رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جسيم هيغز و لغز المادة المضادة
ما هي المادة المضادة؟ المادة المضادة ببساطة، هي عبارة عن النظير المعاكس تماماً للمادة، فإذا أخذنا الالكترون كمثال، فهو عبارة عن جسيم ذو كتلة أصغر من البروتون بـ 1800 مرة، و مشحون سلباً، و بنفس الخواص، سنحصل على البوزيترون(Positron)، الذي هو أيضاً جسيم كتلته أصغر من كتلة البروتون بـ 1800 مرة، إلا أنه مشحون إيجاباً! و هذا الكلام، ينطبق على كل الجسيمات الفيزيائية الأساسية، فالبروتون له مضاد بروتون، و الكوارك له مضاد كوارك و هكذا... الفكرة المثيرة، أن المادة و المادة المضادة لا يمكن أن يرتبطا سويةً لتشكيل مركب جديد، على العكس، فإن نتيجة لقاء جسيم مع مضاده ستكون مأساوية، حيث سيحصل فناء لهما معاً، مع إطلاق كمية كبيرة من الطاقة! لذلك يمكنك أن تتخيل كيف كانت تفاجأ العلماء في عام 1978 عندما التقط بالون أشعة جاما المحمولة اشارات من الفضاء تفيد بتفاعلات الاليكترون البوزيترون. والأشعة ذات الطاقة العالية كشفت عن ما يعتقد بأنه سحابة من المادة المضادة تبلغ مساحتها 10,000 سنة ضوئية، اي ما يقارب الـ 3,000,000,000 كيلومتر، وأين هي؟ انها في قلب المجرة! وظل الباحثون و العلماء يبحثون عن تفسير لوجود هذه الكمية الهائلة من المادة المضادة بعد ان ظنو انها اختفت كلياًعند نشاة الكون. و حُل اللغز في عام 2008 حين قام المرصد الفلكي التابع لوكالة الفضاء الاوروبية (INTEGRAL) بإلقاء اللوم على الثقوب السوداء و النجوم النيوترونية. فعندما يموت النجم. قد يصبح تبعاً لحجمه، نجم نيوتروني او ثقب اسود، فينكمش على نفسه الى الدرجة اللتي تسحق فيها مادته وتصبح كثافته هائلة و لدرجة ان ملعقة الشاي من هذا النجم قد يبلغ وزنها مليار طن!! و نتيجة لهذه الظروف العجيبة و الخارقة يتولد مجال اشعاعي كثيف، و يعتقد علماء وكالة INTERGAL, بان هذه المجالات تتداخل بطريقة عشوائية لتولد الالكترونات و البروتونات. دعونا نحطم بعض الذرات! كارل أندرسون أثبت نظرياً وجود البوزترونات في العام 1932 ، ولكن كان علينا الانتظار حتى العام 1955 لنشاهد البروتون الذي يحمل شحنة سالبة ،البروتون المضاد. كيف ذلك؟ الطريقة التي أمل العلماء في مشاهدته بها هي من خلال صناعته في المعمل! للحصول على بروتون مضاد عليك الحصول على "مسرع جزيئات" قادر على إعطاء ستة ملايين إلكترون فولت! وهو ما حدث في العام 1954 حين حصل مجموعة من الفيزيائيين على مسرع بإمكانه القيام بهذه المهمة وهو البيفاترون في معمل لورانس بيركلي الوطني في كاليفورنيا بالولايات المتحدة. ومسرع الجزيئات ببساطة هو عبارة عن جهاز يقوم بتسريع جزيئات المادة لسرعة تقارب سرعة الضوء ثم يقوم بصدمها مع بعضها البعض لسحق المادة إلى أبسط مكوناتها، ثم تقوم أجهزة رصد فائقة برصد هذه الجسيمات التي تظهر لأجزاء من الثانية لتحليلها، وحينها سيظهر هذا البروتون المضاد لمدة واحد على عشرة ملايين من الثانية قبل أن يصطدم ببروتون ويختفي الاثنان!!! لم يستطع العلماء بالطبع مشاهدة هذا البروتون المضاد في هذه اللحظات فائقة السرعة ولكن استطاعوا ملاحظة آثار اصطدام البروتون المضاد بالبروتون وهو ما أثبت فعلياً وجود هذا الجسيم. حلم محركات المادة المضادة Dreams of Antimatter Engines إذا كنت تفكر بالمادة المضادة، على أنها من الممكن أن تكون وقوداً مستقبلياً، فأنت حتماً لست وحدك.. العلماء (خصوصاً أصحاب النظرات المستقبلية منهم) قد وضعوا العديد من التصورات و الأفكار حول كيفية صنع محركات جديدة من المادة المضادة، حتى أن وكالة الفضاء الأمريكية NASA قد وضعت أفكاراً حول كيفية صنع مركبات فضائية جديدة باستخدام المادة المضادة، يتم إكمالها باستخدام حلقات مغناطيسية، لتأمين السلامة المطلوبة. قم بجمع القليل من المادة المضادة، مع المادة الأصلية، و عندها سنحصل على فناء للمادتين معاً، منتجين كل الطاقة التي سنحتاجها، لتشغيل مركبة فضائية، أو أي شيء آخر، و بحسب NASA فإن غرام واحدة من المادة المضادة مع المادة الأصلية، قد ينتج طاقة دفع أكبر بـ 1000 مرة من الطاقة الناتجة عن استخدام الوقود التقليدي في دفع المركبات. إذاً فالفكرة من حيث المبدأ، لا تختلف كثيراً عن استخدام الوقود و حقنه بمادة مولدة للاشتعال، من أجل إنتاج طاقة الدفع، المشكلة تكمن في أن المادة المضادة، هي واحدة من أكثر المواد تكلفةً من حيث الإنتاج، في الكون كله. معامل المادة المضادة Antimatter Factories هل سنستطيع الحصول على كل المادة المضادة التي نحتاجها من أجل إنتاج الطاقة؟ أحد الأفكار العلمية المطروحة هي ببناء معامل جديدة تقوم ببناء المادة المضادة. الجانب السيء بالموضوع، هو أن ما يتم إنتاجه حالياً من المادة المضادة، غير كافي و خجول جداً من الناحية الكمية، فلو أخذنا مثلاً مركز الأبحاث الأوربي للعلوم النووية CERN، فإن ما يقومون بإنتاجه من المادة المضادة(تحديداً يقومون بإنتاج مضاد البروتون Anti-Proton)، يكفي لإنتاج طاقة كهربائية لمدة (3) ثواني! و من ناحية أخرى، فإنه حسب مجلة Propulsion and Power، فإن قدراً بسيطاً يعادل جزء من المليون للغرام، قادر إمداد رحلة فضائية إلى المريخ بالطاقة اللازمة لها! على ما يبدو حالياً، فإنه لا يوجد وسيلة تمكننا من الحصول على الكميات الكبيرة من المادة المضادة الموجودة بمركز مجرتنا، أي أننا غير قادرين على التنقيب عنها...أم أننا نستطيع؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار المادة المضادة التي تقوم بإنتاج المشاعل الشمسية، فإننا قد نستطيع الحصول على ما نريد، فأحد الاقتراحات من NASA هو باستخدام سلك ضخم لاستحصال المادة المضادة القادمة يومياً للأرض، و الناتجة عن الشمس، حيث استخدام سلك ضخم مشحون بشحنة إيجابية، قد يستطيع جذب كميات كبيرة من مضادات البروتون (Anti-Proton) السالبة، و ذلك بالتزامن مع نبذ أي بروتون موجب، قد يؤدي لحدوث فناء مع مضاده، و يفسد الفرحة علينا جميعاً!. جسيم هيغز...و محاولة الكشف عن اللغز شكلت المادة المضادة أحد أكبر المعضلات في تاريخ الفيزياء الحديث، فحسب التجارب، فنتيجة اللقاء الحتمي لجسيم و نظيره المضاد ستكون مأساوية و منتهية بالفناء الحتمي لهما، فكيف إذاً توجد حياة؟ و لماذا لا تحصل عمليات فناء؟ الجواب ببساطة كان أن كمية "المادة" أكبر بكثير من كمية "المادة المضادة"، و بذلك، فهمها حصل فناء، فسيبقى هناك كميات كافية من المادة لبناء الجزيئات و الأجسام و كل مظاهر الحياة المعروفة. و بالعودة لنفس الفكرة، فسنتنقل للسؤال التالي: تحت أي شروط من تكون الكون أصبحت كمية المادة أكبر من كمية المادة المضادة؟ و تحت أي شروط تباين هذين النمطين المتعاكسين من الجسيمات؟ خصوصاً أنهما يشكلان حالة فريدة من نوعها في التناظر Symmetry، و التي يجب أن تكسر بشكل كامل، كي نستطيع أن نميز الحياة التي نعرفها اليوم. هذا ما سيقود بكل تأكيد لجسيم هيغز، ذلك الجسيم المراوغ، الذي حير العلماء طوال أكثر من 40 عام، في البحث عنه. بوزون هيغز (Higgs boson) . جسيم أولي يُظن أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. وقد تم رصد إشارات لجسيم هيجز عملياً في عام 2011 في ما يعرف بـ مصادم الهادرونات الكبير، وأعلن مختبر سرن في 4 يوليو 2012 أنه متأكد بنسبة 99.999% من وجود بوزون هيغز فعلياً. وكان قد تنبأ الفيزيائي الإسكتلندي "بيتر هيغز" عام 1964 بوجوده في إطار النموذج الفيزيائي القياسي الذي يفترض أن القوى الأساسية قد انفصلت عند الانفجار العظيم ، وكانت قوة الجاذبية هي أول ما انفصل ثم تبعتها بقية القوى. ويُعتقد طبقا لهذه النظرية أن البوزون - وهو جسيم أولي افتراضي ثقيل ، تبلغ كتلته نحو 200 مرة كتلة البروتون - هو المسؤول عن طريق ما ينتجه من مجال هيغز عن حصول الجسيمات الأولية كتلتها ، مثل الإلكترون والبروتون و النيوترون وغيرها . وتمكن العلماء من رصده عمليا بنسبة 99.999% بواسطة مصادم الهادرونات الكبير (LHC) الموجود في مختبر سرن حيث تصل فيه سرعة البروتونات إلى سرعة الضوء تقريبا. والأعظم من ذلك أنه في معجل الهادرونات الكبير يصوب شعاعي بروتونات كل منهما بسرعة مقاربة لسرعة الضوء ضد بعضهما رأسيا، ثم دراسة نتائج هذا الاصطدام الذي يماثل ظروف الانفجار العظيم على مستوى مصغر. ولتمثيل ظروف اللحظة الزمنية 10−35 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، والتي يُعتقد أن بوزونات هيغز تكونت عندها، يتطلب تخليقها ظروفا قد تصل إلى 5000 مليار إلكترون فولت. تم تأكيد وجود جسيم هيغز من قبل سرن يوم الاربعاء في 4 يوليو 2012. فأهمية جسيم هيغز إذاً، أنه يشكل الحلقة المفقودة في النموذج المعياري للفيزياء الحديثة، و التي تنبأ بها الأمريكي فرانك ويلتشيك لأول مرة في السبعينيات من القرن الماضي، و قد تم إثبات وجود كل الجسيمات المتعلقة بهذا النموذج، باستثناء جسيم هيغز. جسيم هيغز، عبارة عن جسيم يمتلك عزم ذاتي (سبين) يعادل الصفر، و هو ينتمي لصنف من الجسيمات الأولية يعرف بالبوزونات، و هي المجموعة الأساسية التي شكلت المجموعات الأخرى، و بحسب النظرية التي تنبأ بها الفيزيائي الاسكتلندي بيتر هيغز، فإن هذا الجسيم و الحقل المرافق له، هما المسؤولان عن تكوين الجسيمات الأخرى و تمايزها. حسناً، ما علاقة هذا بالمادة المضادة؟ كلنا نعلم اليوم، أن الكون قد تكون منذ حوالي 13.5 مليار سنة، بالانفجار العظيم، و وفقاً للنظرية، فإن كل الجسيمات و كل أشكال الحياة قد تشكلت بعد الانفجار العظيم، أي أن الجسيمات لم تكن موجودة بتاتاً، لا بروتونات و لا الكترونات و بوزيترونات و لا أي شكل من أشكال الجسيمات. بحسب بيتر هيغز، فإنه بعض وقت قليل جداً من الانفجار العظيم (10-38 جزء من الثانية بعد الانفجار العظيم) كان يوجد نوع واحد من الجسيمات، وهو بوزونات هيغز، و من ثم تشكل حقل هو حقل هيغز، الذي ستكتسب به الجسيمات طاقة (كتلة) و من ثم، بحسب الطاقة المكتسبة ستتمايز الجسيمات، و تأخذ خصائص مختلفة. بهذه الطريقة، فإن معرفتنا و تحديدنا لجسيم هيغز، و كيفية تصرفه و تكونه، ستجعلنا نعرف أكثر كيف تتشكل المادة، و كيف تتشكل المادة المضادة، و لماذا هناك فرق بالكمية بينهما. أحد الأفكار الفيزيائية الحديثة، حول إمكانية وجود أكوان أخرى، موازية لنا، مكونة تماماً من المادة المضادة! أي أنها أكوان مضادة لنا، تكونت و تشكلت بظروف مغايرة للطريقة التي تشكلنا نحن بها، بعد الانفجار العظيم، إلا أنه بغياب الأداة المناسبة، و القدرة التجريبية على التحقق من الأفكار النظرية، فإن أملنا الوحيد اليوم بكشف النقاب عن المادة المضادة، هو الإعلان النهائي من CERN عن اكتشاف جسيم هيغز، وهو ما نأمل به قريباً جداً. المصادر: 1- كتاب "الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون" – ستيفن واينبرغ – منشورات المعهد التطبيقي للعلوم و التكنولوجيا – دمشق سورية 2- كتاب "موجز تاريخ الزمن" – ستيفن هوكينغ – منشورات دار طلاس – دمشق سورية 3- كتاب "البحث عن اللانهاية في أسرار الكون" – تقديم ستيفن هوكينغ – منشورات المعهد التطبيقي للعلوم و التكنولوجيا – دمشق، سورية 4- كتاب "الكون" – كارل ساغان – سلسلة عالم المعرفة - الكويت 5- Wikipedia the Free Encyclopedia, Key words: Higgs Boson – Anti-Matter – Standard Model of Particle Physics |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|