فقالَ كَثيرٌ مِن تَلاميذِه لَمَّا سَمِعوه: هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟
تشير عبارة " كَثيرٌ مِن تَلاميذِه " إلى التَّلاميذ الذين هم غير المؤمنين الحقيقيِّين بل الذين تبعوه متظاهرين بأنهم تلاميذه كما جاء في قول المسيح:" لكِنَّ فيكم مَن لا يُؤمِنون" (يوحنا 6: 64).
أمَّا عبارة "سَمِعوه" فتشير إلى موقف يسوع إزاء هذه "الكلمة" التي تضعهم في صلة مع الله نفسه. يتقبلها سامعوها المتنوعون بصور مختلفة. فالجميع " يسمعونها " ولكن لا يرى ثمرها إلاَّ الذين يفهمونها (متى 13: 3) أو يقبلونها (مرقس 4: 2) أو يحفظونها (لوقا 8: 15).
ويقابل يسوع مصير الذين " يسمعون كلامه ويعملون به "، بمصير الذين " يسمعونه بدون أن يعملوا به " (متى 24:7 و26). ويبيّن الإنجيل الانقسام الذي حدث بين مستمعي يسوع بسبب كلامه (يوحنا 10: 19).
فمن ناحية، فريق يؤمن (يوحنا 2: 22، 4: 39 و1 4 و50)، ويسمع كلامه (5: 24)، ويحفظه (8: 51-52، 14: 23-24، 15: 20)، ويثبت فيه (8: 31) وينبت كلام يسوع فيه (15: 7). فهؤلاء لهم الحياة الأبديَّة (5: 24) ولا يرون الموت أبدًا (8: 51).
ومن النَّاحية الأخرى، هناك من يجدون هذا الكلام عسيرًا جدًا (6: 6) "ولا يستطيعون الاستماع إليه" (8: 43)، وبالتَّالي يرفضونه ويعرضون عن المسيح. هؤلاء سوف يحكم عليهم كلام المسيح ذاته في اليوم الأخير (12: 48) لأنَّه لم يتكلّم من نفسه بل كلامه من قبل الآب (12: 49، 17: 14).
وكلام الآب حق (17: 17). لذلك، فاتِّخاذ موقف من كلمة يسوع أو من شخصه أو من الله هو أمر واحد. وتبعًا للموقف الذي يتَّخذه الإنسان، يجد نفسه داخلًا في حياة فائقة الطَّبيعة، قوامها الإيمان، والثِّقة، والمحبة أو بالعكس، يجد نفسه داخلًا، مطروحًا في ظلمات العَالَم الشَّرير.