رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاعتراضات الخمسة لأصحاب نظرية إنكار تاريخية تكوين ١-١١ لقد بنى أصحاب هذه النظرية تعاليمهم على اعتراضات خمسة واجهتهم في النص الكتابي تتلخص في الآتي: الاعتراض الأول: رمزية آدَم للإنسانية لتشابه الاسم في العبرية يقول أصحاب هذا الرأي أن أدم يرمز إلى الإنسانية وليس شخصية تاريخية، لأن أسم آدَم بالعبري هو אָדָם وهو ذاته اسم الإنسان بالعبري הָאָדָם في قول الرب «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ וַיֹּאמֶר אֱלֹהִים, נַעֲשֶׂה אָדָם בְּצַלְמֵנוּ כִּדְמוּתֵנוּ» (تك١: ٢٦) «فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ וַיִּבְרָא אֱלֹהִים אֶת-הָאָדָם» (تك١: ٢٧). من هذا استنتج بعض النقاد أن آدَم هو شخصية رمزية تُكلّمنا عن الإنسانية في خليقتها وامتحانها وسقوطها. التصحيح الكتابي: صحيح الاسم أدم هو بعينه ”الإنسان“، لأنه ببساطة هو أبو الإنسانية التي منه خرجت، لكن قد جانب أصحاب هذه النظرية الصواب تمامًا، لأنه بالاسترسال في النصوص الكتابية اللاحقة سنتقابل مع أفعال وأحداث حدثت لآدَم لا يمكن منطقيًا أن يكون الكلام فيها إلا عن شخصية تاريخية حقيقية، وليست شخصية رمزية. فماذا عن «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» (تك٢: ٧)؟ فهل الفعل جَبْل (فايتصير بالعبري – to form) يمكن أن يتم مع شخصية رمزية من تراب؟! وهل يُعقل أن ينفخ في رمز نسمة الحياة، وصيرورة هذه الجَبلة الرمزية نفسًا حية؟ وماذا عن وضعه في الجنة (مكان جغرافي) ليعملها ويحفظها (عمل وظيفي)؟ وماذا عن توصيته أن يأكل وألا يأكل (أكل حقيقي لشخصية حقيقية)؟ وماذا عن السبات وأخذ واحدة من أضلاعه لتأتي حواء؟ إن كان آدَم يمثل الإنسانية فحواء تمثِّل من؟!! الاعتراض الثاني: هل يُعقل أن تتكلَّم الحية؟ اعتمد أصحاب هذا الرأي على رفض كل ما لا يتناسب مع العقل بعد تجريد أحداث الكتاب من عنصر المعجزة. التصحيح الكتابي: إن استبعاد عنصر المعجزة من الكتاب المقدس فتح الباب لرفض كل ما لا يمكن استيعابه بالعقل الإنساني، بدءً من رمزية آدَم، وحوار الحية مع حواء، مرورًا باستحالة كتابة موسى لسفر التكوين، ووصولاً إلى إنكار معجزة شق البحر الأحمر أمام شعب الله، وإرجاع العبور إلى وجود مستنقعات ضحلة، وهكذا! لكن حقيقة إدراج عنصر المعجزة الإلهية، وقبول هذا الإعلان الإلهي بالإيمان، هو أساس فهم كل الكتاب المقدس. فبهذا الإيمان يُمكننا تصديق أن الحية تكلَّمت مع حواء، وأن الرب فتح فم الأتان لتتكلَّم مع بلعام (عد٢٢: ٢٨)، وأن الرب أعد حوتًا ليبتلع يونان. كما نجد في الأناجيل أنَّ الشّياطين تكلَّمت من خلال البشر (مت٨: ٢٩، ٣١؛ مر٥: ١٢؛ لو٤: ٤١؛ ٨: ٢٨). ورجوعًا مرة أخرى لقصة الحية، سنجد في تكوين ٣: ١٤ أنَّ الْله قد لَعَنَ الْحَيَّة. وفي تكوين ٣: ١٥ نجد وعدًا بمجيء نسل الْمَرْأَة ليسحق رأس الحية. فكيف تكون اللعنة لرمزٍ، والوعد بمجيء نسل المرأة ليسحق رأس رمز؟! الاعتراض الثالث: إن قصة أدم والخليقة تحتوي على عبارات مجازية شعرية وليست تاريخية التصحيح الكتابي: تتميز أقسام الكتاب المقدس بتنوّع الصور الكلامية ما بين أسفار تاريخية يغلب عليها الطابع القصصي مثل أسفار موسى وباقي الأسفار التاريخية، وأسفار نبوية يغلب عليها الطابع الرؤي مثل أسفار الأنبياء، وأسفار شعرية موضوعة في قالب شعري. وعليه ينبغي لنا تمييز النص الكتابي ومفرداته إن كانت تاريخية، أم رؤية أم شعرية. فعلي سبيل المثال عند الإشارة إلى عظمة الخليقة في مزمور ١٩ استخدم الروح القدس صورًا مجازية شعرية لأنه سفر شعري، فقال: «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ». فلأن القالب هو قالب شعري فقد شبَّه السماوات والفلك بإنسان يُحَدِّث ويُخْبِر. وهذا هو طابع النص الشعري. ومع أن تكوين ٢: ٢٣، ٢٤ عبارة عن قصيدة شعرية نظمها آدَم عن حواء، إلا أن الطابع العام لكل سفر التكوين عامة، ولقصة الخلق الواردة في تكوين الأصحاح الأول، ليس طابعًا مجازيًا شعريًا، وإنما هو الطابع القصصي التاريخي Narrative المُحدَّد بأشخاص وأسماء ومناطق جغرافية، وهذا كله من مستلزمات التاريخ والتأريخ. ويتميز هذا الأسلوب القصصي السردي في الكتابة بالترتيب الموضوعي والتتابع، لذلك يبدأ النص الكتابي في تكوين ١: ١ بفعل ماضٍ تام «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ (إيلوهيم) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ»، ثم تأتي كل الأفعال تباعًا. وورد حرف العطف في اللغة العبرية ”واو וַ“ في تكوين ١–٣ حوالي ١٠٠ مرة. وجدير بالذكر أن نشير إلى تكرار الفعل ”خَلَقَ“ وبالعبرية ”بارا – בָּרָא“ حوالي ٥٠ مرة في العهد القديم مرتبطة بالله، وهي تشير إلى الخلق دون الحاجة إلى مادة أولية، أي من العدم. الاعتراض الرابع: تشابه قصتي الخلق والطوفان بما جاء في الأساطير البابلية يدّعي أصحاب هذا الرأي بوجود تشابه بين قصتي الخلق والطوفان في سفر التكوين بما جاء في أساطير ما بين النهرين ولا سيما قصة إينوما إليش وملحمة جلجاميش المكتشفَتان على لوحين من حجارة بالقرب من مدينة نينوى ما بين ١٨٤٨–١٨٧٦ والمكتوبتان باللغة الأكادية، مما يؤكد على تأثر كاتب سفر التكوين بالقصتين وسردهما بذات الأسلوب الرمزي. التصحيح الكتابي: من المعروف كتابيًا أن الله خلق البشر وجعل الأبدية في قلبهم، ونسمة القدير في الإنسان تجعله يحنّ إلى الله. لذلك مع زيغان كل البشر بعد السقوط ظل هذا الحنين تجاه الخالق في قلوبهم. ومع مرور العقود وتعاقب الأجيال حاول الإنسان التعبير عن حنينه للخالق مع عدم معرفته له عن طريق العبادات الوثنية والأساطير الغيبية، بعيدًا عن الإعلان الإلهي في كلمة الله. وكما يقول ”جون أسوالت John Oswalt“ في كتابه ”الكتاب المقدس بين الأساطير The Bible among Myths“ إن سمات الفكر الكتابي تختلف كليًا عن فكر الأساطير للشعوب القديمة. وأَرْجَع الكاتب ذلك إلى الإعلان الكتابي المتميز عن باقي الأساطير لجهة الإيمان بالله الواحد Monotheism، وطبيعة الله كروح، وخلق الله للعالم بكلمته وبهدوء دون صراع بين الآلهة كما تقول الأساطير، وأيضًا النظرة السامية للإنسان، فهو مخلوق على صورة الله. ويعوزنا الوقت إن فنَّدنا الخرافات في الروايات البابلية، لذا سنسرد فقط بعض أوجه الاختلاف بين القصة الكتابية في سفر التكوين وهذه الخرافات البابلية: يعلن لنا سفر التكوين الله الإله الواحد، بينما القصة البابلية تسرد لنا صراعات بين عدة آلهة. سفر التكوين يشير إلى خلق الأرض من العدم، بينما القصة البابلية يرجعها إلى مادة سابقة. سفر التكوين يشير إلى خلق الإنسان على صورة الله، بينما في الرواية البابلية خلقه مردوخ من الإله نيجو. في سفر التكوين نظّم الله الخليقة في ستة أيام، بينما الرواية البابلية لا ترتب لنا شيئًا. سفر التكوين يشير إلى خلق الحيوانات والطيور، بينما لم تفعل ذلك الرواية البابلية. سفر التكوين يشير إلى خلق الشمس والقمر ثم النجوم، بينما الرواية البابلية تشير إلى خلق النجوم والقمر لتقسيم الوقت بين الآلهة، ولا وجود للشمس. الاعتراض الخامس: الإنسان تطوَّر عن الثدييات وليس هو أول البشر، وأن عمر الأرض ملايين السنين يعتمد أصحاب هذا الرأي على نظريات علمية معتمدة على الكربون ١٤ لتحديد عمر الأرض وبعض الحفريات بحوالي ملايين السنين. الرد العلمي والكتابي: أول من نادى بأن عمر الأرض حوالي ملايين السنين هم فلاسفة في القرن الثامن عشر، وهي نظرية فلسفية قبل أن تكون علمية. ومع ظهور نظرية داروين، تم التزاوج بين النظريتين لتُنتِجا لنا هذه الأفكار الحمقاء، حتى قبل اكتشاف كربون ١٤. وحتى عن طريق كربون ١٤ المُستخدَم لتحديد عمر الأرض والحفريات، فمعروف أن كل ذرة عند تفككها وتحلّلها تفقد نسبة من الكربون، ويُقاس عمر المادة بمقدار الكربون ١٤ المتحلل والمنقضي من الذرة. ومعروف أيضًا أنه لا توجد إثباتات علمية مؤكَّدة لتحديد عمر الأرض بملايين السنين إذ أن أقصى مدة يستطيع الكربون ١٤ تحديدها هي ١١٠٠٠ سنة فقط. لذلك ستظل نظرية التطور وتحديد عمر الأرض بملايين السنين مجرد نظريات غير مؤكَّدة أمام قصة الكتاب المقدس التاريخية الحقيقية والتي تبدأ بهذا الإعلان «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» (تك١: ١). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|