رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رفض الإيمان بالله «قال الجاهل في قلبه ليس إله» (مز 14: 1) في بداية حديثنا عن الله أود أن أطرح هذا السؤال: هل يمكن للإنسان أن يعرف الله؟ الإجابة هي: نعم؛ فالبديهة تقول ذلك، والتواتر يؤكِّده، والمنطق السليم يقف في صفه، والإعلان الإلهي أوضحه لنا. البديهة تقول ذلك: فالإنسان يعرف بالفطرة وجود الله. ويقول الرسول بولس: «إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ» (رو1: 19). ويؤكِّد بعد ذلك أن البشر جميعًا ومن قديم الزمن، عرفوا الله (رو1: 21). بعضنا سمع عن “هيلين كيلر” الأمريكية، تلك الفتاة التي أُصيبت في طفولتها بمرض أفقدها النظر والسمع والقدرة على النطق. واهتمت بها معلمة اسمها “آن سوليفانس”، وكرَّست جهودها لخدمتها؛ ونتيجة لذلك أمكن لهيلين أن تتواصل مع الآخرين عن طريق اللمس، بل وتعلمت الكلام، وتخرَّجت من الجامعة، وألَّفت العديد من الكتب؛ وبالإجمال أصبحت معجزة في تحدّي الإعاقة. عندما حاولت السيدة “آن” أن تتحدث مع الفتاة هيلين عن الله لأول مرة، قالت لها هيلين إنها كانت بالفعل تعرف عنه، ولو أنها لم تكن قد تعرفت على اسمه بعد! لكن ليس الفِطرة فقط تُخبرنا عن وجود إله، بل إن التواتر يؤكده، وأعني به التناقل من جيل إلى جيل. فمن بدء التاريخ، وبعد أن سقط آدم وطُرِدَ من الجنة (تك3)، نقرأ في الأصحاح الذي يليه مباشرة: «حينئذ اُبتدئ أن يُدعى باسم الرب» (تك4: 26). لقد ابتدأ السلف ينقل هذا الفكر إلى الخلف: أنَّ هناك الله. ولا يعرف التاريخ البشري زمنًا فيه الإنسان اخترع الله. ثم إن المنطق يقف في صفه: يُحكى عن أحد المؤمنين أراد أن يُؤكِّد لابنه وجود الله؛ فزرع في حديقة منزله زهورًا على هيئة الحروف الثلاث الأولى من اسم ابنه. خرج الولد للحديقة كالعادة، فوجد الثلاث حروف التي تكوِّن اسمه، فكاد يطير من الفرح، وركض إلى أبيه ليخبره عن هذا الذي وجده في الحديقة، كيف أنه شاهد الحروف الأولى من اسمه مزروعة في الحديقة. حاول الأب أن يتظاهر بعدم الاهتمام، وقال لابنه: “أيَّة غرابة في هذا؟ ألا يمكن أن يحدث مثل هذا من نفسه؟” إلاَّ أن الولد رفض منطق أبيه، وقال له: “هذا مستحيل يا أبي. لا بد أن يكون هناك من فعل ذلك”. ومن هنا اتَّخذ الأب فرصة لكي يُحدِّث ابنه الصغير عن هذا الإله العظيم الذي كوَّن وخلق كل شيء، وأن هذا الكون البديع لا يمكن أن يكون وجوده مجرَّد صدفة. أنا أعرف أن المنطق قد تشوَّه بالسقوط، ومع ذلك فالتفكير المنطقي ما زال بركة عُظمى أعطاها الله للإنسان، وما زال من أعظم ما ميَّز به الله البشر أن أعطاهم عقلاً يُفكر. وأخيرًا أقول إن الإعلان الإلهي أوضح وجود الله لنا: وهذا بلا شك أعظم الأدلة. ونلاحظ أن الكتاب المقدس لم يبرهن لنا وجود إله، بل حدَّثنا عن العديد من صفات ذلك الإله العظيم، والعديد من أعماله، ذاك الذي خلقنا وخلق الكون كله. لكي يُبرهن أحد الأفاضل وجود الله، قال: لنفترض أننا نسير في صحراء، ولفت انتباهنا من بعيد منظر مكعبات صخرية موضوعة بكيفية معيَّنة، فدفعنا الفضول لأن نقترب من هذه المكعبات، ولدهشتنا وجدنا أن على كل واحد من هذه المكعبات نُقش حرف من الحروف الأبجدية. ثم دقَّقنا النظر أكثر، فزادت دهشتنا إذ اكتشفنا أن هذه الحروف تكوِّن معًا كلمات. ثم دققنا النظر أكثر، فوجدنا أن هذه الكلمات لها معنى، وعندما قرأنا هذه الكلمات وجدنا أنها ليست مجرَّد كلمات، بل قصيدة شعرية رائعة. هنا نحن نجد أنفسنا أمام احتمال من اثنين: الأول أن هذه المكعبات كوَّنت نفسها بنفسها. فبفعل عاصفة هوجاء، تكسَّرت حجارة الجبل بهذا الشكل المتناسق، وبفعل عاصفة أخرى نُحتت تلك الحروف، ثم أتت عاصفة أخرى فحرَّكت الحجارة بصورة عشوائية، ولما هدأت العواصف اكتشفنا أنها كونت تلك الحجارة الجميلة والمتناسقة، والتي عليها نقشت حروف هذه القصيدة الشعرية البديعة!! والاحتمال الثاني: أنَّه سبقنا إلى هذا المكان شخص فنان، نحت هذه الحجارة، وعلى الحجارة نقش الحروف، ولكونه شاعرًا عظيمًا، بالإضافة إلى كونه نحاتًا ماهرًا، رتَّب الحجارة لتُكوِّن معًا هذه القصيدة الرائعة. والسؤال الذي أطرحه على القارئ العزيز: أيهما أسهل للتصديق؟ أن نقول: إن تلك الحجارة المتناسقة والمنحوتة بدقة، والمرتَّبة بهذا الشكل لتكوِّن قصيدة شعرية رائعة، تكوَّنت بالصدفة. وأنه بطريقة عشوائية محضة، تشكَّلت هذه الحجارة، وحُفرت تلك الحروف وتكوَّنت منها كلمات، وكُتبت القصيدة؟! أم أن نقول إنه لا بد أن إنسانًا مَرَّ قبلنا، وأنه عمل ما عمل؟ لا شك أن الاحتمال الأول غير منطقي على الإطلاق، بل هو حل هزلي؛ بينما الاحتمال المنطقي والمؤكَّد أيضًا أن هناك شخصًا عمل ذلك العمل. لعلك فهمت قصدي من هذه الأطروحة. أخي العزيز: إنَّ السماوات تؤكِّد وجود الله، والأرض تؤكَّد ذلك أيضًا، بل وكل ما عليها من بشر وحيوانات ونباتات.. يؤكِّد لنا تلك الحقيقة الواضحة. إن الكل يصرخ بأعلى صوته أنَّ هناك إله. البديهة قالت ذلك. والتناقل والتواتر أكداه. والمنطق يقرِّره. وأما أعظم الكل فهو ما وصل إلينا من إعلان الكتاب المقدس، الإعلان الكامل عن الله. خارج الكتاب المقدس يمكننا أن نعرف شيئًا عن الله. أمَّا أن نعرف الله، وأن نعرف صفاته، ونعرف طبيعته، ونعرف من هو في ذاته، فهذا لن يتأتَّى لنا بدون إعلان منه تبارك اسمه. قال صوفر النعماتي لأيوب: «أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ فَمَاذَا تَدْرِي؟ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ» (أي11: 7-9). نعم، لو لم يتنازل الله ويُعلن لنا في الكتاب المقدس عن نفسه، لما أمكننا أن نعرف من هو الله، رغم أن الخليقة تؤكِّد لنا وجوده. وإننا نقول بكلِّ أسف، إنه رغم أنَّ البديهة والتواتر والمنطق وإعلان الكتاب المقدس، كلها تؤكِّد أنَّ الله موجود، غير أنَّ الذين ينكرون وجوده ليسوا قليلين. وهم اتفقوا على إنكار وجود الله، ثم اختلفوا في التفاصيل. وهنا، كما في كل شيء آخر، انطبقت على البشر كلمات الوحي “كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه” (إش53: 6). وسأذكر ستًا من الفلسفات التي أنكرت وجود الله، ليست هي كل الموجودة في العالم، بل مجرد عينات، وكلها تقع تحت هذا العنوان الكبير: «قال الجاهل في قلبه ليس إله» (مز14: 1). وعلينا أن نُقِّر بأننا بالطبيعة لسنا أفضل من هؤلاء، الذين في عمى قلوبهم أنكروا وجود الله؛ فلولا عمل نعمته في قلوبنا لبقينا في جهل نظيرهم. هذه الفلسفات هي: الإلحاد .. فلسفة اللاأدرية .. نظرية التطور .. تعدد الآلهة .. ألوهية الكون .. الربوبية أو الألوهية . 1- الإلحاد Atheism وهم ليسوا قليلين في العالم. فكثيرون في العالم اليوم يفتخرون أنهم بلا دين، وأنهم لا يؤمنون بوجود إله. ويمكن أن نُقسِّم الإلحاد إلى نوعين على الأقل: إلحاد عقلي، وإلحاد واقعي. الإلحاد العقلي عنده براهينه، وصاحبه يحاورك ويجادلك، لكي يُثبت لك أنَّه لا يوجد الله. وهذا النوع موجود بكثرة في الغرب، ولو أنه بكل أسف مع موجة العولمة، وصل أيضًا إلى بلادنا، على استحياء. أصحابه يفتخرون بأنهم تحرَّروا من فكرة وجود إله، كما لو كان الإيمان بالله نقيصة! لكن بالإضافة إلى الإلحاد العقلي، هناك إلحاد واقعي. أقصد به شخصًا يعيش لنفسه فقط، وحياته العملية تقول إنَّه لا يوجد الله. هؤلاء بلغة المزمور هم “الناسون الله”. وهذا النوع في بلادنا أكثر من النوع الأول. لكن سواء النوع الأول أو الثاني، فإنه ينطبق عليهم قول الرسول: «ليس خوف الله قدَّام عيونهم» (رومية 3: 18). 2- اللاأدرية Agnosticism وهذه فلسفة قديمة من أيام الإغريق القدماء، وما زالت موجودة حتى الآن. هذه الفلسفة تدَّعي أن الإنسان لا يستطيع أن يجزم إن كان هناك إله أم لا، أو إن كان للوجود غرض أم لا! وصاحبها لا يناقش معك فكرة عدم وجود إله، لكنه يحاول أن يثبت استحالة أنَّ يعرف الإنسان عن يقين إن كان هناك إله أم لا، أو إن كان للكون غرض أم لا. ففلسفته تلخصها كلمة: “لا أدري”. 3- نظرية التطور Evolution هي فرضيَّة غير مُثبته، ولم يتبرهن صحتها، بدأت باستبعاد وجود إله للكون، وافترضت أن كل المخلوقات التي نراها، تكوَّنت من صورة حياة بدائية (هناك بعض النظريات حاولت أن تشرح كيف تكونت تلك الجرثومة)؛ ثم نتيجة الظروف العشوائية، والحقب اللانهائية (إذ إنهم يقولون إن الكون قديم، أو إنه أزلي)، تكوَّنت هذه الخليقة كلها. إنها نظرية تشبه الفرض الذي تحدَّثنا عنه منذ قليل، أن العاصفة هي التي نحتت المكعبات، ورتبتها لتعمل منها قصيدة رائعة! فما نراه من كائنات ومخلوقات...، كل هذا تكوَّن بفعل السنين الطويلة، والظروف العشوائية! ومع أن كثيرين من العلماء باتوا يرفضون هذه النظرية الآن، إلا أن آثارها التدميرية في إبعاد الله عن عقول الشباب، فعلت فعلها، وضاع نتيجة هذه النظرية الشيطانية الملايين. 4- تعدُّد الآلهة Polytheism لقد بدأ الإنسان بالتوحيد، ثم في زمن تالي اخترع تعدد الآلهة. وقديمًا في الوثنيات، كانوا كلَّما أُعجبوا بشيء في الخليقة، أو خافوا من شيء، يضيفونه إلهًا ويعبدونه؛ إكرامًا له لو كانوا معجبين به، أو اتقاءً لشره لو كانوا يخشونه. وهكذا هناك معبودات لا حصر لها. ويقال إن آلهة الهند لا تقع تحت حصر (بالملايين!). إن تعدد الآلهة يحدّثنا بصوت مرتفع عن مأساة الإنسان؛ فالإنسان بغريزته متدين، وهو في حاجة ماسة إلى الله، ولكن الشيطان انحرف بهذا الميل إلى الأصنام. وأما تعدد الأصنام فهو تكرار لما قلناه منذ قليل، إننا ملنا كل واحد إلى طريقه. 5- ألوهية الكون Pantheism إنها نظرية تقول إنَّ الكل هو الله، والله هو الكل. بمعنى أن الله هو كل ما يقع وكل ما لا يقع تحت نظرنا. قال سينكا الفيلسوف الروماني: ما هو الله؟ هو كل ما تراه، وكل ما لا تراه. أو بالحري الكل هو الله، والله هو كل شيء. 6- الربوبية أو الألوهية Deism وهي فلسفة نشأت في أوربا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، تقول إن هناك قوة أوجدت الكون، ثم تركته لحاله، إذ إنها غير مسؤولة ولا مهتمة بمصائر البشر. بمعنى أن هذه القوة أنشأت الكون، والكون بعد ذلك يسير من تلقاء ذاته. وما زال عند الإنسان الكثير لكي يستبعد الله من فكره. يكلمنا الرسول في فاتحة رسالة رومية فيقول: «لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ» (رو1: 20، 21). ومن هذا نعرف أمرين: الأول أن معرفة الله وصلت إلى ضمير جميع البشر. والثاني أن معرفة الله ليست هدفًا في ذاته، بل هي وسيلة لهدف. الهدف هو تمجيد الله وشكره، ولكن الأمم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه. نحن نمجد الله بالنظر لما هو عليه في ذاته، ونحن نشكره بالنظر إلى عطاياه ومعاملاته الرحيمة والكريمة معنا. ومحاولات البشر إبعاد الله عن فكرهم ترجع إلى كبرياء الإنسان وجحوده. فكبرياء الإنسان جعلته يرفض أن يمجِّد الله، وجحوده جعله يتجاهل أن يشكره. دعنا إذًا نحن الذين نعرف الله لا ننسى أن نمجده وأن نشكره. أننا في الأبدية التي لا نهاية لها لا نقرأ سوى أننا سنمجد الله وسنشكره. إن أول عبارة مذكورة عن المفديين في السماء في رؤيا 4: 10، 11 هي «يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ الْعَرْشِ قَائِلِينَ: “أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ”». كما يقول كاتب العبرانيين: «لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى» (عب12: 28). فليتنا نبدأ تلك الأعمال الأكثر أهمية من الآن. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أن تؤمن بالله هو هذا: الإيمان بالالتصاق بالله العامل |
شر القلب في عدم الإيمان بالله |
الإيمان بالله بسيط، |
الإيمان بالله |
الإيمان بالله.. اختيار إنسانى |