رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
” اليوم يولد من البتول الضابط والخليقة بأسرها في قبضته” ايها الاحباء: اليوم تدعونا الكنيسة المقدّسة أن نأتي إلى المغارة إلى الرب المولود وأن نسجد له بتواضع وتوبة. اليوم سمعنا الترنيمة الملائكية: المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام (لو 2: 14). وبالنسبة إلى الكثيرين منّا الذين استعدّوا للعيد بوداعة وتواضع وصوم وصلاة من خلال خدمة الليتورجيا التي تقدّمها الكنيسة، فهذه الترتيلة بالنسبة إليهم ليست مجرّد كلمات إنما هي حالة ملائكية ملؤها السلام والنعمة. نحن هنا اليوم نرتل بفرح: “المسيح ولد ، حقا ولد “. نحن هنا اليوم اتينا بفرح لاستقبال المخلص المولود،لذا من سنة الى اخرى يعود الينا عيد النور والفرح الكامل ،اذ نشعر بقوة جديدة لانه يحمل مع كل سنة يمتلئ بمعنى جديد وبفرح جديد . عندما أتينا مع الملائكة والرعاة والمجوس لنسجد لسيّدنا المولود في مذود، يجب علينا أن نفهم أين نحن من قول لنا الكتاب المقدّس إن الله هكذا أحبّ العالم حتى بذل ابنه الوحيد ليخلص العالم. انتم تعلمون يا احباء: أنّ المحبّة تصل إلى كمالها عندما يستطيع الإنسان أن يبذل حياته ونفسه من أجل من يحبّ. كم هي عظيمة وعميقة محبّة الله لنا – ليس في الماضي، بل في الحاضر أيضاً – عندما يولد المسيح من جديد ونراه في مغارة نفوسنا الداخلية، فيجب علينا ان نحافظ على ما تعطينا اياه الكنيسة ، الا وهو امكانية خلاص الانسان وامكانية ان يكون الها بالنعمة. هكذا أحبّنا الله حتى أنه لم يرسل إلا ابنه لكي يخلّصنا بتجسّده وبصلبه وبموته، ولم يكن من الممكن إرسال أحد آخر لهذه المهمّة. يجب أن نستفيق ونفهم ونعي أنّنا لا نستطيع أن نستجيب للمحبّة الإلهية إلا بالتوبة والتواضع ( ولا بشيء اخر). أيْ يجب أن ننظر بإمعان داخل ذواتنا وندرك مسؤوليتنا عن تجسّد المسيح المخلّص وصلبه وأن نبدأ حياة تليق بمحبّته وذبيحته على الصليب. لا يعني هذا الكلام ان نضع انفسنا في الموت، بل يُقصد بالدرجة الأولى تكريس الحياة كلها لتسهيل حياة الاخر ومحبته ولمن يحتاج إلى التقوية والتعزية والفرح، حتى لا يموت أحد أمامنا بسبب الجوع والبرد ولا يبقى متروكاً وبلا مأوى. لا يُقصد هنا أن نموت موتاً حقيقياً بل أن نموت عن ذواتنا وننسى ذواتنا وكبريائنا ونتذكر الاخر وان نتصرف معه انطلاقا من هذا . هكذا نستجيب لهذه المحبة الالهية، التي تجسدت اليوم بولادة المسيح. بتغيير حياتنا ونبدأ ببناء حياتنا الروحية الحقيقية لا غش فيها ولا فيها من مظاهر الفريسية . وهكذا ايضا نبني بيوتنا ونربي اولادنا بشكل يليق بهذه المحبة الالهية. إن الرب يثق بنا، وينتظر منا كل شيء ويأمل في كل شيء ويحبّنا بحياته وبموته. فلنسعَ إلى أن تكون حياتنا لائقة بمحبّة المخلّص وعلى قدر من الكرامة لأن الله بمحبّته لنا هذه يكشف لنا مدى أهمّية الإنسان عنده. فلنكن مستحقين وجديرين لهذه الكرامة والمحبة الإلهية ومحبة الناس المحيطين بنا. ليكن عيد ميلاد المسيح هذا نقطة انطلاق جديدة تدفعنا إلى معرفة عظمة الإنسان عن عمق، لأن الله الذي صار إنساناً قد كشف لنا أن الإنسان عميق وواسع إلى درجة أنه في إمكانه أن يتحد بالله دون أن ينقص الله أو يحترق الإنسان في لهيب الألوهة. اخيرا ماهي العبر من ولادة الله في المغارة العبرة المهمة الاولى: التواضع هو الفضيلة الأولى التي علّمها المسيح للناس في الموعظة على الجبل. وقد ظهر هو بنفسه مثالاً لهذه الفضيلة بولادته في مغارة للغنم وليس في قصر ملكي. العِبرة المهمّة الثانية التي أعطاها الرب للعالم بولادته في مغارة تتلخّص في أنه ضيّق على نفسه ليعطي مكاناً للانسان والرضا بما هو ضروري ليحصل الآخرون على احتياجاتهم الضرورية. هناك عِبرة أخرى وهي أن المكان لا يجعل من الإنسان شخصاً مهمّاً، إنما الإنسان يجعل المكان مهمّاً. الإنسان هو القيمة الكبرى على الأرض. الغنى والبريق الخارجي لا يزيدان من كرامة الإنسان كما أن الفقر لا يُنقص منها. هناك أيضاً عِبرة أخرى من الرب وهي أن ملكوت السماوات أهمّ من كل الأشياء التي في العالم. ويمكن للإنسان أن يقتني ملكوت السماوات بصرف النظر عن مكان ولادته ومكان معيشته، سواء أكان في المدينة أو في القرية أو في الصحراء أو في المغارة. لقد أراد الرب أن يلقن درساً للعالم الذي كان ينتظر أن يشرق النور من المدن الكبيرة وهو أن النور الحقيقي يمكن أن يشرق من مغارة حقيرة. وهذا ما أثبته لاحقاً الكثيرون من النسّاك والشيوخ الكبار القديسين مصابيح الروح الحقيقية. فكونوا مغارة لولادة المسيح حتى تشرقوا منها للعالم شمس البر. المسيح ولد ، حقا ولد . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القيامة والخليقة الجديدة |
المولود أعمی .. والخليقة الجديدة |
القيامة والخليقة الجديدة |
الله والخليقة |
بين الخلق والخليقة الجديدة |