رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
راحاب الفتاة التي رفعها الله من المزبلة قصة راحاب الزانية الواردة في يشوع 2؛ 6 تصور لنا قصة شابة أُنقذت من أوحال الخطية ورُفعت إلى ذرى عالية من الكرامة والمجد. كانت راحاب شابة عاهرة، من سقط المجتمع في مدينة أريحا. لكن نعمة الله وصلت إليها في حالتها التعيسة وغيرتها، وجعلت منها آية من آيات النعمة! وبعد ذلك ورد ذكرها في العهد الجديد في ثلاثة فصول: هي متى 1؛ وعبرانيين 11 ؛ ويعقوب2 . فهي أولاً ترد في سلسلة النسب الملكية لربنا يسوع المسيح، ملك الملوك ورب الأرباب في متى 1، ويا له من شرف عظيم! ثم ترد في أصحاح الشخصيات الأكثر شهرة في التاريخ المقدس: سجل أبطال الإيمان (عب11)، وبين تلك الأسماء اللامعة في هذا الفصل، يرد اسم راحاب التي بالإيمان لم تهلك مع العصاة. ثم يرد اسمها مرة ثالثة في يعقوب 2. ونلاحظ أنه في عبرانيين 11 لم يذكر هناك سوى اسم امرأتين: كانت إحداهما سارة أم المؤمنات، والثانية راحاب الزانية؛ وفي يعقوب 2 لا يرد سوى اسم شخصين: أولهما إبراهيم أبو المؤمنين والثاني راحاب الزانية! فيا للعجب أن الإيمان ربط راحاب بسارة أم المؤمنات، وبإبراهيم أبي المؤمنين، كما ربطها الإيمان عينه بربنا يسوع المسيح ابن إبراهيم، الذي هو رئيس الإيمان ومكمله. هذا معناه أن النعمة من جانب الله، وأن الإيمان من جانبها هي، حصَّلا كل هذه الكرامة لتلك الشابة "راحاب" التي نتحدث عنها في هذا العدد من المجلة، رغم أنها كانت سلالة جنس ملعون، وتسكن مدينة ملعونة، وتمتهن مهنة ملعونة! ماضيها الأليم: غلبت عليهم طبيعتهم الحيوانية، فأفسدوا ما قدسه الله وكرمه في البداية، وانطبق عليهم القول: «إنسان في كرامة ولا يفهم، يشبه البهائم التي تباد» (مز49: 20). وللأسف فهذه المهنة الرديئة والفاسدة هي مهنة قديمة جداً، إذ نقرأ عنها في أول أسفار الكتاب المقدس (تك38: 15و21و22). بالإضافة إلى هذا فإن اسم "راحاب" يعني سليطة وقاسية وفظة، أو قد يعني الاسم: رحب وعريض. وهي كلها معاني تلقي بإيحاءات غير طيبة لقصة حياتها. وعندما أرسل يشوع جاسوسين إلى أريحا ليتجسسا المدينة، يخبرنا الوحي بأنهما ذهبا إلى بيت راحاب، وربما ذهبا إليها، لأنه لم يكن من الممكن أن يذهبا إلى مكان آخر في المدينة دون لفت الانتباه إليهما. لم يكن هذا فقط كل مأساة تلك الشابة، بل إذ كانت حياتها مظلمة، فقد كان مستقبلها أكثر ظلاماً، لا سيما بعد وصول يشوع والشعب إلى شاطئ نهر الأردن مقابل مدينة أريحا. وكان في ذلك الوقت قد كمل ذنب الأموريين، الذي لم يكن قد كمل بعد أيام إبراهيم (تك15: 16)، فكان الله على وشك أن يوقع الدينونة عليهم. وكانت أريحا شريرة كمعظم المدن الوثنية، بل ربما كانت أشر مدن الأموريين، لذلك طلب الله من يشوع أن يبدأ بها، وأن يبيد المدينة عن بكرة أبيها. والعجيب أن أريحا تعني رائحة، أو رائحة عطرية، وهي في هذا تمثل هذا العالم: يجذب من الخارج، ولكنه محكوم عليه بالحريق. وأريحا – كما نعلم - تقع قريبة من نهر الأردن، نهر الموت. وملك أريحا هو صورة للشيطان. خلاصة القول إن راحاب كانت من جنس ملعون (كنعان) حلت عليه اللعنة من قديم الزمان (تك9: 25)، وكانت تسكن مدينة واقعة تحت غضب الله، وعلى وشك الحريق، بالإضافة إلى ذلك فربما كانت تلك البغية السليطة أشر امرأة في مدينة أريحا، ليس فيها من هو أشر أو أكثر فساداً منها. وإن كان البر قد قضى بإبادة شعوب تلك المدن التي كمل مكيال إثمهم، فيا للعجب أن النعمة خلصت أشر شخصة في أشر مدينة من هذه المدن! استقبالها للجاسوسين: عندما أرسل يشوع جاسوسين ليتجسسا الأرض، كان نهر الأردن ممتلئاً إلى جميع شطوطه كل أيام الحصاد. هذا معناه أن الأمور كلها كانت على ما يرام، والكل مشغول بالحصاد، ولا أحد يفكر في أن الدينونة على الأبواب. صحيح كانت أريحا مغلقة مقفلة (يش6: 1)، وكان لها أسوارها المنيعة. لكن أ كانت تستطيع تلك الأسوار، ولو كانت تصل إلى السماء، أن تجعل أريحا في مأمن من دينونة الله؟ كلا البتة. وصل الجاسوسان إلى أريحا. ونحن لا نجد سبباً واحداً من الوجهة العسكرية يبرر إرسال يشوع لهذين الجاسوسين، ولكن كان لهما لزوم أكثر أهمية جداً، كما سنرى الآن. وصل الجاسوسان إلى أريحا، ودخلا بيت راحاب فاستقبلتهما، وفوراً نما الخبر إلى ملك البلاد، فأرسل إلى راحاب ليقبض على هذين الجاسوسين. وأما راحاب فخبأتهما في بيتها، ورفضت تسليمهما إلى ملك البلاد، بل وضللت رسل الملك، إذ كذبت عليهم، لكي لا يعلموا مكانهما. يقول الوحي: «فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب واضطجعا هناك. فقيل لملك أريحا هوذا قد دخل إلى هنا الليلة رجلان من بني إسرائيل لكي يتجسسا الأرض. فأرسل ملك أريحا إلى راحاب يقول: أخرجي الرجلين اللذين أتيا إليك ودخلا بيتك، لأنهما قد أتيا لكي يتجسسا الأرض كلها. فأخذت المرأة الرجلين وخبأتهما وقالت: نعم جاء إليّ الرجلان، ولم أعلم من أين هما، وكان نحو انغلاق الباب في الظلام أنه خرج الرجلان. لست أعلم أين ذهب الرجلان. اسعوا سريعاً وراءهما حتى تدركوهما. وأما هي فأطلعتهما على السطح، ووارتهما بين عيدان كتان لها منضدة على السطح. فسعى القوم وراءهما في طريق الأردن إلى المخاوض. وحالما خرج الذين سعوا وراءهما أغلقوا الباب». ونحن نلاحظ أن الكتاب المقدس لا يجامل البشر ولا يغطي على عيوبهم ونقائصهم، كما أنه لا يبرر أخطاءهم. إنه يرسم لنا الصورة الحقيقية للشخص، موضحاً لنا إيجابياته وسلبياته، لكنه في الوقت ذاته يعلمنا أن الله وكفارته يغطي كل عيب ويكفر عن كل خطية. ونحن لا يمكننا أن نبرر ما فعلته راحاب هنا، ولا نقر إطلاقاً كذبها في ما ذكرته من أقوال لرسل الملك، ومع ذلك فلا ينبغي أن نغفل أن حكمنا عليها بالمقاييس المسيحية الكاملة التي نحن نعرفها اليوم، أشبه بمن يحكم على الأطفال بما ينتظر من الرجال. لقد كانت راحاب راجعة لتوها من الوثنية إلى الله الحي الحقيقي، ولم تكن قد برأت بعد من آثار البيئة الشريرة التي ربيت فيها، كما كان ينقصها الكثير لكي تتعلمه في طريق التقوى. لكن ما أعظم ذلك الإله، الذي لا يطفئ الفتيلة الخامدة ولا يقصف القصبة المرضوضة. لقد أمسك بيديها حتى شفيت من العرج. وهو درس هام لنا، أن نتمهل على الصغار، وأن نحتمل أضعاف الضعفاء، وألا نقسو على الآتين إلينا من البيئات التي لم تكن تعرف الله المعرفة الحقيقية. وفي العهد الجديد، في أصحاح الإيمان، أشار الرسول إلى إيمانها، ولم يشر إلى كذبها، تماماً كما أشار ـ في الفصل ذاته ـ إلى إيمان سارة ولم يشر إلى ضحكها. إيمان راحاب: والسؤال المهم: ما الذي جعل راحاب تفعل هذا الذي فعلته؟ لماذا خاطرت بنفسها؟ ولماذا عرضت نفسها لغضب ملك البلاد؟ والإجابة في كلمة واحدة هي "الإيمان". لم يكن الإيمان في راحاب مجرد عقيدة، فالعقيدة الصحيحة مع أهميتها ولزومها، فإنها بمفردها لا تخلص. لقد وصلت أخبار شعب الله إلى سكان مدينة أريحا جميعاً، لكن لم يتجاوب أحد مع تلك الأخبار كما تجاوبت راحاب. اسمع ما قالته راحاب للجاسوسين: «علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض، وأن رعبكم قد وقع علينا، وأن جميع سكان الأرض ذابوا من أجلكم. لأننا سمعنا كيف يبس الرب مياه بحر سوف قدامكم عند خروجكم من مصر، وما عملتموه بملكي الأموريين اللذين في عبر الأردن سيحون وعوج اللذين حرمتموهما. سمعنا فذابت قلوبنا ولم تبق بعد روح في إنسان بسببكم» (يش2: 9-11). إنها صدقت ما صدقه أهل بلدها، لكن إيمانها كان عاملاً وكان حياً وكان حقيقياً. إنها مثل الآخرين امتلأت خوفاً ورعباً، لكنها وجهت خوفها التوجيه الصحيح، وحولته إلى رأس الحكمة، التي هي مخافة الرب (مز111: 10). وهي في هذا في مفارقة مع شعب أريحا، الذين سمعوا ما سمعته هي تماماً، لكنهم قسّوا قلوبهم. بل ويا للعجب إذ أنها أيضاً في مفارقة مع شعب الله أنفسهم، أولئك الذين لم يسمعوا فقط ما فعل الله، بل كانوا شهود عيان لهذه الأمور كلها، لكن سقطت جثثهم في القفر. وذلك بسبب عدم الإيمان (عب3: 19-4: 2)! وهذه الفتاة العظيمة تذكرنا بمؤمني تسالونيكي الذين كان ماضيهم – مثل راحاب - مظلماً، لكنهم إذ سمعوا الرسالة من فم الرسول بولس ورفقائه، فقد تسلموا منهم كلمة خبر من الله، وقبلوها لا ككلمة أناس، بل كما هي بالحقيقة، ككلمة الله التي تعمل أيضاً فيهم (1تس2: 13). هكذا أيضاً هنا نرى كيف كان لراحاب إيمان حي بالإله الحي، وأنها صدقت الخبر الذي وصل إليها. والآن عزيزتي الشابة، عزيزي الشاب، ماذا بالنسبة لك؟ يقول الكتاب «الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله» (رو10: 17). ونحن عندنا في كلمة الله، الكتاب المقدس، أخبار مؤكدة عن دينونة رهيبة قادمة على العالم كله. هذه الأخبار تحدثنا عنها بكل صراحة ووضوح كلمة الله المنزهة عن الكذب أو المبالغة؟ فماذا نحن فاعلون مع تلك الأخبار؟ ترى هل نحن نهتم بقراءة الكتاب المقدس:كلمة الله؟ وهل نحن إذ نقرأه نصدق كل ما ورد فيه؟ ترى هل نحن نفعل كما فعلت تلك الشابة، إذ نوجه العقيدة الصحيحة بقرب مجيء المسيح، التوجيه الصحيح، فنستعد لهذا المجيء المرتقب بالتوبة والإيمان، والاحتماء في دم المسيح الذي هو الستر الوحيد الذي ينجينا من الهلاك مع العصاة؟ هل إيماننا في شخص المسيح وموته لأجلنا فوق الصليب هو مجرد عقيدة، أم أننا مثل راحاب نمتلك الإيمان الحي المؤثر والمغيِّر؟ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|