07 - 11 - 2012, 04:20 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل العاشر عشاء الفصح الأخير. قبل القيلولة دعا السيد المسيح بطرس ويوحنا، تَكلّمَ معهم عن ما يَجِبُ أَنْ يَفعلونه، عن الاستعدادات التى يَجِبُ أَنْ يَعدونها في أورشليم لأكل حملِ الفصحِ. سَألَ التلاميذ السيد المسيح أين سيَأْكلُ الفصح. اليوم، قَبلَ الفَجرِ، طَلبَ الرب بطرس ويعقوب ويوحنا، تَكلّمَ معهم عن أمور تتعلّقُ بكُلّ ما يجب أنْ يَعدّوه في أورشليم وأخبرَهم أنهم عندما سيَصْعدونَ جبلَ صهيون، فأنهم سيلاقون رجلَ يَحْملُ جرة ماءِ. لقد كانوا يعلمون جيداً هذا الرجلِ، لأنه فى الفصح الأخير، في بيت عنيا، كَانَ هو الذي أعدَّ الطعام للسيد المسيح، ولهذا يَقُولُ القديس متى: رجل مُعين. كَان عليهم أَنْ يَتْبعوه إلي بيتَ، ويقولون له: "السيد يقول، إن وقتي قُرْب، مَعك سأَصْنعُ الفصح مَع تلاميذي " كَان عليهم حينئذ أن يروا غرفةَ العشاءَ، ويَصْنعونَ كُلّ الاستعدادات الضرورية. رَأيتُ تلميذان يَصْعدانِ نحو أورشليم، على طول الوادي، إلى جنوب الهيكلِ، وفي اتّجاهِ الجانبِ الشماليِ لجبل صهيون. على الجانبِ الجنوبيِ للجبلِ الذي كان الهيكلِ عليه، كان هناك بَعْض البيوتِ؛ فساروا عكس هذه البيوتِ، تابعين مجرى سيلِ. عندما وَصلوا قمّةَ جبلِ صهيون، التي أعلى مِنْ جبلِ الهيكلِ، التفتوا نحو الجنوبِ، وبمجرد أن صعدوا قليلا حتي التقوا بالرجلَ الذي قَدْ حُدّدَ إليهم؛ تَبعوه وتَكلّموا معه بما أمر به السيد المسيح. لقد كَانَ مُسرَّور كثيراً بكلماتِهم، وأجاب بأنّ العشاء قَدْ طُلِبَ أن يُعدََّ في بيتِه (على الأرجح مِن قِبل نيقوديموس)، لكنه لم يكَنَ مدركَ لمن، وأبتهج لكونه عِلْم بأنّه مُعد للسيد المسيح. اسم هذا الرجلِ هالي، وهو نسيبَ زَكَريا الذي من حبرون، الذي أعلن السيد المسيح من بيته في العام الماضي عن موتَ يوحنا المعمدان. عِنْدَهُ إبنُ واحد فقط، كَانَ لاويّ وصديق القديس لوقا قبل أن يُدعى مِن قِبل الرب، وخمس بناتِ لم يتزوجن جميعاً. كان يصعد كُلّ سَنَة مع خدامِه فى عيد الفصح ويستأجرَ غرفة ويُعدَّ الفصح للأشخاصِ الذين ليس عِنْدَهُمْ صديقُ في البلدةِ ليقيموا مَعه. استأجرَ هذه السَنَةِ غرفة عشاءِ تخص نيقوديموس ويوسف الرامي. بيّن للتلميذان موقعِها وترتيبِها الداخليِ. لقد كَانَت على الجانبِ الجنوبيِ لجبلِ صهيون وقريبة مِنْ قلعة داوود ومِنْ السوقِ، كَانَت على المنحدر الشرقيِ تطل على ساحةِ مفتوحةِ مُحاطة بأفنية ذات جدرانِ هائلةِ وبين صفوفِ من الأشجارِ. على يمين ويسار المدخلِ، كانت توجد بنايات أخرى مُلاصقة للجدارِ وبالقرب منه البيت الذي قَضتْ فيه العذراءَ المباركةَ والنِساءَ القدّيساتَ أغلب وقتِهم بعد موتِ السيد المسيح. غرفة العشاءَ، التي كَانتْ أكبرَ أصلاً، كَانتْ سابقاً مَشْغُولةَ مِن قِبل قادةِ داوود الشجعان، الذين تَعلّموا استعمال الأسلحةِ هناك. كانت في الماضي مُلحقة لمبني الهيكلِ، وتابوت العهدِ قَدْ استقرّتْ فيها لمدة طويلة مِنْ الوقتِ، وآثار وجودِه فيها ما زالَت توْجَدَ في غرفةِ تحت الأرض. رَأيتُ النبي ملاخي مختفي تحت نفس هذا السقفِ حيث كَتبَ هناك نبوءاتَ تَتعلّقُ بالقربان المقدَّس المباركِ وذبيحة العهد الجديدِ. كّرم الملك هذا البيتِ وعَملَ ضمن جدرانِه بَعْض العملِ المجازيِ والرمزيِ لكني نَسيته. عندما تهدم جزء عظيم من أورشليم من قِبل البابليين، نجا هذا البيتِ. لقد رَأيتُ عديد مِنْ الأشياءِ الأخرى التى تَتعلّقُ بنفس هذا البيتِ، لَكنِّي أَتذكّرُ فقط ما أخبرتُ به الآن. هذه البنايةِ كَانتْ في حالةٍ مُخَرَّبة جداً عندما آلت ملكيته إلى نيقوديموس ويوسف الرامي، اللذان رتّبا البنايةَ الرئيسيةَ بطريقةٍ مناسبة جداً، وجعلاها كغرفة عشاءِ للغرباءِ الذين يأتون إلى أورشليم بغرضِ الاحتفال بعيد الفصح. هكذا استخدمه الرب فى السَنَةَ السابقةَ. علاوة على ذلك، البيت والبنايات المُحيطة البناياتِ اُستخدمت كمخازنِ للآثار والأحجارِ الأخرى، وكورش للعُمّالِ؛ لأن يوسف الرامي كان يمتلكَ محاجر ثمينةَ في بلادِه، وكان يجلب منها كُتَل كبيرة مِنْ الحجارةِ ليّشكلها عُمّاله تحت أشرافه إلى قبورِ وحُلي معمارية وأعمدة. كَانَ نيقوديموس شريك في هذا العملِ واعتاد أن يقضي ساعاتِ عديدة فى النَحْت بنفسه. لقد عمل في الغرفةِ، أَو في شُقَّة تحت الأرض كَانتْ تحتها، باستثناء فترات الأعياد؛ وهذه الحرفةِ جعلته مرتبط بيوسف الرامي وصاروا أصدقاءَ، وينضمَّان إلى أغلب الأحيان معاً في صفقاتِ مُخْتَلِفةِ. هذا الصباحِ، بينما كان بطرس ويوحنا يتحدّثانِ مَع الرجلِ الذي استأجرَ غرفةَ العشاءَ، رَأيتُ نيقوديموس في البناياتِ على يسار الباحةِ، حيث عدد كبير من الأحجارِ تمَلئ الممراتَ المؤدّية إلى غرفةِ العشاءَ. فى أسبوع قبل ذلك، رَأيتُ عِدّة أشخاص يعملون في وَضْع الأحجارِ على جانب واحد وينظفون الساحةِ ويَعدّونَ غرفةَ العشاءَ للاحتفالِ بالفصح؛ ظْهرُ لي أنه كان هناك بينهم بَعْض رسل الرب، ربما أرام وسيمي، أبناء عم يوسف الرامي. غرفة العشاءَ، مدعوة بشكل جيّد، كَانَ تقريباً في وسط الساحةِ؛ طولها أعظمَ مِنْ عرضِها؛ مُحاطَة بصفّ من الأعمدةِ المنخفضةِ، وإن فَرّغت الفراغاتِ التى بين الأعمدةِ لكَانَت سَتشكّلُ وحدها غرفةِ داخليةِ كبيرةِ، لأن كل الصرحِ كَانَ، إذا جاز التعبير، شفّاف؛ كَانَ عاديَا، ماعدا في مناسبات خاصة، لأن الممراتِ كانت تُغلَقُ. كانت الغرفة مُضاءة بفتحاتِ في قمةِ الجدرانِ. في المقدمةِ، كان هناك أولاً دهليز، يمكن دخوله من خلال ثلاثة أبوابِ، الغرفة الداخلية الواسعة، حيث تتدلي عِدّة مصابيح مِنْ المنصّةِ؛ الجدران كانت مُزُيّنة للعيد للنصف بحصيرةِ جميلةِ أَو نسيج ذو رسوم وكان هناك فتحةِ في السقفِ ومُغَطّاة بشاشِ أزرقِ شفّافِ. الجزء الخلفي من هذه الغرفةِ مُنفصل عنْ الباقي مِن قِبل ستارة من الشاشِ الشفّافِ الأزرقِ أيضاً. هذا الانقسام لغرفةِ العشاءَ لثلاثة أجزاءِ جعلها تشبه الهيكلِ، هكذا تتشكّلُ: الساحةَ الخارجيةَ فالقدّس فقدس الأقدَّاس. في آخر هذه الأقسامِ، وُضع على كلا الجانبينِ الملابس والأشياء الأخرى الضروري للاحتفالِ بالعيدِ. في الوسط كان هناك شئ كالمذبحِ. مقعد حجري علي ثلاث درجات، وعلي شكل مستطيل، بارز عنْ الحائطِ: لابدَّ أنْه يُشكّلَ الجزءَ من الفرنِ المستخدم لشي حملِ عيد الفصحِ، لأن اليوم الدرجات كانت ساخِنة تماماً أثناء الأكل. أنا لا أَستطيعُ أن أصْف كُلّ ما كان في هذا جزءِ من الغرفةِ بالتفصيل، لكن كُلّ أنواع الترتيباتِ قَدْ أُعدت هناك للاسْتِعْداد لعشاءِ عيد الفصحِ. فوق هذا الموقدِ أَو المذبحِ، كان هناك ما يُشبه كوّةِ في الجدارِ، رأيت أمامها صورةَ حملِ عيد الفصحِ، بسكين في حنجرتِه، ويظهر الدمّ مُتدَفُّق قَطرَةٌ قَطرَة على المذبحِ؛ لَكنِّي لا أَتذكّرُ بوضوح كَيف عُمِلَ هذا. في كوّة في الجدارِ كان هناك ثلاثة دواليبِ ذات ألوانِ مُخْتَلِفةِ، التي تحولت مثل معابدِنا، للفتح أَو الإغلاق. أُستعمل عدد مِنْ الأوعيةِ في الاحتفال بالفصح وحُفظت فيهم؛ لاحقاً، وُضع هناك القربان المُقدس المبارك. في الغُرَفِ في جوانبِ غرفةِ العشاءَ، كان هناك بَعْض الأرائكِ، وُضع عليها أغطية سميكة والتي يُمْكِنُ أَنْ تُستَعملَ كأسِرّة. كانت هناك أقبية فسيحةَ تحت كلّ هذه البنايةِ. أستقر تابوت العهدِ سابقاً أسفل البقعةِ حيث شُيد الموقد بعد ذلك. كان هناك أسفل البيتِ خمس قنوات ضيِّقة لإفْراغ القمامةِ إلى منحدرِ التَلِّ، فى الطرف الأعلى حيث شٌيد البيت. رَأيتُ السيد المسيح سابقاً يَعظ ويُشفي مرضي بطريقة أعجوبية، والتلاميذ يقضون الليلَ كثيراً في الغُرَفِ الجانبيةِ. عندما تكلم التلاميذ مع هالي الذي من حبرون، رجع هالي إلى البيتِ بالساحةِ، لَكنَّهم اتّجهوا نحو اليمين، وأسرعوا لأسفل الجانبِ الشماليِ للتَلِّ، من خلال جبل صهيون. عبروا علي جسر ومشوا فى طريق مُغَطّى بنبات العُلّيق ووَصلَ إلى الجانبَ الآخرَ من الوادي الذي كَانَ أمام الهيكل وأمام صفِّ البيوتِ الذين كَانوا جنوب تلك البنايةِ. كان هناك بيتُ سمعان الشيخ، الذي ماتَ في الهيكل بعد تقديمِ الرب؛ وأبنائه، البعض مِنْهم كَانوا رسل للسيد المسيح في الخفاء، كَانوا يعِيشُون في الحقيقة هناك. تَكلّمَ التلاميذ مع أحدهمِ, رجل أسْمَر البشرة وطويل، الذي يشغل ما يُشبه مكتبِ في الهيكل. خَرجوا مَعه إلى الجانبِ الشرقيِ للهيكل من خلال ذلك الجزءِ من أوفيل الذي دخل منه السيد المسيح أورشليم فى أحدِ السعف، ومن هناك إلى سوقِ الماشيةَ، الموجود في البلدةِ شمال الهيكل. رَأيتُ في الجزءِ الجنوبيِ من هذا السوقِ بعض السياج الصَغيرةَ بها بَعْض الحملانِ الجميلةِ التى كَانتْ تَثِبُ حولها. كانت خراف الفصح تُشتري من هنا. رَأيتُ أبن سمعان يَدْخلُ أحداها والحملان تثب حوله كما لو أنَّهم يعَرفونه. اختارَ أربعة وآتي بهم إلى غرفةِ العشاءَ. رَأيتُه بعد الظهر في غرفةِ العشاءَ مُنشغلَ في إعْداْد حملِ عيد الفصحِ. رَأيتُ بطرس ويوحنا يَذْهبُان لأجزاء مختلفة مِنْ البلدةِ ويَطْلبُان أشياءَ مُخْتَلِفةَ. رَأيتُهما أيضاً يوقفاً مُقابل بابَ البيت الذي يخص فيرونيكا والذي يقعَ شمال جبل الجلجثة، حيث عاشَ تلاميذ السيد المسيح لجزء عظيم من الوقتِ، أرسلَ بطرس ويوحنا بَعْض التوابعِ مِنْ هناك إلى غرفةِ العشاءَ وأوكلوا إليهم بعض المهام التي نَسيتها. دَخلوا بيتَ فيرونيكا أيضاً، حيث كَانَ عِنْدَهُمْ عِدّة ترتيبات ليعَمَلوها. كان زوجها، الذي كَانَ عضو بالمجلسَ، غائبَ عادة ومشَغولَ في العملِ؛ لكن حتى عندما كَانَ في البيت كانت تراه قليلاً. كَانتْ امرأة فى عُمرِ العذراءِ المُباركة، وكَانتْ لِفترة طويلة مُرتَبَطة بالعائلةِ المقدّسةِ؛ لأنه عندما ظل الصبي يسوع لثلاث أيامَ في أورشليم بعد العيدِ، كانت هي التي تمده بالطعام. أَخذ التلميذان أشياءِ أخرى مِنْ هناك، آخذا الكأس الذي أستخدمه الرب سر العشاء الرباني المباركِ. الكأس الذي أحضره التلاميذ مِنْ بيتِ فيرونيكا كَانَ رائعَا وغامضَ في مظهرِه. لقد ظل لوقت طويل في الهيكلِ بين الأشياءِ الثمينةِ الأخرى مِنْ التحفة الفنيّة القديمةِ العظيمةِ، استعماله وأصله كَانا قَدْ أُهملا. نفس الشئ حدث بدرجات متفاوتة في الكنيسةِ المسيحيةِ، حيث عديد مِنْ الجواهرِ المُكَرَّسةِ أُهملتْ وأُصبحتْ بلا استعمال بالوقتِ. الأواني والجواهر القديمة، دَفنَت تحت الهيكلَ، غالباً ما حُفِرَ عليها وبيعت أَو أعدَت. هكذا كَانَ ذلك، بترخيص من اللَّهِ، هذا الإناء المقدّسِ، الذي لم يستطيع أحد أن يصهرِه لكونه صَنع من مادّةِ مجهولةِ، والذي كَانَ قَدْ وُجِدَ مِن قِبل الكهنةِ في خزينةِ الهيكلِ بين الأشياءِ الأخرى لَم تعد تُستعملَ، كَانَ قَدْ بِيعَ إلى بَعْض دارسي الأشياء الأثريّة. لقد اشترته فيرونيكا واستعمله السيد المسيح عدة مرات في الأعياد، ومِنْ يومِ العشاء الأخيرِ، أصبحَ ملكيةَ خاصّةَ للجماعةِ المسيحيةِ المقدّسةِ. الكأس كَانَ كمثرى الشكل, ضخم, مصقول للغاية، ذو حُلي ذهبيةِ ومَقبضين صغيرين يُرفع منهما. قاعدته مِنْ الذهبِ، مصنوعة بشكل مُتقَن، مُزَيّنَة بثعبان وعنقود عنب صغير، وغنية بالأحجار الكريمةِ. حُفظت الكأس في كنيسةِ أورشليم، في يدي القدّيس يعقوب الصغير؛ وأنا أَرى أنّه ما زالَ محفوظ في تلك البلدةِ وأنه سَيظْهرُ ثانية يوماً ما، بنفس الطّريقة كما من قَبْلَ. أَخذتْ الكنائسُ الأخرى الكؤوسُ الصَغيرةُ التي كانت تُحيط بالكأس؛ وصاروا بحوزة البطاركةِ، الذين كانوا يشَربون منها عندما يتَلقّوا بركة أَو عندما يعطوا منح البركة، كما رَأيتُ العديد مِنْ المراتِ. هذا الكأس كَانَ من أملاك أبينا إبراهيم؛ جَلبَه مالكي صادق مِنْ أرضِ السامريين إلى أرضِ كنعان، عندما كَانَ يَبْدأُ في عمل الترتيبان فى البقعة حيث بُنِيتْ أورشليم بعد ذلك؛ لقد استعملَها حينئذ لتَقديم ذبيحة، عندما مَنحَ الخبز والخمر في حضورِ أبينا إبراهيم، وتَركَه في ملكيةِ ذلك الأبِّ المقدّسِ. هذا الكأسِ نفسهِ كَانَ قَدْ حُفظ في فُلكِ نوح. وُضع في الجزءِ العلوي من الفُلكِ. لقد حفظه موسى أيضاً في مقتنياته. الكأس كَانَ ضخم كالجرس. كان يبدوا وكأنه شُكّلَ بالطبيعةِ ولَيسَ من قبل فَنانِّ. السيد المسيح وحده هو الذي يعَرفَ ما ماذا صُنع. في الصباحِ، بينما كان التلاميذ مشغولين في أورشليم لأعداد الفصح، السيد المسيح، الذي بَقى في بيت عنيا، أَخذَ فى وداعَ النِساءِ القدّيساتِ ولعازر وأمِّه المباركةِ، وأعطاهم بَعْض التعاليم النهائيةِ. لقد رَأيتُ الرب يَتحدّثُ مَع أمِّه على حِدة وأخبرَها، من بين أشياءِ أخرى، بأنّه أرسلَ بطرس، تلميذ الإيمانِ، ويوحنا، تلميذ الحبِّ، ليعدا الفصح في أورشليم. عندما تكلم عن المجدلية قال أن حزنها شديد، لأن حبّها كَانَ عظيمَ، لكنه ما زالَ إلى حد ما بشريَ، وبسبب هذا حُزنِها جَعلَها بجانب نفسها. تَكلّمَ أيضاً عن مخططاتِ يهوذا الخائنِ، وصَلّتْ العذراء المباركة من أجله. تَركَ يهوذا بيت عنيا ليذِهب إلى أورشليم، تحت حجة سداد بَعْض الديونِ المُسْتَحقّة. قَضى طول اليومَ في الذهاب والإياب من فريسي إلى آخر، ويَبرم اتفاقياتَه النهائيةَ مَعهم. لقد أروه الجنود المُكلفين بالقَبْض على شخصَ منقذِنا الإلهي، ولقد نظّمَ يهوذا رحلاتَه ذهاباً وإيابا ليكون قادر على تَفسير غيابِه. لقد رأيت كُلّ مخططاته الشرّيرة وكُلّ أفكاره. لقد كَانَ يهوذا نشيطَ وخدومَ على نحو طبيعي، لكن هذه الإمكانيات الجيدةِ تبددت بالجشعِ والطموح والحسد، تلك المشاعر التى لم يبذل أي جُهدِ للسَيْطَرَة عليها. لقد أدّى معجزاتَ وشفىَ المرضى في غيابِ الرب. عندما أخبر الرب أمِّه المباركةِ بما هو عتيد أن يقع, لقد تَوسّلتْ إليه، بأكثر التعبيرِات حزناً بأن يدعها تَمُوتُ مَعه. لَكنَّه نَصحَها بأن تُبدي المزيد من الهدوءِ في أحُزانِها أكثر مِنْ النِساءِ الأخرياتِ، أخبرَها بأنّه سيقوم ثانيةً، وحدّدتْ البقعةَ التى سيَظْهرَ فيها إليها. أنها لَمْ تَبْكِ كثيراً، لكن حزنَها كَانَ يتعذر وصفهَ، وكان هناك شيءُ مُرعبُ في نظراتها. إلهنا القدوس أعادَ شكرها كابن مُحب لكُلّ الحبّ الذى حملته له وضَمها فى صدره. أخبرَها أيضاً بأنَّه سيجْعلُ العشاء الأخيرَ مَعها، روحياً، وحدّد لها في أَيّ ساعة ستَتلقّى جسدَه الثمينَ ودمَّه. ثمّ مرةً أخرى، بلغةِ مؤثرة، ودّعَ الجميع وأعطاَهم تعاليم مختلفةَ. قُبَيلَ ظهرِ، ذهب السيد المسيح والتلاميذ التسعة مِنْ بيت عنيا إلى أورشليم، وتَبعَه سبعة من الرسل، الذين جائوا مِنْ أورشليم وضواحيها باستثناء نثنائيل وسيلا. من بين هؤلاء يوحنا مرقص، وأبن الأرملةِ الفقيرةِ التي قدّمَت فلسيها في الهيكلِ فى الخميس سابق بينما كان السيد المسيح يَعِظُ هناك. لقد ضمه السيد المسيح إلى جماعتِه قبل أيام قَليلة. تَبعتْه النِساءُ القدّيساتُ لاحقاً. سار السيد المسيح ورفاقه هنا وهناك حول جبلِ الزيتون، خلال وادي يهوشافاط وحتى بقرب جبل الجلجثة. لقد أعطاهم السيد المسيح طوال سيرهم تعاليم مستمرة. من بين الأشياءِ الأخرى أخبرَ التلاميذ بأنّه حتي الآن أعطاَهم خبزَه وخمره، لكنه سيعطيهم اليوم جسده ودمَّه. بأنه سيَمْنحُهم كُلّ ما عِنْدَهُ. بينما كان يَنْطقُ بهذه الكلماتِ، وجه الرب كان مُتأثراً، كما لو أنَّه كَان يسْكبُ نفسه بالكامل، كما لو أنَّه يَذبُل بالحبِّ ليعْطي نفسه للإنسان. لَمْ يَفْهُم تلاميذه كلماتَه, لقد اعتقدوا بأنّه كَانَ يُشيرُ إلى حملِ عيد الفصحِ. لا كلماتَ تستطيع أَنْ تَصف حنانة، كَمْ كان السيد المسيح صبوراً في تعاليمه الأخيرةِ سواء التى في بيت عنيا والتى كانت أثناء ذهابه إلى أورشليم. وَصلتْ النساء القدّيسَات في وقت لاحق إلي بيتِ مريم أم مرقص. لم يرافقهم الرسل السبعة الذين تبعوا الرب إلى أورشليم. لقد حَملوا الملابس اللازمة لمراسم عيد الفصح. بعد أن وَضْعوهم في غرفةِ الانتظار مَضوا إلى بيتِ مريم أم مرقص. عندما وَصلَ بطرس ويوحنا العلية بالكأسِ الذي جَلبوا مِنْ فيرونيكا، كانت ملابس المراسمِ التى أحضرها الرسل السبعة أو بعض رفاقِهم موجودة في غرفةِ الانتظار. لقد كسّوا جدرانَ غرفةِ العشاءَ وفَتحَوا الفتحاتَ التى في السقفِ وأعدّوا المصابيح الثلاث المُعلّقةِ. بإنهاء ذلك خَرجَ بطري ويوحنا إلى وادي يهوشافاط ودعوا الرب والتلاميذ التسعة. جلي الرسل والأصدقاء الذي كَانوا سيأكلون فصحهم في العلية في ثلاث مجموعاتِ منفصلةِ يتكون كل منها مِنْ أثني عشرَ شخص، يتَرَأّس كل مجموعة شخص الذي يعمل كمضيّفِ. كان السيد المسيح والتلاميذ الإثني عشرَ في نفس القاعةِ؛ نثنائيل مَع عديد مِنْ الرسل الأكبر سناً في أحد الغُرَفِ الجانبيةِ؛ وفي الغرفة الأخرى مع أثني عشر آخرين جلس الياقيم، أبن كلوبا ومريم التى لهالي، وشقيق مريم التى لكلوبا. لقد كَانَ أحد تلاميذ يوحنا المعمدان. في أحد البناياتِ الجانبيةِ قُرْب مدخلِ ساحة العلية، تناولت النساء القديسات طعامهم. لقد تم تقديم ثلاثة حملانِ في الهيكلِ، لكن كان هناك حمل رابع تم تقديمه في غرفةِ العشاءَ، وكَانَ هذا هو الموضوع أمام السيد المسيح مَع تلاميذه. لم يكن يهوذا مهتماً بهذا الاحتفال، لكونه مُنشَغلَ بتَخطيط خيانتِه للرب، لقد عادَ قبل لحظات قَليلة من الأكل، وبعد أن تم تقديم الحملِ. أكثر المشاهد تأثيراً كَانَ مشهدَ ذبح الحملِ الّذي سَيُؤْكَلُ مِن قِبل السيد المسيح وتلاميذه؛ حَدثَ في دهليزِ غرفةِ العشاءَ. أنشد التلاميذ والرسل الحاضرين المزمور 118. تَكلّمَ السيد المسيح عن فترة جديدة ثمّ بِداية، وقالَ بأنّ تضحيةَ موسى وشخصية حملِ الفصحِ على وَشَكِ أَنْ يَتم إكمالَهم، لكن ذلك على حسابِه، الحمل الذي سيًضَحَّى به بنفس الطّريقة كما فى الماضي في مصر، وبأنّهم حقاً على وشَكُ أَنْ يَتحرروا مِنْ بيتِ العبوديةِ. أُعدت الأواني والآلات الضرورية، وبعد ذلك جلب المرافقون حمل صَغير جميل مُقلّدَ بتاج، الذي سبق وأُرسلَ إلى العذراءِ المباركةِ في الغرفةِ التى تمَكث فيها مَع النِساءِ القدّيساتِ الأخرياتِ. قُيد الحمل وظهرِه مقابل خشبة بحبل حول جسدِه، وذكّرَني ذلك بالسيد المسيح المُقيّد بعمودِ وجَلدَ. حَملَ أبن سمعان رأس الحملَ؛ حزّ السيد المسيح حزاً طفيف في رقبتِه بطرف السكين، ثمّ أعطىَ أبن سمعان السكين ليُكملُ ذبحه. بَدا السيد المسيح مكروها وهو يحز رقبة الحمل، وكَانَ سريعَ في حركاتِه، بالرغم من أن وجهِه كَانَ مُتَجَهّمَ وطريقته مُثيرة للاحترام. سُكب الدمُّ في حوض، وجلب المرافقون غصن من نباتِ الزّوفا غمّسَه السيد المسيح في الحوض ثمّ ذَهبَ إلى بابِ الغرفةِ ومسح جانبيةَ والقفلَ بالدمِّ، ووَضع الفرعَ الذي كَانَ قَدْ غُمّسَ في الدمِّ فوق البابِ. ثمّ تَكلّمَ مع التلاميذ وأخبرَهم، بين أشياءِ أخرى، بأنَّ الملاك المُهلّك سيَعبر عنهم, فعليهم أن يُمجّدُوا في تلك الغرفةِ بدون خوف أَو قلق، عندما هو، حمل الفصح الحقيقي، الذي سيُضحّي به، ذلك عهد جديد وذبيحة جديدة عَلى وَشَكِ أَنْ تَبْدأَ وستَدُومُ حتى نهاية العالمِ. ثمّ مَضوا إلى موقدِ الفصحِ في نهايةِ القاعةِ حيث وُضع تابوت العهد سابقاً. هناك وَجدوا نار موقدة. رَشَّ السيد المسيح الموقد بالدمِّ، كرّسَه كمذبح. بقيّة الدمِّ مع الدهنِ ألقي فى النارِ تحت المذبحِ ثم تَجوّلَ السيد المسيح حول العلية يَغنّي المزاميرَ وكرّسَها كهيكل جديد. أُغلِقتْ الأبواب خلال هذه المراسمِ، هذه الأثناء أعدَّ ابنُ سمعان الحمل. ثُبّتَ على ، الأرجل الأماميةَ رَبطتْ إلى عارضة، والخلفية إلى. آه! أنها تٌشبه كثيراً السيد المسيح على الصليبِ! ثمّ وُضع مع الثلاثة الآخرين الذين ذُبِحوا في الهيكلِ في الفرنِ ليتم شيهم. كُلّ حملان فصح ضُحّي بها في ساحةِ الهيكلِ، في إحدى الأماكنِ المختلفةِ الثلاثة، حسبما كون مٌقدميهم أغنياء، أَو فقراء، أَو غرباء. ومع أن حمل السيد المسيح لَمْ يُذْبَحُ في الهيكلِ، إلا أنه التزمَ بكُلّ نقاط الشريعة بكل صرامة. ذلك الحملِ لم يكن إلا رمز للسيد المسيح نفسه الذي سيُصبحُ فى اليوم التالي حملَ الفصحَ الحقيقيَ. فيما بعد تكلم السيد المسيح مع التلاميذ عن حملِ الفصحِ وعن إتمام ما كان يرَمزَ إليه، ولأن الوقت كَانَ يَقتربُ ويهوذا قد عاد، بَدأوا بإعْداْد الموائدِ. بَعْدَ ذلك ارتدوا ملابس الرحيل الطقسية، التي كَانتْ في غرفةِ الانتظار، وغيّروا أحذيتَهم. يتكون الرداء مِنْ سترة بيضاء مثل قميص، وفوقه عباءة قصيرة من الأمامِ عنْ الظهرِ. السترة طُوِيتْ لأعلى إلى النطاقِ، والأكمام الواسعة حُضِرتْ. هكذا استعدوا، ذَهبتْ كُلّ مجموعة إلى مائدتِها: مجموعتان مِنْ الرسل إلى القاعةِ الجانبيةِ، السيد المسيح والحواريون فى العلية. أَخذَ كُلّ أحد عصا في يَدِّه، وبعد ذلك مَشوا أثنين أثنين إلى المائدةِ حيث وَقف كل واحد في مكانِه، ذراعيه مرَفوعة، والعصا مستندة على أحدي اليدين. وَقفَ السيد المسيح في مركزِ المائدةِ. كَانَ معه عصاتان صغيرتانُ قدمها سيدُ العيدِ إليه. كانا منحنٍيان بعض الشّيء من أعلى، وبَديا مثل عصي الراعي. وُضع خطّاف في أحد الجناب، كأنه قُطع غصن. ألصقهم السيد المسيح فى نطاقِه على هيئة صليب على صدرِه، وعندما صلّوا، سند ذراعيه المَرْفُوعتان على الخطّافاتِ. كَانَ منظراً مُؤَثِّرِ للغاية برُؤية السيد المسيح يَتّكئ على هذه العصي كلما تَحرّكَ. كما لو أنّه عِنْدَهُ الصليبُ، الذي سيثقل على كتفِيه قريباً، الآن يسنده أسفل ذراعيه. في هذه الأثناء كان الجميع يهْتفُون، " مُباركَ يَكُونَ الرب إله إسرائيل، المجد للرب ". عندما انتهتْ الصلاة، أعطىَ السيد المسيح أحدي العصي إلى بطرس والآخري إلى يوحنا, وهم أما وضعوها جانباً، أَو مرّروها من يدٍّ لأخرى بين باقي التلاميذ، لكن علي ماذا يدل هذا، أنا لا أَستطيعُ أن أتذكر الآن. المائدة كَانتْ ضيّقَة وترتفع نحو قدمِ ونِصْف فوق ركبةِ الإنسان الوقف بجانبها. كانت على شكلِ حدوة حصان؛ ومٌقابل السيد المسيح، في الجزءِ الداخليِ للنِصْف دائرةِ، كان هناك فراع متروك لخِدْمَة الصُحونِ. بقدر ما أستطيع أَنْ أَتذكّرَ، وَقفَ على يمينِ السيد المسيح يوحنا، يعقوب الكبير، يعقوب الصغير ؛ ثمّ جاءَ بارثليماوس على اليمينِ أيضاً، لكن بقرب نهايةِ المائدةِ؛ وحول الركن في الجانبِ الداخليِ وَقفَ توما وبجانبه يهوذا الأسخريوطي. على يسارِ السيد المسيح وقف بطرس، أندراوس، تداوس؛ ثمّ على الجانبِ المُقابل، جاءَ سمعان؛ وحول الجانبِ الداخليِ، متى وفيلبس. وُضع حمل الفصح في وسط المائدةِ على صحن، رأسه يستند على رجليه الأماميةِ المٌَتقاطعة وقدميه الخلفية ممتدّة بطولها. على حافة الصحنِ كَانتْ هناك مجموعاتَ صغيرة من الثومِ. بجانبه صحن آخراً به لحمِ الفصح المشويِ، وعلي كلا الجانبين صحون من الأعشابِ الخضراءِ. رُتّبَت هذه الصحون في وضعِ مستقيم وعن قرب جداً بِحيث بدوا كما لو أنّهم يَنْمونَ. كان هناك صحنُ آخرُ به مجموعاتِ صَغيرةِ مِنْ الأعشابِ المرّةِ، بَدتْ مثل الأعشابَ العطريةَ. أمام مكانِ السيد المسيح مباشرة وضعت إناء من الأعشابِ الخضراءِ مع قليل من الاصفرار، وآخري بها نوع من الصلصة السمراء. وضُعت أرغفةُ مستديرةُ وصغيرةُ للضيوفُ واستعملوا سكاكينِ العظميةِ. بعد الصلاةِ، وضع سيد العيدِ على المائدةِ أمام السيد المسيح السكين لتقَطْيع حملِ الفصحِ، وْضُع كأس النبيذِ أمامه، ومِنْ دورق مَلأَ ستّة كؤوسَ أخرى، وضع كلّ واحد منها بين أثنين مِنْ التلاميذ. باركَ السيد المسيح النبيذ وشَربَ كل أثنين من التلاميذ مِنْ كأسِ واحدة. قطّعَ الرب حملَ الفصحَ. تناول التلاميذ تباعاً أرغفتَهم الصَغيرةَ وتلقّي كُلّ واحد نصيبه. أَكلوه بسرعة وفْصلوا اللحمَ عنْ العظمِ بسكاكينِهم العاجيةِ، وأُحرقتْ العظام بعدئذ. أَكلوا وبسرعة جداً أيضاً الثوم والأعشاب الخضراء، كانوا يُغمّسُونها أولاً فى الصلصةِ. لقد أَكلوا حملِ الفصحِ واقفين، مَائلين قليلاً على ظهر المقاعدِ. ثمّ كَسرَ السيد المسيح أحد أرغفةِ الخبزِ الخالي من الخمير، غَطّى جزءَ منه، وقسّمَ بقيته بين التلاميذ. بعد ذلك أَكلوا الأرغفةَ الصَغيرةَ التي عَملتْ كصحونِ. أُحضر كأس آخر من النبيذِ جُلِبَ. شَكرَ السيد المسيح لكنه لم يشَربَ منه. لقد قالَ: " خذُوا هذا النبيذِ واقتسّمَوه بينكم، لأني لَنْ أَشْربَ من الآن أي نبيذِ، حتى يأتي ملكوت الله " بَعْدَ أَنْ شَربَ الحواريين، أثنين أثنين، رتّلوا، وصَلّى السيد المسيح وعلّمَ. بعد ذلك غَسلوا أيديهم ثانيةً، وبعد ذلك اتّكئوا على المقاعدِ. لقد كَانوا واقِفينَ أثناء المراسمِ السَابِقةِ، أَو مستندين بعض الشّيء على المقاعد، وعُمِلَ كُلّ شيء بسرعة. قطّعَ السيد المسيح حمل آخر، حُمِلَ إلى النساء القديسات في المبنى الجانبيِ حيث تناولوا فصحهم. تَناولوا التلاميذ الأعشابِ والسلطة والصلصة. كَانَ السيد المسيح هادئَا جداً ورابِط الجأش، أكثر من أي مرة رَأيتُه فيها. نْسي التلاميذ همومُهم. حتى العذراء المباركة كَانتْ مُشرقة ومبتهجةَ أثناء جلوسها مَع النساء على المائدة. كَانَ مؤثراً جداً رُؤيتها تلتفت بكل بساطة إلى امرأة أخرى عندما يقتربوا مِنْها ويجذبوا انتباهَها بشد طرحتها. بينما كَان التلاميذ يَأْكلونَ الأعشابَ، واصل السيد المسيح التَحَدُّث مَعهم بمودة، لكنه بعد ذلك أصبحَ مُتَجَهّم وحزين وقالَ: "واحد منكم سَيَخُونُني, واحد يضع يَدَّه مَعي في الصحنِ." في تلك اللحظة كان أحدهم يُوزّعُ أحد الخضرِوات، وبالتحديد الخسّ الذي كان موضوع على صحنُ واحد فقط. كَانَ يَمرره بجانبِه وناوله ليهوذا، الذي كَانَ يَجْلسُ مقابله، ليوزعه على الجانبِ الآخرِ. ما أن أشار السيد المسيح للخيانة حتى اضطرب التلاميذ. ثمّ كرر السيد المسيح كلامه " واحد يَدّه مَعي علي المائدةِ، أَو من يغمّس بيده مَعي فى الصحنِ، " الذي وكأنه قال "أحد الإثني عشرَ الذين يَأْكلُون ويَشْربُون مَعي, أحد الذين كسرُت لهم خبزَي." بهذه الكلماتِ لم يَفشي السيد المسيح يهوذا للآخرين، لأن التَغْميس فى نفس الصحنِ كَانَ تعبير شائع عنْ الصداقةِ الأكثر عمقاً. كان السيد المسيح مازال يقَصدَ بذلك أَنْ يُحذّرَ يهوذا، لأنه كان حقاً يُغمّسُ يَدَّه مَعه فى الصحنِ أثناء توزيع الخسَّ. لاحقاً، قالَ: " إن أبن الإنسانِ ماضي حقاً كما هو مكتوبُ عنه، لكن الويلَ لذلك الإنسانِ الذي مِن قِبله سيُسلم أبن الإنسانِ! لقد كَان أفضل لَهُ أن لا يولد." بهذه الكلماتِ، أضطرب التلاميذ كثيراً وسألوا كل بدوره: هَلْ أنا يا رب؟ " لأنهم جميعا لَمْ يَفْهُموه بالكامل. في أثناء ذلك مال بطرس خلف السيد المسيح نحو يوحنا، أشارَ إليه أن يسأل الرب مَنْ يكون، لأنه تلقي دوما تأنيبَ مِنْ السيد المسيح، لقد كَانَ قلق لئلا يَكُونُ هو نفسه. الآن، كَانَ يوحنا يَتّكئ على يمين السيد المسيح، وبينما كَان الجميع يتّكئ على الذراعِ الأيسرِ كي يَأْكلَ باليدّ اليمنى، مال يوحنا برأسهِ بقرب صدرِ السيد المسيح وسَألَ " يا رب، مَنْ هو؟ " فحُذّرَ بشكل داخلي أن السيد المسيح يٌشيرَ إلى يهوذا. أنا لَمْ أَرى السيد المسيح يَقُولُ بشفاهِه: "أنه الذي سَأَعطيه اللقمةَ المغمّوسة " ولا أَستطيعُ أن أقول إن كان قال هذا بهدوء ليوحنا أَو لم يَقُولُه. لكن يوحنا فَهمَ ذلك عندما غمّس السيد المسيح لقمة الخبز في الصلصة وطواها بالخسِّ وقدّمَها بمحبة ليهوذا، الذي كَانَ يَسْألُ أيضاً " يا رب, هَلْ هو أنا؟ "نَظرَ السيد المسيح إليه بمودّة وأجابَ إجابة عامة. إعْطاء الخبزِ المغمّوسَ كَانَ تعبير عن الحبِّ والثقةِ، والسيد المسيح فعل ذلك بحبِّ صادقِ، ليحذر يهوذا وليجَنُّبه شبهاتِ الآخرين. لكن يهوذا كان مُشتعل بالغضب داخليا, طوال مدة العشاء، كان يجْلسُ عند قدميه مِسْخ صغير, كان ينَهضَ على قلبِه كثيراً. أنني لَمْ أَرى يوحنا يُذكر لبطرس ما علّمَه مِنْ السيد المسيح، لكني رَأيتُه يُطمئنُه بإيماءة. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|