب على خطابها فاقد المصداقية عن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان فى مصر، فرهان الولايات المتحدة الاستراتيجى على الإخوان غير ديمقراطى أو يختزل الديمقراطية فى انتخابات فى أفضل الأحوال. تظل البيئة الدولية أوسع بكثير من أن تختصر فى السياسة الأمريكية، بل وتظل واشنطن حين النظر للكونجرس والمراكز البحثية والرأى العام أكثر تنوعاً فى قراءة الحالة المصرية عن الإدارة والسفارة المنحازة. تواصل المعارضة مع البيئة الدولية ومع المراكز الأخرى لصنع القرار فى الولايات المتحدة ضرورة، والأخيرة تتجاوز بوضوح مجرد قبول اللقاء مع الوفود الرسمية الأمريكية فى القاهرة بترتيبات منحازة ومهينة. الوطن |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|