"وصِيَّتي هي: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا كما أَحبَبتُكم
"كما أَحبَبتُكم" فتشير إلى طريقة يسوع في الحياة التي هي ليست مجرد مقايس وأسلوب، بل هي الأساس الذي يُبنى عليه لكي يحيا النَّاس حياة مَحَبَّة على وجه عام. فهو لا يقول: "أحبوني كما أحببتكم"، بل يقول: "أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً كما أَحبَبتُكم". لا يشير يسوع إلى القواعد الّتي يجب أنّ نتبعها من أجل البقاء في حُبّه، بل يشير إلى نموذج يجب تجسيده. وقد وصلت محبَّته إلى أبعد أقصى الحدود؛ إذ وهب يسوع كلَّ شيءٍ حين ضحّى بحياته من أجلنا، ولم يُدخّر لنفسه شيئًا، حيث أنَّ الصَّليب هو قياسُ حبِّ يسوع لنا، إذ أحبَّنا حبًا أبديًّا. الحُبُّ الحقيقي لا ينطوي على إعطاء أشياء مادية لشخص آخر بل على بذل الذات في سبيل الآخرين. ولذلك، يتَّسم حبُّنا ببذلِ الغالي والرَّخيص في سبيل أحبائنا على خطى من احبّنا، وأن نحب حتى أولئك الذين لا يحُبونا ودون انتظار المقابل. فنحبَّ الآخرين كما أحبّ يسوع الزانيَّة ولم يدنْها بل سامحها (يوحنا 8: 11)، وكما أحبّ بطرس عندما أنكره (مرقس 14: 72)، وكما أحب أيضا يهوذا الإسخريوطي بالرَّغم من معرفته المُسبقة بأنه "سَيُسِلِمُه" (يوحنا 6: 64)، وكما أحب أخيرًا الذين صلبوه، إذ قال:" يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون" (لوقا 23: 34). ومن أجل ذلك كله، لم يتردَّد بولس الرَّسول أن يوصي بالمَحَبَّة الأخويَّة بقوله " أَزيلوا مِن بَينِكم كُلَّ شَراسةٍ وسُخْطٍ وغَضَبٍ وصَخَبٍ وشَتيمة وكُلَّ ما كانَ سُوءً. لِيَكُنْ بَعضُكم لِبَعضٍ مُلاطِفًا مُشفِقًا، ولْيَصفَحْ بَعضُكم عن بَعضٍ كما صَفَحَ الله عنكم في المسيح. اقتدوا إِذًا بِاللهِ شأنَ أَبْناءٍ أَحِبَّاء، وسِيروا في المَحَبَّة سيرةَ المسيحِ الَّذي أَحبَّنا وجادَ بِنَفسِه لأَجْلِنا ((قُربانًا وذَبيحةً للهِ طَيِّبةَ الرَّائِحة " (أفسس 4: 31-5: 2). وبتعبير آخر، قدَّم يسوع كمثال محبَّتنا لبعضنا البعض مثال محبته لنا لا مَحَبَّة البشر بعضهم لبعض، والتي هي تبادل بشري "أعطيك فتعطيني". المَحَبَّة الأخويَّة هي العلامة التي تدلُّ على التَّلميذ الحقيقي، وبدونها لا يدّعي أحدٌ أنَّه تلميذ يسوع، كما صرّح هو نفسه: " إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضًا عَرَف النَّاسُ جَميعًا أَنَّكُم تَلاميذي "(يوحنا 13: 35). الوصية المَحبَّة الأخوية هي الوصيَّة الوحيدة الّتي تركها يسوع ميراث لنا.