رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاستسلام للربّ
المزمور المئة والحادي والثلاثون 1. المزمور المئة والحادي والثلاثون هو مزمور ينشده المرتّل ليعلن ثقته وثقة شعبه بالرب. ليكن اسرائيل راجيًا للرب من الآن وإلى الأبد. كتبه بشكل تعليم ليساعد جماعة مساكين يهوه وأتقياءه على ممارسة التواضع والوداعة والاستسلام إلى الله، بانتظار أن يتّخذ اسرائيل كله طريق التواضع والثقة بالله. 2. الاستسلام إلى الله والخضوع له. آ 1: طريق التواضع والوداعة: لم يرتفع قلبي. آ 2: طريق الطفولة: كالطفل في حضن أمه. آ 3: طريق الثقة والرجاء: ليكن اسرائيل راجيًا للرب. هذا المزمور الذي يتلوه الحجاج يعلّمنا، مع غيره من المزامير، أن كل حاج هو اسرائيل، وأن اسرائيل يجد نفسه في كل حاج. فالحاج هو أولاً عضو في جسد وفرد من شعب جاء يلتقي باقي الحجاج أعضاء جماعته. ولهذا ينتقل من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع، من "أنا" إلى "نحن". كل اسرائيل، وكل فرد من الشعب مدعو إلى أن يتّكل على الله، وعلى الله وحده. ولكن هذا الاتكال ليس توكلاً وتخاذلاً وخنوعًا. بل هو السلام والاستسلام الذي يملأ قلب المؤمن فرحًا وسعادة. يسلك الانسان بالتواضع، فيسجد للرب في هيكله، ورأسه ملتصق بالأرض. هو لا يريد السماء والعلو، فيتشبه بآدم وحواء اللذين أرادا أن يكونا مثل الله. وهو لا يطلب الاعمال العظيمة والمعجزات. يكفيه إيمانه، وطوبى لمن يؤمن دون أن يرى. يكفيه أن يعرف أنه بين يدي الرب وأنه يضع رجاءه في الرب. ولا ننسى أن ما نقوله عن الفرد نقوله عن الشعب كله، والفرد يعبّر عن عواطف الشعب والشعب يحمل عواطفه الافراد. 3. أعلن أشعيا (2: 11- 17) أن "الكبرياء رجس عند الله، فترفّع الانسان سيُوضع ويتعالى الرب وحده". هذا ما فهمه صاحب المزامير فطبّق على نفسه كلام الله إلى باروك، تلميذ إرميا (إر 45: 5): "أنت تلتمس لك أمورًا عظيمة. ها أنا جالب شرًا على كل البشر. أما أنت فأهب لك حياتك مغنمًا حيثما تذهب". جاهد المرتّل طويلاً قبل أن يصل إلى هذا التواضع، وسيفهم أخيرًا ما وعد الله به صهيون. "أتنسى المرأة الابن الذي ترضعه، أتنسى الأم ابن رحمها؟ ولو أنها نسيته فأنا لا أنساك يا شعبي" (أش 49: 15) بهذه الكلمات أعلن المؤمن إيمانه بالله ودعا الشعب إلى الثقة بالرب. 4. الانسان الذي يتخلّى عن الترفّع والكبرياء والهموم تحصل نفسه على السلام. هذا ما نتعلّم من المزمور 131 بلغة كلّها بساطة، فنستعد لنسمع ما قاله يسوع: طوبى للمساكين بالروح، طوبى للودعاء، طوبى لصانعي السلام (مت 5: 3، 5، 9). احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني تجدوا الراحة لنفوسكم، فأنا وديع ومتواضع القلب (مت 11: 29). 5. كيف فسّر الآباء المزامير شدّد كل الآباء على المعنى الحرفي: أوسابيوس تيودورس، يوحنا فم الذهب، إيرونيموس... ويعود إيرونيموس إلى الجذور التاريخية للكتاب المقدس، ويتحدّث يوحنا فم الذهب عن أورشليم والنظم اليهودية. ويقابل الآباء النصوص بعضها مع بعض. يعود بعضهم إلى النص العبري ويقابل يوحنا الذهب الترجمات المختلفة. وينسب الآباء (ديديمس، تيودورس، هيلاريوس...) المزامير إلى داود. ويعتقد إيرونيموس أن موسى كتب المزمور 91. وسيحاول الآباء أن يضعوا المزمور في إطاره التاريخي، والأمر ظاهر جدًا في تفسير تيودورس الذي نقرأه في السريانية. فيقول عن المزمور 141: يقول هذا المزمور عن شعب بابل الذي يبكي بسبب المصائب التي ترهقه والذي يطلب من الرب متضرعًا أن يخلصه منها. وعن المزمور 143: برع المكابيون بانتصارات عديدة ضد جيش أنطيوخس الثاني وضد الشعوب الذين حولهم بعد أن قهروهم كلهم وأخضعوا قسمًا كبيرًا منهم. إذا يقول داود هذا المزمور باسمهم حين انتصروا فطلبوا أن يكون نصرهم كاملاً. والمسيح حاضر في قراءة المزامير. إما أن يُنسب المزمور إليه (22؛ 110) وإما أن يظهر شخص المسيح من خلال النص، وإما أن تدفعنا الليتورجيا لنرى في زيارة الملك المسيح المنتصر. قرأنا مثلاً المزمور 8 فرأينا فيه تعليمًا عن التجسد بلسان تيودورس المصيصي. ونتوقّف هنا على أربعة مواضيع. أ- سر الله من الطبيعي أن يظهر سرّ الله في نصوص تتوجّه إليه. فالله سرّ. وهو يبقى سرًا رغم أنوار الوحي. فيجب أن نعبده في الصمت والعزلة. وهو روح لا يقع تحت الحواس ولا يرتبط بمكان. لا يجب أن نصنع التماثيل له كما يفعل الوثنيون ولا يجب أن نتعب في البحث عنه. لأنه الخير الأسمى. والله يكشف عن نفسه من خلال أعماله. فموضوع الخلق حاضر في المزامير وبالتالي في شروح الآباء. فالله سيّد الكون وهو يقود التاريخ لا في الماضي فحسب، بل اليوم. والله يكشف عن نفسه في عمله. يكشف الله قداسته ويبيّن بعض المرات "غضبه". هو خلاص وهو رحمة. إنه يحمينا ويبقى معنا وفينا. والله كشف عن نفسه في يسوع المسيح. فهو بفضل المسيح يسكن وسط أخصّائه، يسكن قلب الانسان. فيبقى علينا أن ننتظره ونستقبله. والله يفعل بروحه. فالروح يرتبط بعمل الله ويظهر في النبوءات. وروح الله ظاهر بطريقة خاصة في شرح مز 51، وهو يفعل في طريق العودة والتوبة فينير الخاطئ ويعطيه هبة الدموع وينقّي له قلبه. ثم إن دور الروح أوليّ في التدرّج المسيحي (المعمودية، التثبيت، الاوخارستيا) الذي يقودنا إلى الكمال. والله ثالوث. فالله الواحد والثالوث هو أصل كل إنسان وأصل كل شيء. ب- المسيح ونحن قلنا أعلاه إن المسيح يظهر مرارًا في شروح الآباء الذين يؤكّدون لاهوته وتجسده. أولاً: في مراحل حياته البشرية، يشدّد اعتراف الايمان الكرستولوجي على المحطات الهامة من حياة يسوع منذ مولده إلى آلامه. أما سفك دمه فصار فداء عن خطايانا ومصالحة وغفرانًا. وترد القيامة مرارًا لأنها حجر الزاوية في المسيحية، ولولاها لا معنى للآلام والموت. ثانيًا: يسوع المسيح ملك وسيط. إن المزامير الملوكية تؤكّد على ملك المسيح الشامل، وهذا ما يتوسّع فيه تيودورس وأوسابيوس وغيرهما. وتبرز وساطة المسيح في الحياة الروحية التي يأتي بها لأنه مبدأها. فهو الراعي الذي يقود خراقه، والفخاري الذي يعتني بخلقه. وهو سيقاسم المؤمنين ملكه. ثالثًا: المسيح والكنيسة. يرد موضوع الكنيسة مرارًا وبصورة غير منتظرة. وهذا ما يبيّن كيف تجمع صلاة المزامير بين المسيح والكنيسة. فالمسيح يفتح الكنيسة بآلامه المجيدة كما يقول كيرلس الاسكندراني، والكنيسة هي امتداد خيرات القيامة بيننا كما يقول أوسابيوس. شبَّهها الآباء بثوب يسوع غير المخيط وقالوا إنها الشعب الجديد المنفتح على الجميع. صورها أيرونيموس متنقلّة وسماوية، وأبرز أوغسطينس موضوع المدينتين، وتيودورس شموليّة الكنيسة وانفتاحها على الوثنيين. ج- الحياة المسيحية وتوقّف الآباء عند الدور التربوي الذي تلعبه المزامير في حياتنا الروحية، فتهيِّئ الطريق للمؤمنين، وتدلّهم على الفخاخ والمخاطر، وتشجّعهم وتكشف لهم الهدف. أولاً: أسرار التدرج المسيحي. من الطبيعي أن تظهر الكرازة العمادية في المزامير التي تستعملها الليتورجيا (23؛ 42) والتي ترافق الموعوظين في طريقهم إلى جرن المعمودية. وتتابع المعمودية مسيرتها في الحياة اليومية فيبقى الانسان مقسومًا على نفسه. إنسان داخلي وإنسان خارجي تحاصره الشياطين. وتكون الإفخارستيا سند هذه الحياة. ثانيًا: الخطيئة والتوبة. كل الناس خطأة وكلهم متضامنون مع آدم في خطيئته. فالانسان المصنوع على صورة الله ومثاله قد عرف الخطيئة. ويصوّر الآباء السقطة ووعي الانسان لخطيئته والحواجز التي تشكّلها أمام الصلاة والتسبيح، ويشدّدون على اكتشاف إله يرى الخطيئة فيتجاوزها ويغفرها. ثالثًا: الطريق إلى السعادة. وتبرز أمامنا صورة الطريق والمسافر إلى أورشليم الجديدة، إلى مسكن الله: وهنا نجد موضوع الطريقين. وسيبيّن لنا ديديمس الاعمى الصعود الروحي ويرى غريغوريوس النيصي في سفر المزامير طريق هذا الصعود. والمحن جزء لا يتجزأ من هذا التطهير المتدرج الذي لا يُعفى منها أحد. فالقديسون أنفسهم مرّوا في البوتقة قبل أن يصلوا إلى المجد. وهنا تبرز الحياة الاخرى والسعادة السماوية التي تجازي مجهود الانسان. فيقول باسيليوس: المزامير سلّم السماء. د- الصلاة المسيحية الصلاة هي قلب الايمان كما هي قلب المزامير وهدف هذا التفسير. نحن لن نجد مقالة في الصلاة انطلاقًا من المزامير كما فعل كل من ترتليانس وقبريانس وأوريجانس وأوغسطينس وغريغوريوس النيصي عن الصلاة الربيّة. ولكن نستطيع أن نجمع أمورًا عديدة عن الصلاة في تفاسير سفر المزامير. أولاً: الله يبحث عن الانسان. فالله ليس فقط غاية البحث والصلاة، إنه موحي الصلاة ولاسيّما في المزامير التي بها يعلّمنا كيف نصلّي. فالمزمور هو الصلاة التي يوحيها إلينا. وسيبيّن غريغوريوس وديديمس أن الله يذهب في طلب الخروف الضال وأن استعداداته العميقة لا تتغيّر حتى بالنسبة إلى الخاطئ. فهو يعمل كل شيء ليجعله يتبدّل، ويبيّن له أن الحاجز داخل قلبه، والروح هو قلب الصلاة البنوية التي تتوجّه إلى الآب. وهو ينقّي الانسان ليتيح له أن يمدح الله، كما يعطيه موهبة الدموع. ثانيًا: مقوّمات الصلاة. وبعد أن يشير الآباء إلى صعوباتنا في الصلاة (الحزن، ضعف الجسد) يعدّدون مواضيعها الرئيسية: إنها عبادة وصمت ودخول في الذات، مديح وشكر وبحث عن وجه الله، وجوع وعطش لا يرويه إلاّ الله. الصلاة خبرة المحبة التي تشارك الله فيها، ونعمة نتقبّلها بالشكر، وذبيحة روحيّة. ثالثًا: ثمار الصلاة. هي سلام القلب وفرح كما يقول أوريجانس وايرونيموس، وهي انتظار يوم جديد ورجاء. وهي سعادة لا تضاهيها سعادة كما قال باسيليوس الكبير |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|