07 - 11 - 2012, 04:41 PM
|
رقم المشاركة : ( 11 )
|
..::| VIP |::..
|
الفصل الثاني والعشرون
الإهانات التى وُجهت ليسوع في محاكمة قيافا
ما أن غادر قيافا القاعة هو وأعضاء المجلس حتى أحاطت الحشود بيسوع كالزّنابير الغاضبة، وبدءوا ينهلون عليه بكل أهانة قابلة للتخيل. حتى خلال المحاكمة، بينما كان الشّهود يتكلّمون، لم يستطع الحرس وبعض من الآخرين أن يمتنعوا عن إظهار ميولهم الوحشية، فنزعوا الكثير من شعره ومن لحيته، صفعوه على وجهه، لكموه بقبضات أياديهم، جرحوه بعِصِي مدبّبة، ووخزوه بالإبر في جسده؛ عندما ترك قيافا القاعة لم يضعوا حدوداً لهمجيتهم. أولاً وضعوا إكليلاً، مصنوعاً من القش وأغصان الأشجار على رأسه، وبعد ذلك أزالوه وًحيوه بكلمات مهينة، قالوا مثلاً : " انظروا ها هو ابن داود يرتدى تاج أبيه " و " ها هنا من هو أعظم من سليمان؛ ها هو الملك الذي يُعدّ وليمة العرس لابنه " وهكذا حوّلوا تلك الحقائق الأزلية إلى مادة للسّخرية, تلك الحقائق التي علّمها لهم من جاء من السّماء ليخلصهم من خطاياهم على صورة أمثال؛ وبينما كانوا يكررون هذه الكلمات السّاخرة، واصلوا ضربه بقبضات أياديهم وعصيهم وبصقوا في وجهه. ثم وضعوا تاج القش على رأسه.
ثم نزعوا عباءته، والقوا عباءة ممزّقة قديمة على كتفيه، بالكاد تصل لركبتيه؛ علّقوا سلسلة حديدية طويلة حول رقبته تنتهي بحلقة حديدية في كل نهاية ومزودة بأسنان حادّة، كبلوا ذراعيه ثانية، وضعوا قصبة في يدّه وغطّوا وجهه الإلهى بالبصاق. القوا بكل أنواع القاذورات على شعره وعلى صدره وعلى العباءة القديمة. عصبوا عينيه بخرقة قذرة وضربوه صارخين بأصوات عالية : تنبّأ لنا أيها المسيح، من الذى ضربك ؟ ", لم يجبهم بكلمة واحدة، بل تنهّد، وصلّى من أجلهم سراً.
وضعوا عليه غطاء رأس كبير يرتديه أعضاء المجلس، كان قيافا يضعه علي رأسه وكان ما زال في الغرفة، وبدوا مُبتهجين وهم ينظرون هذا المشهد المخزي الذي شرّعوا فيه، ناظرين بكل السرور للطقوس الأكثر قداسة وقد تحوّلت إلى مراسم للهزء. الحرّاس ألعديمي الرحمة غمروه بالطّين والبصاق، وبرزانة وهمية صاحوا : تسلم المسحة النّبوية, تسلم المسحة الملوكية ", ثم سخروا من مراسم الّعماد بشكل أثيم، ومن صنيع المجدلية فى إفراغ زجاجة الطيب على رأسه. صاحوا " كيف تجرؤ أن تظهر أمام المجلس بمثل هذه الحالة ؟ أتطهر الآخرين، ولا تقدر أن تُطهر نفسك؛ لكننا سنطهرك قريبا " وأحضروا حوضاً مملوءاً بالماء القذر، وسكبوه على وجهه وكتفيه، بينما احنوا ركبهم أمامه صائحين : " ها هى المسحة الثمينة, ها هو الطيب الذى يُقدر بثلاثمائة دينار؛ ها أنت قد تعمّدت في بركة بيت حسدا ". لقد تعمدوا أن يسخروا من تصرف المجدلية، عندما سكبت الطيب الثّمين على رأسه، في بيت الفريسي.
بعد عديد من الإهانات، أمسكوا بالسّلسلة التي علقوها على رقبته وسحبوه نحو الغرفة التي كان يتشاور فيها أعضاء المجلس، ودفعوه بعصيهم صائحين: تقدم يا ملك القش! أظهر نفسك للمجلس بشارة الشرف الملوكي التى نقدمها لك. "
لقد جروه حول الغرفة، أمام كل أعضاء المجلس، الذين استمرواّ يخاطبونه بلّغة تّأنيبية وسّيئة. بدا كل وجه كوجه شيطان غاضب، وكل ما حولهم كان مًظلماً ومشوشاً ورديئاً. يسوع بالمقابل رأيته كما رأيته فى تلك اللّحظة عندما أعلن فيها أنه هو ابن الرب، لقد كان مُحاطاً بهالة من النور. كثير من المّجتمّعين بدا عليهم أنه لهم معرفة مشوّشة بهذه الحقيقة، وامتلئوا بالذّعر بإدراك أنه لا إساءة ولا عار ممكن أن يُبدِّل من السمة الملوكية لمُحياه .
حرّضت الهالة التي أشرقت حول يسوع منذ اللّحظة التى أعلن فيها نفسه أنه هو المسيح، ابن الرب الحيّ، حرّضت أعداءه على غضب أعظم، ومع ذلك كانت متألقة جدا حتى إنهم لم يستطيعوا أن ينظروا إليها، وأعتقد أن نيتهم برمي الخرق القذرة على رأسه كان لكى يخفون سطوعها.
|
|
|
|