رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الجسد وكرامته في المسيحية أ- جسدنا للربّ (6: 13- 14) جسد الانسان ما هو للزنى بل هو للربّ، والربّ للجسد. والله الذي أقام الربّ، يقيمنا، نحن أيضاً، بقدرته. هكذا نلاحظ الخطرَ الذي يهدّد هؤلاء المسيحيين الجدد الذين جعلوا أفروديت إلاهة الطبيعة البشريّة وفي الوقت عينه إلاهة الجمال والحبّ. فقدّم بولس تجاه هذا القول اعتراضاً يختلف اختلافاً أساسياً عمّا يُقال وعمّا يُفعَل. عاد إلى الانتروبولوجيا (نظرة إلى الانسان) المسيحيّة، فاستلهم الإيمان بالقيامة. بين الطعام والبطن تكيّفٌ متبادل وعلاقةٌ فيزيولوجيّة (على مستوى الوظائف في الجسم) لا يمكنها أن تنجّس الانسان. هنا نتذكّر كلامَ الربّ: "ما يدخل الانسان من الخارج لا ينجّسه، لأنه لا يدخل إلى قلبه، بل إلى جوفه" (مر 7: 18- 19). ثم إن هذه العلاقة زمنيّة وحسب. فالبطن والطعام يخسران وظيفتهما لأنهما عابران. ولكن بين الزنى والجسد، لم نعد أمام نظام فيزيولوجيّ وحسب: هناك مساس حيويّ بالجسد الذي افتداه الربّ وجعله روحانياً، وأعدّه للقيامة. إذن، بيّن بولسُ الاختلاف الواضح بين البطن بوظيفته الثانويّة في الجسد، وجسم الانسان كله مع عالمه الجنسي. فالنجاسةُ لا تُعتبر شيئاً حيادياً (أي لا خير ولا شرّ)، بل هي شرّ، لأنها تؤثّر في المصير الأبديّ لجسدنا. جاء هذا البرهانُ الأول على المستوى الاسكاتولوجيّ، على مستوى النهاية. فشدّد على البعد العميق للجنس والحبّ البشريّ، على مدلولهما، وعلى مسؤولية الانسان تجاههما. ويساعدنا هذا البرهانُ أيضاً على إيجاد تدرّج في أقوال لاحقة سيقولها بولس حول القيامة (15: 51- 53). فرغم تعارض ظاهر يدلّ على فكر متطوّر، فهم الرسولُ أن مجيء الربّ يتأخّر ولا يجيء في القريب العاجل. والبرهان الذي نقرأه في آ 18 يقترب من برهان قرأناه في آ 13: "كل خطيئة غيرُ هذه (الزنى) يرتكبها الانسان، هي خارجة عن جسده. ولكن الزاني يُذنب إلى جسده". ويعلن بولس أمراً قاطعاً: "اهربوا من الزنى". وهو يلحّ في هذا المجال على الكورنثيّين، كما سيُلحّ عليهم حين يحذّرهم من عبادة الأوثان في 10: 14 (اهربوا من عبادة الأوثان). فالسياق العباديّ للزنى أمرٌ معروف في كورنتوس، لهذا أضاف الرسول: "كل خطيئة يرتكبها الانسان هي خارجة عن جسده". أما يُفرط بولس في قوله حين يؤكّد أن كل خطيئة هي خارجة عن الجسد؟ فماذا نقول عن السكر، وعن الانتحار ووضع حدّ لحياة الانسان؟ والزنى، شأنه شأن كل خطيئة، أما يسيء إساءةً منظورة إلى القريب؟ هنا نقول إن بولس يقدّم براهينه بشكل عام، فلا تأتي كلُّها على مستوى واحد. وما يسعى إليه بشكل خاص، هو التشديد على خطيئة خطيرة مثل الزنى. فهي تُلزم كلّ الجسد في الانسان، تُلزم مركزَ شخصيّته. فالجسد معدّ للربّ، إلى الأبد. والفجور يحوّل مصيره. فالخطيئةُ التي تحمل أكبر عار للجسد، تجعله يعمل لتمجيد اللحم والدم والقوى الأصناميّة التي تخدمها بغايا كورنتوس. ب- جسدنا عضو المسيح (6: 15- 17) في آ 15- 17 (رج آ 19) يقدّم بولس موضوع تفكير آخر، موضوعاً يُفهم المسيحيّ أهميّةَ الاحترام لجسده. فمصيرُ المؤمنين أن يكونوا للربّ، لا في العالم الآتي وحسب، بل في هذا العالم أيضاً. افتداهم المسيح منذ الآن، فما عادوا مُلكاً لأنفسهم، بل صاروا بشكل سريّ من جسد المسيح، فشكّل كلُّ واحد عضواً في هذا الجسد. في آ 19 ب، عاد بولس إلى تعليم حول الخلاص كما سيفعل في 7: 23 حين يتوجّه إلى العبيد وإلى المعتقين المسيحيين فيذكّرهم بحرّيتهم الأساسيّة في المسيح، ويحثّهم على أن يرتفعوا فوق الاعتبارات الاجتماعية في نظر البشر: "اشتُريتم ودُفع الثمن. فلا تصيروا عبيداً للناس"! إن التعليم حول اتّحادنا بالمسيح وانتمائنا إلى جسده، فكرةٌ مركزيّة في الرسالة الأولى إلى كورنتوس، وتعليمٌ جوهريّ في انجيل بولس. هو يعود بلا شكّ إلى خبرة بولس، مضطهد المسيحيين، حين دعاه الربّ وهو في طريقه إلى دمشق: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني" (أع 19: 4)؟ وسيظهر هذا التعليمُ أيضاً في 10: 17 وبمناسبة الكلام عن الافخارستيا (فنحن على كثرتنا جسد واحد، لأن هناك خبزاً واحداً، ونحن كلنا نشترك في هذا الخبز الواحد)، وفي 12: 12- 27 مع كلام حول المواهب في الكنيسة، وفي15: 23 وحديث عن مجيء الربّ الثاني. هذا التعليم يُشرف على النظرة الشاملة التي نجدها في الرسالة إلى أفسس. الزنى يتجاوز حقَّ المسيح في شخص يخصّه، لأنه عضو من أعضائه. فينتزع الجسدَ من مالكه الحقيقيّ، الذي هو المسيح، ليسلّمه إلى آخر. بالفجور يصبح الجسد لآخر، ولا يعود خاصّة المسيح. تُسلّم البغيّ جسدها للرجل، والرجل يستسلم إلى البغيّ. وهكذا يتنجّس الجسدُ هنا وهناك. في آ 16- 17، يوسّع الرسول برهاناً كتابياً أو مدراشياً يُسند البرهان الذي أورده في آ 15 (أجسادكم أعضاء المسيح). استند بقوّة إلى لفظ «جسد» في تك 2: 24 (يصيران كلاهما جسداً واحداً)، فقابل بين نمطَيْ اتحاد ينتج عنهما شكلان من الوحدة: أما تعرفون أن الذي اتّحد بزانية صار وإياها جسداً واحداً؟ فالكتاب يقول: "يصير الاثنان جسداً واحداً". ولكن من اتّحد بالربّ، صار وإياه روحاً واحداً. إن الاتحاد بزانية، حسب الكتاب، يكوّن وحدة جسديّة، على مستوى اللحم والدم. ذاك هو شرّ عظيمٌ في نظر المعلّمين اليهود، وفي نظر بولس الذي تربّى لدى غملائيل. أما الاتحاد بالربّ فيكوّن وحدة روحيّة. ونشير أن الروح لا يستبعد الجسد، بل يدلّ على خلاصه وتأليهه. وبمختصر الكلام، وبالنظر إلى استعمال الجسد، يجد الانسان نفسه أمام خيار: أو يسلّمه "للحم" والدم، ولجميع التجاوزات، فيقوده إلى الانحطاط والدينونة، أو يكرّسه "للروح" ولاستعمال قويم في الزواج، أو خارج الزواج في البتوليّة. نقدّمه للروح، يعني نجعله يتماهى مع المسيح الممجّد الذي صار بقيامته روحاً محيياً. نذكر هنا أن بولس أوردَ تك 2: 24 في أف 5: 31، حين قدّم برهاناً كتابياً حول عدم انفصام الزواج. فهناك أكثر من تطبيق للنصّ الكتابيّ. ج- جسدنا هيكل الروح القدس (6: 18- 19) كتب الرسول في آ 17: "من اتحد بالربّ صار وإياه روحاً واحداً". ويتواصل هذا التفكير في آ 19، بشكل سؤال يجب أن يكون الجواب عليه بالايجاب: "أما تعرفون أن جسدكم هيكل الروح القدس، الذي هو فيكم والذي هو هبة من الله"؟ استعارةُ الهيكل عزيزة على قلب الرسول. فهو يتوسّع في رسائله، في لاهوت الكنيسة التي هي هيكل روحيّ لله، وسط البشر. وفي 1 كور 3: 16- 17، استعمل صورة الهيكل لكي يندّد بعمل سيّئ لدى وعّاظ يزاحم بعضُهم بعضاً: أما تعرفون أنكم هيكل الله وأن روح الله يسكن فيكم؟ فإن هدم أحدٌ هيكل الله، هذا، يدمّره الله. لأن هيكل الله مقدّس، وهذا الهيكل هو أنتم. غير أننا نلاحظ أن آ 19 هي الموقع الوحيد الذي فيه يطبّق بولس استعارة الهيكل على جسد المسيحيّ كشخص فرد. فهو بالأحرى اعتاد أن يستعمل لفظة وصورة الاناء. إن فيلون الذي تشرّب من روح الفلسفة اليونانيّة، طبّق صورة الهيكل على العقول، ولكن بولس ذهب أبعد منه، فطبّق هذه الصورة على الجسد، بالنظر إلى عقيدة القيامة. ونذكر هنا للافادة 1 تس 4: 3- 8 حيث يتوسّع بولس في ارشاد حول قيمة الجسد: تلك هي مشيئة الله: قداستكم. فتمتنعوا عن الزنى ويعرف كلُّ واحد منكم كيف يستعمل جسداً يمتلكه في القداسة والكرامة... لأن الله دعانا، لا إلى النجاسة، بل إلى القداسة. فمن رفض هذا (التعليم)، لا يرفض انساناً، بل الله الذي يمنحكم روحه القدوس. وإذ حثّ بولس الكورنثيين على مثل هذه الكرامة والقداسة للجسد، ما تردّد بأن يكتب أن جسدهم هو هيكل الروح القدس. ففي هذا الهيكل المصغّر الحيّ الذي يُروحنه المسيحُ ويُنعشه روحُ المسيح القائم من الموت، فيُصبح جسداً مُعَداً للقيامة، في هذا الهيكل يؤدّي المسيحي فعلَ العبادة الذي يليق بالله. لهذا يختتم بولس كلامَه في هذا النصّ الذي ندرس: "مجّدوا الله في جسدكم" (آ 20). فهناك ليتورجيا مسيحيّة للجسد. وإذ يحافظ المسيحيّ على هذا الجسد بحيث لا ينتهكه شيء، يؤدّي فيه الخدمة ويُصعد نحو الله الحمدَ وذبيحةَ الشكر (1 كور 5: 8؛ روم 12: 13). لهذا، فالزنى هو انتهاك الأقداس وإهانة للروح القدس. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الحسد فى المسيحية |
الحسد في المسيحية |تصميم |
هل تؤمن المسيحية بوجود الحسد ؟ |
هل تؤمن المسيحية بوجود الحسد؟ |
الجسد وكرامته في المسيحيّة |