"فالتفت الرب ونظر إلى بطرس. فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. فخرج بطرس.. وبكى .."
(لو 22: 61 ، 62)
لقد استخدم ذاك الحامل لكل الأشياء بكلمة قدرته، واحداً من العجماوات غير الناطقة لكي يساعد عبده وتلميذه الذي سقط هكذا إلى حضيض الحضيض "وفى الحال بينما هو يتكلم صاح الديك" (لو 22: 60 ) . ومَنْ غير بطرس في تلك الساعة من الليل يعي صيحة من ديك؟ لكن بالنسبة لبطرس كان لصياح الديك فعل سهام البرق التي تخترق الظلام. لقد اهتزت نفسه وأفاقت من رهبة ومن خوف. وتذكر الآن "القول الذي قاله له يسوع إنك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات" (لو 22: 60 ) . وفى لحظة كانت حاجة نفسه العميقة تلاقى نظره بنظرة من الرب، ذاك الذي أخطأ بطرس في حقه وبإهانة شديدة أهانه.
"فالتفت الرب ونظر إلى بطرس" (لو 22: 61 ) ، وكانت نظرة الرب مليئة بالرحمة والإشفاق، أوَ لم يكن هناك في وسط هذه المحاكمة الجائرة ما يشغل قلب الرب يسوع أكثر من هذا التلميذ؟ لكن ذاك الذي يعلم كل شيء - الذي انتظر رقة فلم تكن ومعزين فلم يجد (لو 22: 61 ) أشفق عطفاً على التلميذ الذي أنكر حتى مجرد معرفته له.
هل نعرف نحن تلك النظرة؟ إن الرب أراد أن يصل إلى قلب وضمير تلميذه. وأنه لأمر له معناه أن نقرأ عن هذه الحادثة في إنجيل لوقا فقط (ص22: 61) لأنه هناك كانت تلك النظرة وليس صياح الديك - هي التي جعلت بطرس يتذكر كلمات الرب المحذرة. ويا لها من يقظة! ويا لها من خطوة نحو النور! وما أعظمها نظرة من عيني الرب تلك التي غيّرت فجأة كل شيء عند هذا التلميذ المسكين!
"فخرج بطرس إلى خارج وبكى بكاءً مراً" (لو 22: 62 ) وهنا نجد مشاعر التوبة "وأثماراً تليق بالتوبة" (لو 22: 62 ) . وكم من مرة يريد القلب الخدّاع النجيس أن يكتفي بواحدة من الاثنتين. يكتفي بمجرد مظاهر ومشاعر التوبة، ويظل كما هو دون تحول عن طريقه الخاطئة. هذه مشاعر بلا ثمر، إنها غير حقيقية وبلا قيمة "لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله" أنشأ في الكورنثيين "توبة لخلاص بلا ندامة" (لو 22: 62 ) . أي توبة لا رجعة فيها. وهكذا كان الحال مع بطرس. لقد هزته نظرة الرب بعنف، فخرج إلى خارج المكان الذي كان بالنسبة له فخاً ومصيدة وهناك بكى بدموع التوبة وإدانة الذات.