رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في وقته وفي غير وقته قال الرسول لتلميذه تيموتاوس: »أناشدك... أن تبشِّر بكلام الله، وتلحَّ في إعلانه في وقته وفي غير وقته، وأن توبِّخ وتُنذر وتَعظ صابرًا كلَّ الصبر في التعليم« (2 تم 4: 1-2). ذاك هو واجب الكاهن الأوَّل. حمل الكلمة. مرّات عديدة نسمع: ما لنا أحد يعلِّمنا. ونجيب المؤمنين: هل أنت قاصر؟ ألا تعرف أن تقرأ، أن تسمع، لا شكَّ في ذلك. ولكن لماذا رُسم الكاهن أوَّلاً؟ أليس من أجل التعليم، في خطِّ المسيح الذي دُعيَ أكثر من مرَّة »يا معلِّم«. ما نلاحظ في الرسالة الأولى (1 تم) إلى تيموتاوس المرّات العديدة التي فيها يذكِّر الرسول تلميذه بواجب التعليم. لماذا؟ لأنَّه أحسَّ بالنقص. يُقال: هناك أناس لا يحتملون التعليم. فما لنا ولهم؟ جواب الضعف والخوف والاستسلام. جواب الأجير الذي يرى الذئب آتيًا »فيترك الخراف ويهرب« (يو 10: 12). وفي أيِّ حال، قليلون هم الكهنة الذين يحبّون الوعظ والتعليم والإرشاد. وإن فعلوا، فيوم الأحد فقط. وماذا يعظون؟ كلام الله أم كلام الناس؟ لهذا نرى المؤمنين في رعايانا يهربون من عندنا ويمضون إلى حيث يسمعون كلام الله. أربع مرّات يأتي فعل »علَّم« في 1 تم، حيث يقول بولس »لكاهنه«: »فعليك أن توصي بهذا وتعلِّم« (4: 11)، خصوصًا في وجه »المعلِّمين الكذّابين«. وفي علاقة الأسياد بالعبيد، يقول الرسول: »علِّمْ هذا وعظْ به« (6: 2). من الصفات الأولى لمن وُضعت عليه اليد »أن يكون صالحًا للتعليم« (3: 12). ثلاث مرّات يرد الاسم »التعليم« حيث يسمع تيموتاوس ويسمع الكهنة: »واظب على القراءة والوعظ والتعليم« (4: 13). ماذا يقرأ مثل هذا التلميذ؟ الكتب المقدَّسة. هنا نتذكَّر آباء الكنيسة الذين تركوا لنا هذا الإرث الواسع. ماذا كانت ثقافتُهم الأولى؟ الكتاب المقدَّس، كلام الله. نتعرَّف في كنيستنا الأنطاكيَّة مثلاً إلى يوحنّا الذهبيّ الفم. لم يُقَل عنه شيء بالنسبة إلى سائر المواهب. بل صار اسمه مرادفًا لحمل الكلمة وإتقانها وإيصالها إلى المؤمنين، الذين نالوا »الذهب«، لا معدنًا من نوع آخر مثل القصدير والحديد. ولا أشياء مثل الخشب والقشّ والتبن (1 كو 3: 12) الذي هو مثل الرماد حين تمرُّ عليه النار. فماذا يطلب المؤمنون من الكاهن؟ أيكون أستاذًا في الطب أو الهندسة أو الحقوق؟ أيكون بارعًا في السياسة وفي الأمور الاجتماعيَّة؟ أيكون خطيبًا مصقعًا يرصف الكلام ويكرِّره؟ هنا نفهم أن يهرب الناس من الوعظ والتعليم. والوعظ هنا هو الإرشاد، حيث يعلِّمنا الرسول كيف يكون: »نرشد الكسالى، نشجِّع الخائفين، نساعد الضعفاء« (1 تس 5: 14). ولا نخاف أن نحذِّر من يعيش حياة لا تليق بالدعوة التي دُعينا إليها. ولكن من يكون هكذا »لا تعاملوه كعدوّ، بل انصحوه كأخ« (2 تس 3: 15). ويسمع تيموتاوس نصيحتين يستعمل كلَّ واحدة بحسب المناسبة، فيتحلّى بصفة التمييز. مع الشيوخ مثلاً: »لا توبِّخ شيخًا، بل أرشده بلطف كأنَّه أب لك« (1 تم 5: 1). والشبّان هم »إخوة لك«. والعجائز هنَّ »أمَّهات«. »وأمّا الشابّات فعاملهنَّ بكلِّ عفاف كأنَّهنَّ أخوات« (آ2). ولكنَّ »شيوخ الكنيسة«، أي الكهنة (أو: الخدّام) والقسس (والقسيس في السريانيَّة هو الشيخ) يُكرَّمون الإكرام المضاعَف، لأنَّهم »يتعبون في التبشير والتعليم« (5: 17). ولكن إن لم يكونوا على قدر المهمَّة في الإهمال والتكاسل، ماذا يفعل بهم تيموتاوس؟ هل يتغاضى عنهم؟ كلاّ. »أمّا المذنبون فوبِّخهم أمام جميع الحاضرين حتّى يخاف غيرهم« (آ20). ونتذكَّر هنا كلام بولس إلى أهل كورنتوس ونطبِّقه على نفوسنا: »لو كنّا ندين أنفسنا، لتجنَّبنا الحكم علينا« (1 كو 11: 31). الوعظ، التعليم، الإرشاد، في كلِّ وقت، لا في الكنيسة فقط، يوم الأحد. فالمجمع الفاتيكانيّ طلب من الكهنة أن يُعطوا الشعب الكلمة في كلِّ قدّاس. وفي احتفالاتنا، وفي زيّاحاتنا، أين هو موقع كلام الله، نقرأه، نشرحه للمؤمنين؟ هل نتذكَّر أين كان يعظ يسوع؟ في السفينة، على شاطئ البحر، في المجمع، في البيت، وهو يمشي مع الجموع. يقول المثَل للناس، يشرحه. أين اللقاءات الإنجيليَّة؟ السهرات الإنجيليَّة في البيوت؟ اجتماع كلّ فئات الرعيَّة، من الصغار إلى الشيوخ مرورًا بالشبّان والشابّات. قال أحد الكرادلة في السينودس الأخير: عجيب! نعظ بضع دقائق فيتعب الناس منّا. وغيرنا يعظ ساعة وأكثر والناس يسمعون لهم. والسبب بسيط. ماذا يريد الناس من الوعظ؟ أن يروا يسوع. ذاك ما طلبه اليونانيّون من فيلبُّس وأندراوس (يو 12: 20)، فأوصل هذان الرسولان هؤلاء الناس إلى يسوع. أخبراهم عن يسوع. وهنا يقول لنا الرسول: نحن لا نعظ بأنفسنا، بل بالمسيح ربِّنا«. ماذا يعني هذا؟ أن يحمل الكاهن همَّ الكلمة. غير أنَّ هذا يعني أنَّه يعرفها. ماذا قال الرسول لتلميذه: »واظبْ على القراءة«. نعم. قال أحدهم: »من يقرأ الجريدة يعظ السياسة. ومن يقرأ الإنجيل، يعظ كلام الله«. يا ليتنا »نضيِّع« وقتنا في قراءة الإنجيل وشروحه والتعمُّق في تعاليم الآباء، بقدر ما نضيِّع الوقت في قراءة »الصحافة« أو الاستماع على الراديو أو مشاهدة التلفزيون. يجب أن نعرف ما حولنا من أحداث. لا بأس. وهنا يأتي كلام يسوع قاسيًا: »يا مراؤون، منظر السماء تعرفون أن تفسِّروه، وأمّا علامات الأزمنة فلا تقدرون أن تفسِّروها« (مت 16: 3). قيل عن خوري آرس ونحن نتذكَّر وفاته منذ 150 سنة إنَّه كان جاهلاً لأنَّه لا يعرف اللاتينيَّة وغيرها من العلوم. ولكنَّ الناس كانوا يسمعون له أكثر من أكبر المعلّمين في الجامعات الكبيرة، لأنَّها تعلِّم علم الله. وأتذكَّر أحد الأشخاص الذين كانوا يستعدُّون للرسامة الكهنوتيَّة. كان طالبًا عاديٌّا. فاحترق قلبه بكلام الله، فأخذ يقرأ ويتأمَّل ويسأل، فتميَّزت عظاته تمييزًا كبيرًا فكان الجميع يسمعون إليه بارتياح. والقدّيس أوغسطين الذي بدأ حياته في العلوم الدنيويَّة، والتحق بعدد من الفلسفات والبدع. ولكنَّه سمع يومًا في الحديقة صوتًا سرِّيٌّا يقول له: »خذ واقرأ«. وأخذ يقرأ الكتب المقدَّسة، وترك لنا إرثًا من الشروح ما زلنا ننهل منه إلى الآن: تأمُّلات في المزامير، شرح إنجيل يوحنّا، رسائل القدّيس يوحنّا التي نُقلت إلى العربيَّة. افتخر بولس فقال: »جعلني الله مبشِّرًا ورسولاً ومعلِّمًا الأمم في الإيمان والحقّ« (1 تم 2: 7). أوَّلاً، ما انحصر في جماعة محدَّدة. بل انفتح على »الأمم«، على الجميع. وذلك مع أنَّه يهوديّ، فرّيسيّ. هو »الكارز« المنادي، الذي يسير أمام »معلِّمه«. ومن أجل هذا أُرسل، لا لكي يسابق الآخرين في تكوين فئة تسير في فلكه بل ليضع الأساس في كل مكان يصل إليه، بحيث لا يبني على أساس غيره. قال: »ما أرسلت للتعميد، بل للتبشير، غير متَّكل على حكمة الكلام لئلاّ يفقد موتُ المسيح على الصليب قوَّته« (1 كو 1: 17). وهناك موضع مميَّز للتعليم، الليتورجيّا، التي تعني في الأصل: العمل العامّ. عمل شعب الله. ممارسة العوامّ في الكنيسة. ومن هو المسؤول؟ تيموتاوس، الكاهن الذي يرأس الجماعة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
صار الأبْرَص من حيث لا يدري مبشِّرًا بملكوت الله |
تصميم جديد| لأن الله جعلني مثمرا في أرض مذلتي (تك 41: 52) |
الله جعلني مثمرا في ارض مذلتي |
الله جعلني مثمرا |
الله جعلني مثمرا |