رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عمل الابن
5: 19- 30 لا يقدر الإبن أن يعمل شيئاً من عنده، بل يعمل ما رأى الآب يعمله. هنا تبدأ خطبة كرستولوجية، موضوعها يسوع المسيح، وتمتدّ حتى آ 47. في قسم أول (5: 19- 30) نعرف أنّ الابن يعمل مثل الآب. في قسم ثانٍ، نسمع شهادة الله لابنه (5: 31- 40). وفي قسم ثالث (5: 41- 47) نفهم لماذا لم يؤمن اليهود بيسوع. ونبدأ بالقسم الأول. في آ 25- لا نترجم "الذين يسمعون". بل: بما انهم سمعوا. أو: حالما يسمعون يحيون. فالذي تعطي له نعمةُ الله أن يسمع، يبدأ بالتالي أن يعيش. في آ 19 من النصّ الغربي، لا نقرأ فقط "الابن" بل "ابن الإنسان" لا يقدر أن يعمل شيئاً. تبدأ آ 19 وآ 30 بذات التأكيد "الحاصر": لا يقدر الابن... أنا لا أقدر أن أعمل. وهكذا يكون المقطع الذي ندرس محصوراً بين هاتين الجملتين كما في معترضة. وهو جزء من مونولوج (يكلّم المرء نفسه) يمتد من آ 19 إلى آ 47. وهو يتوزّع في عبارة "الحق الحق" (آمين، آمين). في آ 19: "الحق الحق أقول لكم" (رج، 24، 25). ثم في آ 28: "لا تتعجّبوا من هذا". ما هي القيمة التاريخية للخطب الكرستولوجية في إنجيل يوحنا؟ هنا نقدّم ملاحظة مبدأية: إعتبر المؤرّخون القدماء منذ القرن الخامس ق. م. أن من حقّهم أن يضعوا خطبًا هامة في فم الأبطال الذين عنهم يتكلّمون، في ذروة الحدث، وبهذا يقدّمون أفكاراً عزيزة على قلوبهم. واعتبروا أيضًا أن واجبهم لا يقوم فقط بإيراد الوقائع، بل وأيضًا بتفسيرها. ويطالب الإنجيل الرابع بهذا الدور. فالمواضيع اللاهوتية في إنجيله، تتجمّع في خطب المسيح. ولكن في خطب المسيح عند يوحنا، لا نجد إلاّ كلمات يسوع. وهي قريبة من التقليد الإزائي عن يسوع. لهذا لا نستطيع، كما قال بعضهم، أن نرى في هذه الخطب نتاجًا صرفًا من لاهوت الجماعة. فالجماعة تأمّلت في أقوال يسوع وأعادت صياغتها، لكنها لم تستنبطها. في 5: 17- 18 إتّخذ يوحنا نقطة انطلاق خاصة ليبرز النظرة المسيحية عن الإتحاد الحميم بين يسوع وأبيه. عارض فكرة خاطئة عرفها الوثنيون، فبيّن أن موقف يسوع تجاه أبيه ليس موقف مزاحمٍ له، بل موقف ابن تجاه أبيه (آ 19، 30). ومع ذلك، أن المجد الإلهي يليق بهذا الابن، لأن الآب يحبّه حبًّا كبيراً بحيث يسلّم إليه كل حقوقه وكراماته، حتى السلطان الإلهي (2 مل 5: 7) بأن يعطي الحياة. في هذا المعنى ترتبط آ 21 (كما يقيم الآب الموتى) بشفاء بيت حسدا، وتجعل من هذا الشفاء رمزاً للقيامة الكبرى، قيامة جميع البشر (ذوي الإرادة الصالحة) بيد الابن (آ 29: عملوا الصالحات، عملوا السيئات، دون تحديد). حين نقرّب آ 21 من آ 26، نجد الوسيلة لكي نفهم الكرستولوجيا المعروفة هنا. فالمسيح هو حقاً بالنسبة إلى كنيسته ذاك الذي فيه الحياة، شأنه شأن الآب، ذاك الذي له سلطان بأن يعطي الحياة. يقول اليهود في صلاتهم اليومية: "مبارك أنت يا رب، يا من تعيد الحياة إلى الموتى". والمسيحيون يتوجّهون إلى المسيح فيقولون له الصلاة نفسها. حين يعمل الله، فالآب والابن يعملان معاً. هذا ما تعنيه هذه الآيات. يرى يوحنا أنّ مهمة الديّان تقوم خصوصاً بأن تعطي الحياة. وبصورة أدقّ: الذي يؤمن بيسوع قد وجد طريق الحياة، وبالتالي تمّ القرار (الدينونة) مع اتصال بشخص يسوع. حين ننطلق من هنا، نفهم بوضوح لماذا انتقل الإنجيلي مباشرة من "عطية الحياة" إلى فكرة الدينونة (آ 22). فهذان الشيئان ينتميان كلاهما إلى كيان الله بالذات، وهما لا ينفصلان. بما أن الله هو الذي يعطي الحياة، هو الذي هو كلي الصلاح، فهو في الوقت عينه الكاهن السرّي الذي يفرض على البشر القرار العملي (على مستوى الأخلاق). إنّ لفظة "مرسِل" (الذي أرسل) التي وضعت (كمفتاح) في نهاية آ 23، تقود القارىء إلى سلسلة من الأفكار. فالذي يسمع كلمة يسوع ويقبلها، أي يرى في يسوع نفسه كلمة الله الموجّهة إلينا، يعطي جواباً إيجابياً إلى الذي توجّه إلينا وأرسل إلينا كلمته وحبيبه: "يؤمن بمن أرسل" الابن (آ 24). والتعرّف إلى من هو صالح والقبول به هما بداية الحياة الداخلية التي تدوم إلى الأبد. ويأتي القرار بالنسبة إلى شخص يسوع منذ حياتنا على الأرض. فساعة (الدينونة) "تأتي، ونحن فيها" (قد أتت الآن) (آ 25). هنا نميّز بوضوح بين تأكيدات آ 25 وآ 28. في آ 28 يقول النصّ: "كل الراقدين في القبور يسمعون نداء صوته". هذا جزء من "أعمال أعظم" ستأتي فيما بعد (آ 20: سيريه أعظم فتتعجّبون). أما في آ 25، فالموضوع موضوع سماع قد بدأ: "جاءت الآن". لقد بدأ السامعون يحيون: فالذين ماتوا روحياً، سيدركون الحياة بالإيمان (رج 3: 15؛ 11: 26). فبجانب نهاية الأزمنة، بجانب الاسكاتولوجيا التي لم تحلَّ بعد، يتدخّل حدث حاضر، تتدخّل اسكاتولوجياً قد تحقّقت وتمّت. هناك من يعتبر أن الحديث عن الدينونة الأخيرة والقيامة المقبلة (آ 27- 29)، أمر نافل. مثل هذا الشخص يتوقف عند الظواهر. أمّا الواقع فهو غير ذلك. فاتخاذ القرار من أجل المسيح أمر نقوم به الآن. أمّا قيامة الحياة أو الدينونة التي تحرق كل شيء، فهي لم تأتِ بعد. تتحدّث آ 29 عن أعمال صالحة أو سيّئة (صالحات، سيّئات) بشكل عام. وفي النهاية يكون الحديث عن جميع البشر، وليس فقط عن الذين التقوا بالمسيح بشكل أو بآخر خلال حياتهم على الأرض، فدفعهم هذا اللقاء إلى اتخاذ موقف بالنسبة إليه. ما يفرضه النصّ الذي ندرس هو ذات النظرة إلى مجمل البشرية كما في رؤ 20: 13، حيث يُدان جميع البشر "حسب أعمالهم"، حتى الذين لم يلتقوا المسيح بطريقة واعية. في آ 27 تبدو الاسكاتولوجيا بعيدة، ولكنها ترتبط بصورة معروفة في دانيال (7: 10- 14) والأناجيل الإزائية (مر 14: 62 وز): فالديّان في نهاية الأزمنة هو "ابن الإنسان". في كل هذه الخطبة، لا يربط يسوع حقوقه بصفته الكلمة الأزلي والحاضر قبل الكون، بصفته مساوياً لأبيه، بل بصفته ابناً طائعاً يسمع لأبيه ويتقبّل منه ملء الحياة ليتيح لآخرين أن يستقوا من ينبوع الحياة هذا. حوّل يوحنا نقطة تركيزه على الكرستولوجيا. لهذا تبدّلت لوحة الدينونة عنده. فإذا كان يسوع معروفاً منذ حياته على الأرض على أنه كلمة الله. وإذا عرّف بنفسه الآن على أنه قبل كل شيء كلمة وروح محيي في كنيسته. ماذا كان المسيح نفسه هو الذي يكلمنا نحن الذين نقرأ إنجيله، يجب أن نتخذ قرارنا منذ الآن بالنسبة إلى هذا الصوت الذي يتوجّه إلينا (18: 37). من هذه الوجهة نقول: ساعة الدينونة هي منذ الآن هنا، هي حاضرة (3: 18- 21؛ 12: 31). منذ اليوم، سيسمع الموتى "صوت ابن الإنسان". وبما أنهم يسمعونه، فهم سيبدأون يحيون (5: 25). ولكننا لسنا أمام تسبيق للدينونة الأخيرة في حدّ ذاتها. بل نحن أمام عمل خلاص المسيح ووحيه الذي بدأ والذي نقرّر وجهة حياتنا بالنسبة إليه. منذ الآن بدأت بطريقة روحية القيامةُ الحقيقية لشعب الله. قدّم يسوع نفسه في هذه الآيات (آ 19- 30) على أنه الحياة والديّان. وسيبرّر هذا "الإدّعاء" فيما بعد. قدّم نفسه في علاقته مع أبيه. الابن يقتدي بأبيه، لأنه يحبّه، لأنه يعلّمه ما يجب عمله. هذه هي علاقة يسوع بأبيه: علاقة محبّة وطاعة. وينطلق يسوع من هنا ليبرّر ما عمله يوم السبت: تصرّف مثل أبيه. هو يحيي أولاً (آ 21)، ثم يدين (آ 22- 23)، كما أمره الآب. في العهد القديم، الدينونة خاصة بالله وهي واقع مقبل لا حاضر. ولكن أعطي منذ الآن امتياز للإبن بأن يدين. وهكذا صارت معارضة اليهود لعمل يسوع يوم السبت، نقطة إنطلاق لوَحي حول هويّته كابن. وانقلب الوضع. كان يسوع متّهماً فإذا هو يدين البشر. وتتحقّق الدينونة منذ الآن في السماع إلى يسوع والإيمان بالآب. ويرتبط السماع بالإيمان إرتباط الآب بالابن. فسماع الابن والإيمان بالآب أمرٌ واحد. هذا يدلّ على أنّ الواحد لا ينفصل عن الآخر. وأن من رذل يسوع أنكر الآب. والمؤمن الذي يتعلّق في اندفاع واحد بالآب والابن، ينال عطية الحياة الآن ولا تكون له دينونة. ونجد في آ 25- 30 مواضيع قرأناها فيما مضى، فتوسّع فيها يوحنا وتعمّق. ابن الإنسان (1: 51). نجد هذه الصورة في دا 7: 14 وفي سفر أخنوخ، وهي ترتبط بالدينونة الأخيرة. إن آ 24 قدّمت اسكاتولوجيا تحقّقت. أمّا آ 29 فتحدّثت عن اسكاتولوجيا مقبلة. بمجيء يسوع تدشّنت الأزمنة الأخيرة. وبدأت الدينونة بقبول يسوع أو رفضه. "لقد جاءت الساعة وهي الآن". لقد دخلنا مع يسوع في ما هو "حاضر الآن". ونسير نحو القيامة الأخيرة التي لم تحصل بعد. ووسيط هذه الحياة الأبدية هو "ابن الله" (آ 25) و"ابن الإنسان" (آ 27). والشرط الوحيد هو أن نسمع صوته. إذن، كل قارىء يستطيع أن يُصغي للكلمة فينال منذ الآن الحياة الأبدية. إن الاسكاتولوجيا المحققة لا تلغي القيامة الأخيرة. لقد أعطى يوحنا الأولوية للحياة الأبدية منذ الآن. ولكن الاسكاتولوجيا (نهاية الأزمنة) تحتل حيّزاً هامّاً في تعليمه |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أنجيل يوحنا - الصلب |
أنجيل يوحنا - طعن يسوع |
أنجيل يوحنا - دفن يسوع |
أنجيل يوحنا - يوحنا والإنجيل الرابع |
أنجيل يوحنا - هوية الابن |