* إنه لأمرٌ عجيبٌ أنّ شخصًا وحيدًا (القديس أنطونيوس الكبير) في بريّةٍ كهذه لم يخشَ الشياطين التي هاجمته، ولا وحشية الوحوش والزحافات، إذ كانت كثيرة جدًا، لكنه حقًا كما هو مكتوب: "توكل على الرب مثل جبل صهيون" (مز 125: 1)، بإيمانٍ لا يتزعزع ولا يضطرب، حتى هربت الشياطين منه، وسالمته وحوش البرية كما هو مكتوب (أي 5: 23).
كان إبليس، كما يقول داود النبي في المزامير (مز 35: 16) يراقب أنطونيوس ويصرِّ عليه أسنانه. أما أنطونيوس فكان متعزِّيًا بالمخلِّص، وبقيَ سالمًا من حيله ومكائده المختلفة. كان يسهر بالليل، فيرسل عليه إبليس وحوشًا برّيّة، وكأنّ كل ضباع تلك البرّية تقريبًا قد خرجت من مغايرها وأحاطت به، وهو في وسطها، يهدِّده كلُّ واحدٍ بالعضّ. وإذ رأى حيلة العدو، قال لها: ”إن كان لكم سلطان عليَّ فأنا مستعدٌ أن تلتهموني، أمّا إن كنتم قد أُرسِلتم عليَّ من قِبَل الشياطين، فلا تمكثوا، بل انصرفوا، لأنني عبدٌ للمسيح“. فهربت كلها أمام تلك الكلمة، وكأنها قد ضُربت بالسياط .