قال واحد إن المحبة إذا اتجهت من أسفل إلى أعلى، أي من الأدنى رتبة إلى الأسمى مقاماً، فهذا يُسمّى في لغة الكتاب سجوداً. وإذا اتجهت المحبة في اتجاه أفقي، أي إلى مَنْ هم في مستوى أدبي واحد، فهذا يُسمّى شركة. أما إذا اتجهت المحبة من أعلى إلى أسفل؛ من الأسمى إلى الأدنى فهذه نعمة. فيا لها من نعمة عظيمة أن تتجه المحبة من الله القدوس العظيم إلى الإنسان الساقط الأثيم!!!
فالنعمة، كما نتعلم من الكتاب المقدس، ليست إحساناً ومعروفاً يناله مَنْ لا يستحق فحسب، بل إنها إنعام على الذين يستحقون العكس تماماً. أو دعني أضعها في هذه الصيغة: إنها المحبة عاملة في مشهد الشر والعداوة لإسعاد الأردياء والأعداء. إنها بالإجمال إحسان بلا سبب، لمن لا يستحقون سوى الغضب! وحيث أن النعمة إحسان بلا سبب، لهذا فإنها عندما ظهرت فقد ظهرت لجميع الناس. فأي فرق بين إنسان وإنسان؟ وحتى لو وُجد هذا الفرق المزعوم، فإن النعمة لا تبالي به، لأنها تبحث عمن لا يستحق في ذاته شيئاً.
يمكننا أن نقول إنها تبحث عن أشخاص لا يميزهم أي شيء سوى الإتضاع والإقرار بأنهم في ذواتهم لا يستحقون شيئاً على الإطلاق، فتعطيهم النعمة كل شيء. أما الآخرون المتكبرون، فإنها ترسلهم خاو ين تماماً “لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة” (1بط 5: 5 ) . فالله يخلـّص المنخفض العينين، وينجى غير البريء ويقول الحكيم “مَنْ يكتم خطاياه لا ينجح، ومَنْ يقرّ بها ويتركها يُرحم”
وفى العهد الجديد قصد الله أن يخلـّص أول الخطاة، شاول الطرسوسي حتى يكون مثالاً لِما تستطيع نعمة الله أن تعمله مع أي واحد يُقبل إلى الله، واثقاً في كفاية عمله. إن الخلاص الذي تقدمه النعمة، هو خلاص بلا قيد ولا شرط، فيقول الرسول “صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلـّص الخطاة الذين أولهم أنا، لكنني لهذا رُحمت ليُظهر يسوع المسيح فيَّ أنا أولاً كل أناة مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية” (1تى1: 15-16) . وما دامت النعمة كافية لأشر الخطاة، فمَنْ ذا الذي يتعذر عليها أن تخلصه؟