الكائنين في الرب
سلّموا على الذين هم من أهل نركيسوس الكائنين في الرب
( رو 16: 11 )
لدينا في رومية 16 عيّنة من صفحات كتاب حياة المسئولية العملية المُسجَّل فيه اسم كل واحد وصفاته وأعماله، فنقرأ عن العاملين، المضحين، التاعبين، المحبوبين، المُزكين، الممدوحين، المأسورين والمشهورين، ويسترسل الروح القدس بإبداعه المعهود في وصف لوحة الشرف هذه. وفي ع11 نجد هذا الوصف «الكائنين في الرب»، تلك العبارة التي تشد الألباب وتحني لتأثيرها الركب، وتبتهل النفوس ابتهال العابدين لشخص ربنا الكريم الذي له كل المجد.
فهذه العبارة تعني أن مَنْ التجأ للرب بالتوبة والإيمان، صار الرب له مدينة ملجأ، فلن تصل إليه يد ولي الدم الذي يلاحقه، فهو في مأمن منه يترنم قائلاً: «إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع» ( رو 8: 1 )، وأصبح الرب حصنه كالوبار الضعيف الذي يضع بيوته في الصخر ( أم 30: 26 )، وهؤلاء يتغنون مع داود «الرب حصن حياتي، ممن أرتعب؟» ( مز 27: 1 ) ومع ناحوم يسبحون «صالح هو الرب، حصنٌ في يوم الضيق» ( نا 1: 7 ). فالشخص الذي جعل العلي مسكَنَه، والرب ملجأه، ,إلهه حصنه، ينجو من فخ الصياد ومن الوباء الخطر، وبالخوافي يُظلَّل وتحت الأجنحة يحتمي، لا يخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار، ولا من وباء يسلك في الدُجى، ولا من هلاك يُفسد في الظهيرة (مز91).
وتعني عبارة «الكائنين في الرب» أن الرب هو مكان الرضى الإلهي لهؤلاء الذين فيه يُقيمون، فلا تقدر أية قوة أن تصل إليهم، وحتى أبواب الجحيم لن تقوى عليهم، بل إنهم هناك تستقر عليهم عيني الله الآب ويُسرّ بهم تمامًا، كما يُسرّ بابنه المحبوب الكائن في حضنه. ويا لعمق الأمان والحب، إذ نحن كائنين في ذاك الكائن في حضن الآب. فلك المجد يا محبوب القلب.
وأيضًا تعني هذه العبارة أن هؤلاء الكائنين في الرب، لهم الحق التمتع بأحشاء شخصه الرقيقة، وعواطفه النبيلة ونبضات قلبه المُحب لهم، ذاك المجيد الذي «بطنه عاج أبيض» ( نش 8: 14 )، وهذه الكينونة هي التي جعلت الرسول بولس يقول: «إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي ... لكي أربح المسيح وأوُجد فيه» ( في 3: 8 ، 9).