رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف العمل للمساعدة على تأمين شروط تربية عائلية أفضل مع ما تعنيه من انعكاسات إيجابية على الصعيد الديني؟ فتح المجال أمام الوالدين لاكتساب مستوى أفضل من النضج من خلال: أحاديث نفسية تربوية ـ استشارات حرة مفتوحة للأهل ـ اجتماعات دورية للأهل على شكل مجموعات يناقشون فيها ما يواجهونه من مشاكل في علاقاتهم مع أولادهم بحضور أحد الاختصاصيين. لمثل هذه الاجتماعات إيجابيات كبيرة منها مقارنة وجهات النظر ومواقف أخرى عند عائلات أخرى وبذلك يسهل على كل واحد ملاحظة أخطائه ويساعد الأهل على إجراء هذا النقد الذاتي وإعادة النظر في مواقفهم، بالإضافة إلى المؤازرة والدعم من الفريق المساعد والوصول إلى حلول يستفيد مها الجميع. أضف إلى ذلك أن المشاركين في مثل فرق العمل يتمرسون على الإصغاء والحوار اللذين هما من عوامل النضج ولا بدّ من أن ينعكس ذلك على علاقاتهم بأولادهم. إن وسائل التوعية الوالدية من أحاديث واستشارات واجتماعات فرق عمل هي من مقومات مؤسسة حديثة منتشرة في العديد من البلاد المتقدمة وتدعى مدارس الأهل. وأتمنى لو أن الكنائس في منطقتنا تأخذ هي نفسها المبادرة في إنشاء مثل هذه المؤسسات وفتحها أمام الجميع. ذلك أن كل ما يساعد الإنسان على الانطلاق والتحرر وتحقيق كافة أبعاد إنسانيته من شأنه أن يوفر حظاً أكبر بعلاقة أسلم وأنضج بين الوالدين وأولادهم. وإذا كان النقص في الانسجام الزوجي عاملاً من عوامل اضطراب علاقة الوالدين بأولادهم وجب بالتالي القيام بالأمور التالية: ـ تشجيع قيام تربية جنسية حقيقية سواء في العائلة أو المدرسة والمقصود ليس مجرد تقديم معلومات تشريحية وفيزيولوجية، إنما مساعدة الولد ثم المراهق والشاب على اكتشاف وتعهد سائر أبعاد الجنس بما فيه بعده العلائقي الأساسي، مما يجعل التربية الجنسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتربية بمعناها العام. ـ تشجيع لقاء الجنسين وتعارفهما في جو من البساطة والعفوية والاحترام المتبادل والعمل المشترك البناء مما يساعد على اكتساب قسط أكبر من النضج الانفعالي ويضع أساس الانسجام الزوجي للمستقبل. ـ إيجاد مراكز للإعداد الزوجي تجمع أزواج الخاطبين الذين لا يكتفون بتلقي معلومات عن سائر أبعاد الزواج البيولوجي، النفسي، الاجتماعي، والروحي، بل يناقشونها فيما بينهم بحضور ومشاركة اختصاصيين. ـ تنظيم الإرشاد الزوجي المتخصص الذي يقدم عند الاقتضاء مساعدة للمتزوجين تسمح بمواجهة أفضل للصعوبات والأزمات والمشاكل التي تعترض الحياة الزوجية وأخيراً أن نكافح باسم الإنجيل التصورات التي تضفي على السلطة الأبوية طابع القدسية فتلحق الأذى إما بالأصالة الدينية أو بالنمو الإنساني. صحيح أن يسوع أكد على واجب إكرام الوالدين (مت 15: 3ـ7، مت 19: 17ـ19) ولكنه نقض بصراحة الأحكام المطلقة في العلاقات الوالدية وهذا ما يبدو منذ حادث افتراق يسوع عن أبويه عندما كان له من العمر اثنا عشر عاماً ووجوده بالهيكل بعد أن فتش ابواه عنه (لو 2: 41ـ51) هنا نرى يسوع في فترة المراهقة يتصرف مع أبويه بحرية تسمح له كما قال J. Guillet أن يضعهما أمام قرار غريب عن إرادتهما مع استمراره في اعتبارهما أبويه إذ يقبل بالعودة إلى الناصرة حيث كان من جديد خاضعاً لهما (لو 2: 51) وعندما بدأ يسوع بشارته لم يتنكر للروابط العائلية التي كانت بالغة الأهمية في المجتمع الأبوي العشائري الذي كان ينتمي إليه، ولم يحتقر تلك الروابط، ولكنه لم يتورع عن إعلان صفتها النسبية وذلك من خلال جوابه الصارم لذلك الذي طلب منه أن يسمح له قبل أن يتبعه أن يذهب ويدفن أباه أولاً إذ قال اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم (مت 8: 22)، مع أن يسوع يعترف بقيمة الأبوة البشرية ويعتبرها صورة للأبوة الإلهية في عبارته «من منكم إذا سأله ابنه رغيفاً أعطاه حجراً وإذا سأله سمكة أعطاه حية، فإن كنتم أنتم الأشرار تحسنون العطاء لأبنائكم فما أحرى أباكم الذي في السموات بأن يحسن العطاء للذين يسألونه» (مت 7: 9ـ11)، ولكن الأبوة البشرية هي بنظره مجرد صورة بمعنى أنها وإن شاركت في مصدرها الإلهي فلا يمكن الخلط بينها وبينه، من هنا تنبيه يسوع «لا تدعوا أحداً أباكم في الأرض لأن لكم أباً واحداً هو الآب السماوي» (مت 23: 9)، وهذا يعني أن الآب المطلق الوحيد هو اللّه وأن الآباء الجسديين هم آباء بالمساهمة ليس إلا، وأن أبوتهم لا تحقق أصالتها إلا بمقدار مساهمتها في الأبوة الإلهية ولكن هذه لم تنكشف لنا تماماً إلا في المسيح فبه وقد صار أخاً لنا حتى موت الصليب. تجلت أبوة اللّه على أنها (تضحوية) أي تقبّل كلي وعطاء لا تحفّظ فيه، فالأبوة الجسدية عوضاً عن أن تهب الحياة باندفاع سخي لا رجعة فيه تحاول استعادتها لصالح الوالدين، والسلطة حسب الإنجيل لا غاية لها سوى الخدمة «من أراد أن يكون كبيراً فيكم فليكن لكم خادماً. هكذا ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدم ويفدي بنفسه جماعة كبيرة» (مت 20: 26ـ28)، وهذا يصح بالنسبة للعائلة فيقول بولس الرسول: «كما أن الرجل رأس المرأة كذلك المسيح رأس الكنيسة ويبذل نفسه عنها» (أف 5: 22ـ29)، فالسلطة هنا حسب المسيح هي سلطة تضحوية والأمانة للرسالة المسيحية تقتضي التذكر بأن السلطة الوالدية ليست غاية بحد ذاتها، وإنما غايتها أن تؤمن للطفل أفضل الشروط لنمو يسمح له بتحقيق ذاته ضمن علاقة أصلية مع الآخرين يغتني بها ويغني، وبممارسة استقلاليته الذاتية مع مشاركة خلاقة في حياة الجماعة، وبالمقابل فالطاعة ليست هدفاً بحد ذاتها ولا يمكن تبريرها إلا في إطار الاحترام المتبادل بين المطيع والمطاع وخضوعهما المشترك للحق، لذا كان الرسول يوصي البنين بأن يطيعوا والديهم بالرب (أف 6: 1) فإنه بالمقابل يوصي هؤلاء بأن يتجنبوا كل سلطوية خانقة ترتد على هدف التربية وتحكم عليه بالفشل: «وأنتم أيها الآباء لا تغيظوا أبناءكم لئلا تضعف عزيمتهم» (كو 3: 21) فلا يتورع الأهل عن الإقرار أمام أولادهم بحدودهم وأخطائهم بل يقفون وأولادهم أمام اللّه تعالى الإله الواحد الذي يتساوى تجاهه الآباء والبنون، إذ كل من هؤلاء صغير وخاطئ أمامه وكلّ منهم مشمول بالرحمة التي لا تحد، إن موقفاً كهذا إذا وقفه الوالدان يحرر الولد ويسمح له بأن يختبر بشكل حاسم العلاقة الأصيلة باللّه. خلاصة القول.. إن الأسرة تضع من خلال علاقة الطفل بوالديه الأسس العميقة التي لا بدّ أن ترتكز عليها كل تربية مسيحية، وذلك بأن يشعر الطفل بأنه مقبول عميقاً من والديه وأنه ينعم بالعطف والمحبة والحماية والأمان والتقييم في كنف أبوين متحابين، متحدين ويشعر بآن معاً بأنه معترف به كذات مستقلة والمجال مفتوح أمامه ليشق طريقه الخاص ويمارس حرية متزايدة ويؤكد كيانه الفريد وينمي قدراته ويضطلع بالمسؤوليات ويأخذ المبادرات، يتمرّس على الخلق والابتكار دون أن يردعه قيد خانق، عاطفياً كان أو سلطوياً، يكبله بوالديه، أن يشعر بأن سلطة الوالدين التي لا بدّ منها لنموه السليم وإشاعة الطمأنينة في نفسه، إنما هي مسخرة لخدمة هذا النمو وليست سلاحاً مسلطاً عليه لقمعه واحتوائه لصالح نرجسية الأهل وخوفهم من الحياة، وإن الإله الذي يتخذه الوالدان أساساً ومرجعاً للوجود ليس إلا الذريعة المطلقة لتثبيت سلطويتهما وتبريرها، وإنما هو ذاك الذي تصبح أمامه كل سلطة وكل أبوة نسبيتين، ذاك الذي يتساوى أمام تعاليه الآباء والأبناء في دعوة واحدة إلى تجاوز ذواتهم بلا انقطاع، محركين بمحبته المحيية الخلاقة، مشمولين برحمته الغنية العظمى. إن توفير مثل هذا النمط من العلاقات بين الوالدين وأولادهم يتطلب اليقظة الدائمة والاهتداء المستمر، النضج الانفعالي، الانسجام العميق بين الزوجين، رؤية مسيحية واضحة لمعاني الأبوة والسلطة. ومسؤولية الكنيسة كبيرة في مساعدة الوالدين لاكتساب هذا النضج والانسجام وهذه الرؤية من أجل تحقيق تربية مسيحية مثلى. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|