المرأة في الإعلام والإعلان العربى
بالتالي ففي الإعلام يوجد مرسل ومتلقي. وقد تكون الوسيلة التي يستخدمها المرسل في إرسال المعلومة هي جهاز (تلفزيون + راديو + مسجلة + كمبيوتر) أو مادة مكتوبة أو مسموعة ( عبر هاتف أو حديث من شخص إلى شخص ). وتكون وسيلة المتلقي في أغلب الأحيان ذات الشيء.
أما الإعلان فهو وسيلة مستخدمة للترويج لشئ ما. أي أن هناك جهة معيّنة ترغب في ترويج أو تسويق فكرة أو مادة استهلاكية أو موضوع ما عبر طريقة ملفتة للنظر بحيث ينجذب إليها الناظر ويتابعها وربما يشارك فيها لاحقاً أو يقتني المادة المعلن عنها.
وبناءً على هذين التحديدين بالمطلق لكلمتي الإعلام والإعلان, سيكون لحديثي شقين: الشق الأول سيتناول وسائل الإعلام ودور المرأة فيه من حيث الواقع الذي نعيش فيه. والشق الثاني سيكون حول صورة المرأة في الإعلان خاصة المرأة الشرقية. (وسيكون هناك عرض مونتاج فيلم عن المرأة في الإعلان).
أثر الإعلام على حياة الناس مما لا شك فيه أن عالمنا يتغير بصورة متسارعة بسبب تدفق المعلومات. فقد أصبح لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية الأثر الكبير اليومي في حياة الأفراد والجماعات. بل إن أثرها قد طغى في بعض الأحيان على العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمعات، وأفرزت هذه الوسائل عادات وتقاليد حياتية جديدة مكتسبة لم تكن مألوفة للناس. لدرجة إن وسائل الإعلام باتت تتمكن من قولبة الناس وشحذ شخصيتهم ليصح قول الصحافية تالا ياغي "قل لي ما تشاهد أقول لك من أنت". لقد اعتبر الإعلام في عصرنا الحالي "سلطة رابعة" نتيجة لما له تأثير واضح وأكيد على حياة وسلوكيات الأفراد والجماعات . فمع نشأة وسائل الإعلام في بداية القرن العشرين بدأ الناس ينتقلون من حالة "التواصل" عبر الحكاية أو القصة أو الحديث المقروء والمسموع بينهم إلى حالة الالتفاف حول جهاز المذياع والإنصات إلى ما يبوح به. فبدأت مع هذا الجهاز مرحلة التحلق في الخيال لما تسمعه الأذن والشوق إلى رؤية ومعرفة من يتكلم عبر هذا الجهاز. وبدأت أيضاً مع هذه المرحلة تراجع مسألة التواصل بين الناس والالتفاف إلى حالة الانفرادية مع جهاز يتحدث إلى الفرد. ثم مع اختراع التلفزيون عام 1927 أصبح وسيلة أساسية في يومنا هذا للترفيه والتثقيف، وحلّ محل عدد كبير من وسائل التواصل الأخرى فصار بوسع الإنسان أن يرى العالم من خلال جهاز صغير يتحدث إليه بالصورة والصوت. وصار له انتشار واسع واستطاع أن يستقطب مليارات البشر في أنحاء العالم . ولا بد من القول أن التلفزيون يعتبر "أوكسجين" حياة الكثير من الناس في مجتمعاتنا العربية . ومع وجود التلفزيون كشريك معنا في البيوت ومحال الأعمال وغيرها تراجعت بشكل حاد حالة التواصل بين الناس، كما تسارعت وتيرة انتقال المعلومة عبر اختراع "الإنترنيت" و "الكمبيوتر" الذي نستطيع أن نغوص فيه لساعات دون أن نلاحظ صمتنا وانصهارنا به . إلا إنني أعتقد أن التلفزيون ما زال هو الوسيلة الإعلامية المسيطرة على التواصل.
في كل الأحوال, إن اغلب وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها لها الصفات التالية:
1- تصدّر المعلومة بالصوت والصورة ( أي ناقلة وغير متلقية )
2- لديها متلقي سلبي في أغلب الأحيان لا يستطيع أن يناقشها أو يحاورها .
3- تعتبر وسيلة مروّجة للفكر (الايجابي والسلبي) وكذلك المادة الاستهلاكية والقيم الحياتية (الايجابية والسلبية)
الإعلام العالمي جدير بالذكر أن الإعلام العالمي هو إعلام مسيّس أي تحكمه السياسة. فصورة العرب مثلاً في الإعلام الغربي هي صورة غير حقيقية إن لم نقل مشوّهة فهم, أي العرب, قوم يرتدون عباءات طويلة بيضاء, ويتنازعون بين بعضهم, وأناس مزعجين, وصاروا ينعتون بالإرهابيين بعد أحداث 11 أيلول. والحال تنطبق على اليابانيين مثلاً بأنهم قوم يسعون بصورة رئيسية إلى صناعة البضائع وجديين. وكذلك الأفريقيين بأنهم قوم يحتاجون دائماً إلى مـد يد المساعدة والعون والتثقيف . إن الصورة الإجمالية التي يعطيها النظام الإعلامي الراهن في العالم هي صورة غير حقيقية عن المجتمعات, بل مشوّهة. والسؤال لماذا يستمر تشويه الصورة على هذا النحو؟ ولعل الجواب هو أنه بعد زوال مرحلة الاستعمار السياسي والعسكري ثم الاستعمار الاقتصادي, يجد العالم نفسه وخاصة الثالث منه في طور محاربة الاستعمار الإعلامي . فالتكنولوجيا الحديثة للإعلام ما زالت ماضية في تقوية وتعزيز تيار الفوضى العالمية وتشويه صورة الآخر. ومعلوم أن الأخبار والأنباء مثلاً تسيطر عليها ستة وكالات في العالم وهي: روتير(بريطانية) , ووكالة فرانس برس(فرنسية), ووكالة ABC أمريكان برودكاستينغ كوربوريشن (أمريكية), ووكالة الصحافة المتحدة الدولية, ووكالة الأسوشيتد برس، والإنترتاس (روسية). هذه الوكالات الستة تعيد تصنيع الخبر الذي يرد من بلداننا وتضيف عليه "قيمة مضافة" وتسوّقه مرة ثانية ليرد إلينا الخبر معجوناً بما تقوله لندن وواشنطن وباريس وغيرها... إذاً بات الإعلام معولماً وليس عالمياً كما يظن البعض وتأثيراته السلبية أكثر بكثير من إيجابياته كما تقول الدراسات. وقد سمّى بعض المثقفون الأوروبيون الإعلام بأنه "امبريالية ناعمة". وإذا تطرقنا إلى البرامج والأفلام والمسلسلات فأن اغلبها مستورد من الخارج ويُشك في سلامة نيتها أو على الأقل في القيم الغربية التي تبثها. فالكل ومن ضمنهم الأطفال يتلقون ثقافة وقيم فسيفائية ولكنها غير منتظمة تشوّه سلّم المقاييس والمعايير عند أطفالنا, إذا يعتبر التلفزيون "الفيتامين" الأساسي لدى بعض العائلات لأطفالهم في تلقي الثقافة والترفيه والآداب والقيم والأخلاق. ومن المؤسف أن نرى مثلاً أن بعض الأمهات يعاقبن أولادهن والتخلص من ضجيجهم وحركتهم بتشغيل التلفزيون وتسهيرهم أمامه. يجب أن ننتبه إلى خطر تلقي قيم غير متجانسة مع بعضها, فتتحول القيم الى سموم وتصبح أجيالنا ضحية بحاجة الى مضادات حيوية قد تسعفها وقد لا تسعفها بعد فوات الأوان.
الإعلام والمرأة ولكن أين دور المرأة في الإعلام وخاصة في الشرق الأوسط؟ لقد أخذت المرأة دورها في الإعلام العربي بالتساوي مع الرجل إن لم نقل أكثر قليلاً. فهي المذيعة والمخرجة والمعدة والمنتجة والمهندسة الإلكترونية والصحافية والكاتبة والمحللة. وهذا ما نشاهده عبر التلفزيون ونسمع عنه، إلا إن الدراسات والأبحاث والأرقام هي التي تبيّن فعلياً دور المرأة في الإعلام. وتقول الدراسات إن إعلامنا العربي هو "مؤنث بامتياز" (المرأة في إعلام الشرق الأوسط ـ قراءة في المرصد الإعلامي، زياد الصايغ 2003) إذ إن: (61,3 %) من العاملين في هذا القطاع هن إعلاميات. وهناك حوالي أكثر من (100) مطبوعة موسومة بطابع نسائي صرف. وهناك أكثر من (10) برامج فضائية تعاطت أو تتعاطى بشأن المرأة مثل :
• برامج قضايا المرأة على شاشة NBN
• برامج للنساء فقط وزينة على شاشة الجزيرة
• برامج she style على شاشة MBC
• برامج نساء بين النجوم على شاشة السعودية
• وهناك قناة "هي" للمرأة العربية
• إلا إن برامج المرأة في الإذاعات العربية قليلة نسبياً وتقول الدراسات أيضاً أن (94,2%) من معدات ومذيعات البرامج هن وراء نجاح البرامج.
وتؤكد الدراسات المتنوعة أن البرامج والمسلسلات والأفلام أصبحت في كثير منها تشوّه صورة المرأة, وتسخـّف الدور الذي تلعبه مجتمعياً, وتكرس حالة وصورة المرأة الجاهلة, متجاهلة بذلك الدور الإيجابي الذي تقوم به المرأة في تنمية المجتمع. ويعتبر هذا إحدى سبل ممارسة العنف ضد المرأة وانتزاع أهم حقوقها (مركز الرصد الإعلامي برابطة المرأة العربية). فأغلب الصور التي عكستها وسائل الإعلام للمرأة اقتصرت على (ربة منزل, المرأة المستهلكة, المرأة الجانية والقاتلة, المرأة الجاهلة والتابعة لسلطة الرجل). وتبيّن الدراسات والبيانات أن وسائل الإعلام تركـّز على جوانب من حياة المرأة وتسكت عن جوانب أخرى. وتساهم بجعل المرأة في علاقاتها مع الرجل أكثر دونية. وأن نسبة قليلة منها تطابق واقع المرأة في الحياة المعاشة.
وفي دراسة أجريت في لبنان عام 2003 على شريحة 100 شخص (رجل وامرأة) حول "المرأة في الإعلام" (د. جيروم شاهين) أظهرت أن هناك من يرى أن الإعلام بالدرجة الأولى يشوّه صورة المرأة، وبالدرجة الثانية يساهم في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. وفي دراسة أخرى تمت على شريحة (100 شخص أيضاً) حول "موقع المرأة في المؤسسات الإعلامية" تبين أن المرأة تعمل بالمرتبة الأولى كرابطة لفقرات البرامج . أي أن هذه الوظيفة هي الموقع الأول الذي تحتله المرأة في عملها بوسائل الإعلام. أما موقع المرأة كإدارية تشارك في صنع القرار فجاء في المرتبة ما قبل الأخيرة. وفي المرتبة الأخيرة جاء المرأة مالكة لوسيلة إعلامية. وفي دراسة "لصورة المرأة الأكثر حضوراً في المسلسلات والأفلام التلفزيونية العربية" تبيّن (ومن جهة نظر النساء) أنها الأم المتفانية، ثم المرأة الشيطانية، ثم المرأة المستبدة، ثم ربة منزل، ثم منافسة للرجل أو فاسقة، ثم ساذجة، ثم المعدومة السلطة، ثم الطاهرة، ثم المرأة الرفيقة والمخلصة في دراسة "لصورة المرأة التي تنقلها المجلات العربية النسائية المتخصصة عن المرأة" تبيّن (من وجهة نظر النساء) أنها الزوجة الأنيقة، ثم زوجات السياسيين ورجال الأعمال، ثم النساء النجوم، ثم المرأة الناجحة في حقل الأعمال، ثم المرأة التي تنتمي إلى الطبقة الغنية، ثم المرأة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، ثم المناضلة في سبيل حقوق المرأة، ثم المرأة الريفية. وفي دراسة عن "ماذا على المرأة أن تفعل لكي تلعب دوراً أكثر فعالية في الإعلام" تبيّن (من وجهة نظر النساء) أنه عليها الكتابة بتواتر في المجلات والصحف عن حقوق المرأة، وتعميق الوعي النسوي بأن حقوق المرأة تؤخذ وقلـّما تعطى، وتكثيف المساهمة الإعلامية في الوسائل الإعلامية الدينية، وإنشاء جمعيات أهلية تتوخى الرد والضغط لتصحيح صورة المرأة في الإعلام، وامتلاك وسائل إعلام متخصصة وغير متخصصة لتصحيح صورة المرأة في الإعلام. (الصورة الإعلامية للمرأة في الرأي العام اللبناني، استقصاء رأي عام، د. جيروم شاهين 2003)
يبدو وبشكل عام أن الإعلام العربي ما زال في طور تحريك الغرائز والمشاعر والعواطف ولم يصل بالفعل الى مرحلة خدمة قضايا المرأة والانسان العربي ومتطلباته. أما القنوات الفضائية التي تبث الأغاني الحديثة فالملاحظ أن فيها الكثير من المشاهد المثيرة والإغرائية والى حد لا بأس به من الإباحية الجنسية. والملفت للنظر أن المرأة هي الشخص المستخدم لإبراز هذه المشاهد وغزو الشاشة الصغيرة بكل ما لا يمت بصلة الى القيم الروحية والاجتماعية للمجتمع الشرقي. والسؤال المطروح هو الى أي مدى يعد الاعلام حريصاً على القيم الأصيلة للإنسان والإنسانية؟ والى أي مدى هو مهتم بعرض الواقع وعدم الإفراط في تقليد واقتباس الآخرين دون التمييز بين ما يناسب وما لا يناسب المجتمع الشرقي؟ والى أي مدى مسموح استخدام المرأة كسلعة دون إبراز قيمتها الإنسانية؟ من الواضح، أنه حتى لو كان هناك إعلام بارز عن قضايا المرأة في العالم العربي الذي يتحدث عن (الفقر ـ الأمية ـ العمل ـ الطلاق ـ التمييز الجنسي الخ) إلا أن تطبيق ذلك على أرض الواقع يختلف. فالمرأة تظهر في الاعلام، في غالب الأحيان، على شكل النجمة أو الفنانة أو المطربة أو الممثلة أو الراقصة أو المذيعة. وقليلاً جداً ما نراها الشاعرة والباحثة والكاتبة والمفكرة. ربما هي كذلك من وراء الستار ولكنها لا تظهر كثيراً على الشاشة. والى ذلك، فإن صورة المرأة في الاعلام لا تتطابق في كثير من الأحيان مع الواقع المعاش كما ذكرت الدراسات والأرقام. ففي أغلب الأحيان تتنافى صورة المرأة العصرية مع مفهوم العلاقة الذكورية في البيت. إن حالة التطور في واقع المرأة العربية والانتقال من القديم الى الحداثة تستدعي تجنب حصول صدام اجتماعي وأخلاقي في المجتمع، وتستدعي أيضاً عدم استنساخ الحداثة من الغرب على ما هي لأنها في أغلب الأحيان لا تتطابق مع النسيج الاجتماعي والقيمي في المجتمعات الشرقية. وقد جاء مؤتمر بيكين حول المرأة عام 1995 ليؤكد على ضرورة التخلص من الصورة السلبية والتقليدية المهيمنة للمرأة في وسائل الإعلام. وداعياً الى خلق صورة متوازنة عن تنوع حياة المرأة ومساهماتها في المجتمع في عالم متغير.
المـرأة والإعلان (عرض فيلم وثائقي مصّور بعنوان "في الطليعة" من انتاج مجلس كنائس الشرق الأوسط ـ إعداد وتعليق الأستاذ زياد الصايغ 2003) الحديث عن الإعلان والدعايات في وسائل الاعلام المرئية والمقروءة هو بحث طويل ومسألة تحتاج الى دراسات بيانية وبحثية بالأرقام. ولكن وبشكل عام أستطيع القول أن الإعلان والدعاية يقعان في دائرة فلسفة الاستهلاك المادي والفكري والربح التجاري البحت كما سبق وعرّفت في البداية. ومما لا شك فيه أيضاً أن للإعلان تأثير كبير على أفكار وسلوكيات الأفراد في حياتهم اليومية. فالإعلان يعزز روح التملك والاستهلاك عند الانسان، ويثير شهيته وشهوته تجاه ما يعرض من سلع أو أفكار، ويدغدغ مشاعره وغرائزه. وبالتالي يتحول الانسان الى أكثر عشقاً لذاته وأكثر حباً لفرديته وخصوصيته وأقل وعياً اجتماعياً.
وفي كل إعلان وخاصة على التلفزيون هناك العناصر التالية:
• محتوى الدعاية والإعلان (أي المادة أو الفكرة التي يتم الإعلان عنها والترويج لها)
• الشخص أو الأشخاص الذين يتم اختيارهم لترويج الدعاية (وغالباً ما يكون امرأة) • النتيجة التي يمكن أن يصل إليها من يستهلك المادة أو الفكرة (عطور ـ طعام ....)
• الصورة التي تنطبع في ذاكرة المشاهد عن الشخص أو الأشخاص الذين روّجوا للدعاية
• وطبعاً هناك الشخص المشاهد الذي يُتوقع أن يكون مستهلكاً جيداً
وما يهمنا من كل هذا هو استخدام المرأة في شكلها وجسدها للترويج للإعلان المرغوب فيه. ويصل هذا الاستخدام في بعض الأحيان الى درجة الإثارة الجسدية. ففي إحدى إعلانات العطور مثلاً يبدأ المشهد في مكتب حيث نجد عدداً من الموظفين يجلسون وراء مكاتبهم ومنشغلين في عملهم. وفجأة تعبر إحدى الفتيات الجميلات مع ابتسامة جذابة بجانب أحد الموظفين. ويظهر على الشاشة أنه تفوح منها رائحة عطرة بطريقة تصويرية، بحيث نشاهد خيال هذا الرائحة تفوح في المكتب كله. فينجذب اليها الموظف المطلوب تصويره ويسير وراءها كما ينجذب المعدن وراء المغناطيس. إلا أنه فجأة يتعثر بشيء ما يخترعه المخرج على الأرض وينتهي المشهد. ثم تظهر الفتاة على الشاشة مرة أخرى بابتسامتها الجذابة وربما تغمز المشاهدين أو تقوم بحركة مثيرة ما، ومعها العطر الذي تروج له. بالطبع هنا المشاهد يرى ولا يشم. فهو يتخيّل أن هذا العطر جذاب الرائحة لأن التي نشرته في المكتب كانت جذابة الشكل. وبالتالي هناك ترابط نفسي بين الرؤية والشم ولو أن المشاهد فعلياً لا يشم ولكنه يتخيل أنه يفعل ذلك، فتتم إثارة شهيته للشراء. وهكذا هي حال كل الاعلانات. إذ إن القائمين على عمل الاعلانات خاصة المرئية منها يدرسون الحالة النفسية والاجتماعية للمجتمع. وهم يستخدمون للأسف جسد المرأة كسلعة للترويج. إنهم بذلك يكرسون في ذهن المشاهد الحالة النمطية عن المرأة على أنها جسد للاستهلاك. فتتكرس الفكرة في عقل المشاهد ثم يتبناها لتصبح لاحقاً حالة تعميمية بدل أن تكون حالة شاذة. إنها مجرد تسطيح خطر لمفاهيم الجنس والانسان. فأي انعكاس ذلك يا ترى على نفسية الفتاة الشابة أو الطفل البريء الذي يشاهد الإعلان أو صورة المرأة في عين الشاب؟ وحتى الأطفال صاروا مستهدفين اليوم من سوق الاعلانات حيث يعتبر القيّمون على الاعلانات أن الأطفال هم أيضاً سوق مستهلِكة مهمة عن طريق الأهل. فمن البدع الإعلانية لهم نجد إعلانات تستهدف فتيات تراوح أعمارهن بين 9 ـ 11 سنة تسوّق لهن منتجات غير لائقة أخلاقياً (ملابس داخلية مثيرة) عوضاً عن الدمى، فيصبحن بذلك عينات عن صورة المرأة المثيرة ويتمثلن بنماذج الإغراء التي يشاهدنها في الاعلانات. إننا نتطلع الى إعلان راقٍ لا تكون فيه المرأة مادة أو سلعة استهلاكية. وربما من المفيد التذكير بأن هذا المطلب ينطبق على الرجل أيضاً.
في الختام، أود أن أؤكد على بعض الثوابت المسيحية الأخلاقية التالية في سياق الحديث عن المرأة في الإعلام والإعلان:
• إن قيمة الإنسان هي بإنسانيته وليس بشكله أو بمظهره.
• إن استخدام جسد المرأة كسلعة للاستهلاك هو عمل منافٍ للمفهوم المسيحي عن الانسان "مسكن الروح"، والإنسان مخلوق على "صورة الله ومثاله".
• إن استخدام وسائل الاعلام للتواصل هو حق من حقوق الانسان على أن يفترض أن حقوق كل البشرية هي متساوية.
• الشخص البشري والجماعة البشرية هما الغاية والمقياس لاستعمال وسائل الاتصال" (المجلس الحبري لوسائل الإعلام والاتصال الجماعية ـ الفاتيكان 2002)
رازق سريــاني
مدير قسم التربية المسيحية